المشهد الكبير والعالمى فى شرم الشيخ لم يكن نتاج عمل وقدرة تلك المؤسسات التى تعاملت مباشرة مع العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فحسب، لكن الحقيقة أن ذلك المشهد المبهر كان تجسيدا لقدرة الدولة المصرية كلها. صفحات التاريخ مليئة بتجارب ومغامرات لدول قادتها القوة نحو الهاوية، فى مقابل انتصارات صنعتها دول تمتلك القدرة فاستثمرتها لبناء مستقبل لا تستطيع القوة أن تصل إليه، لذلك يراهن أصحاب البصيرة دائما على القدرة وليس القوة، فالقوة تدفع إلى الغرور والتورط. شتان الفارق ما بين مفهومى القوة والقدرة، فالقوة من ضمن مكونات بناء القدرة، وتعنى امتلاك تفوق ما فى أحد المجالات، لكن القدرة مفهوم أوسع وأبعد مدى إذ يعنى توظيف كل المقومات لبناء كيان متماسك وقادر على مواجهة التحديات بمرونة وكفاءة عالية. وقد تمتلك دولة ما قوة عسكرية تمكنها من القتال لفترة محدودة، لكنها لا تملك القدرة على مواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية فى آن واحد، بل وحتى لا تمتلك القدرة على الاستمرار فى القتال على جبهات متعددة أو مواصلة الحرب لفترة طويلة. الدولة القادرة يمكنها الاستمرار فى خياراتها حتى النهاية، فهى تملك معينا بشريا وماديا يمكنها من السير فى طريقها إلى النهاية بإرادة صلبة قادرة على تجاوز العقبات واجتياز الانكسارات وتغيير المعادلات. وصفحات التاريخ مليئة بتجارب ومغامرات لدول قادتها القوة نحو الهاوية، فى مقابل انتصارات صنعتها دول تمتلك القدرة فاستثمرتها لبناء مستقبل لا تستطيع القوة أن تصل إليه، لذلك يراهن أصحاب البصيرة دائما على القدرة وليس القوة، فالقوة تدفع إلى الغرور والتورط، وفائضها أشبه بتراكم السعرات الحرارية التى تؤدى لقتل صاحبها إن لم يستطع السيطرة عليها. بينما القدرة تدفع صاحبها للتريث والتعقل، بل وتمنحه ثقة عميقة بقدرته على مجابهة التحديات وإن تعددت وتكاثفت، لأنه يمتلك من الأدوات ما يتيح له القدرة على تنويع مداخل التعامل مع تلك التحديات. ■■■ وتمثل مصر نموذجا لامتلاك القدرة، فهى تمتلك شعبا يمثل معينا بشريا متجددا يمكنها من ضخ الكوادر فى مختلف القطاعات، واكتشاف مواهب ومبدعين بالآلاف فى كل المجالات، فضلا عن امتلاكها مساحة جغرافية تمتاز ب»عبقرية المكان» وفق تعبير العالم الموسوعى جمال حمدان. لكن مصر لم تكتف بما منحه لها المكان فأضاف شعبها إلى المكان مكانة، عبر تاريخ عريق فى بناء الحضارة، وصناعة التاريخ، وإثراء الفكر والثقافة الإنسانية بإبداعات خالدة فى الفن والأدب والعلوم على اختلاف تنوعاتها، فضلا عن بناء إرث عريق من قيم التسامح والحوار بين الأديان والثقافات والحوارات. وقد كان امتلاك دولة قوية وقادرة، ومؤسسات عريقة وتقاليد راسخة، والحرص على تطوير تلك المؤسسات لتواكب المتغيرات، من أهم أدوات امتلاك القدرة الشاملة للدولة المصرية خلال العقد الأخير. ■■■ أقول ذلك وأنا أتابع بفخر الأداء المبهر للدولة المصرية خلال الآونة الأخيرة فى عدد من المجالات، والتى أثمرت عددا من الإنجازات التى أسعدت كل مصرى محب لوطنه، سواء على مستويات السياسة وفرض إرادة السلام فى الإقليم، أو بالتقدم فى المحافل الدولية عبر فوز مستحق للمرشح المصرى د. خالد العنانى بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، أو حتى بالوصول دون تعقيدات إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم. واليوم وأنا أكتب من شرم الشيخ، وأتابع عن كثب تلك التحركات المصرية الواعية التى قادت إلى استعادة الإقليم الذى كان يقف على شفا الهاوية، ووضعه على مسار التهدئة أملا فى أن يواصل الطريق نحو سلام شامل ومستدام. لا أنظر للأمر من زاوية الفخر والسعادة - وهى واجبة ومستحقة - بل أنظر للواقع بصورة أعمق وأشمل، فما نراه اليوم ليس سوى قطف لثمرة، كان وراء إنضاجها جهد حقيقى من أجل زراعة شجرة للسلام أصلها ثابت وفرعها فى السماء، كى تؤتى أكلها لإقليم أدمته الصراعات، وأثخنت جسده مظالم التاريخ. ما تحقق من إنجاز وجسدته قمة شرم الشيخ للسلام بكل تفاصيلها المشرفة، لم يكن ليتحقق إذا لم تكن وراءه دولة قادرة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ ووجوه. ■■■ والقدرة هنا تبدأ من الرؤية التى تحكم الدولة وتسير وفقها القيادة والمؤسسات المختلفة، فبغير رؤية واضحة تتشتت الجهود وتتنافر المساعى، بينما الرؤية المنضبطة الواقعية تحول العمل إلى سيمفونية منضبطة تصل إلى الهدف بأفضل الطرق. ويضاف إلى قدرة الدولة امتلاكها لمؤسسات قادرة تمكنها من إنفاذ إرادتها وتحقيق الهدف المنشود، وما حققته الدولة المصرية فى إعادة المنطقة إلى مسار السلام كان نتاج عمل منسق بين العديد من المؤسسات الوطنية الاحترافية، بداية من مؤسسة الرئاسة بكل ما تمثله القيادة السياسية من حنكة واتزان، وما يعكسه خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى وحضوره المثمر فى بناء دبلوماسية وطنية هادئة وفعالة فى الوقت ذاته. وهناك كذلك مؤسسة الخارجية المصرية التى تستند إلى تراث عريق من العمل الدبلوماسى والتحركات الهادفة فى المحافل الدولية، وترجمة رؤية الدولة إلى مشاركة فاعلة سواء على المستوى الثنائى أو فى المحافل الدولية، وتعزيز الفهم الإقليمى والدولى للرؤية والمواقف المصرية الناضجة، واستثمار رصيد هائل من العلاقات الدولية والمواقف المساندة إلى المبادئ الإنسانية والأخلاقية والقانونية فى توسيع نطاق التفهم الدولى لحقائق الأمور، وخطر الانسياق وراء أوهام القوة وغرورها القاتل. ولا بد هنا من إشادة مستحقة بمؤسسة وطنية عريقة، صحيح أن معظم عملها يجرى بعيدا عن الأضواء، لكن الاحترافية العالية والجهد الاستثنائى الذى بذله المفاوضون الأشداء من رجال جهاز المخابرات العامة المصرية، أمر يصعب تجاوزه، فقد كان لصبرهم وحنكتهم واحترافيتهم فى إدارة واحد من أعقد ملفات التفاوض على الإطلاق، أبلغ الأثر فى التوصل إلى نتيجة يأملها الجميع وهى وقف الحرب، وقد استحق رجال المخابرات العامة إشادة كل الأطراف المشاركة فى المفاوضات الماراثونية من أجل التوصل إلى اتفاق شرم الشيخ للسلام. ■■■ المشهد الكبير والعالمى فى شرم الشيخ لم يكن نتاج عمل وقدرة تلك المؤسسات التى تعاملت مباشرة مع العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وعلى العديد من دول الإقليم فحسب، لكن الحقيقة أن ذلك المشهد المبهر كان تجسيدا لقدرة الدولة المصرية كلها. قيمة ما يجرى فى شرم الشيخ من فرض لإرادة السلام فى مواجهة منطق الحرب والعدوان، أنه تجسيد لجهد ومسار عمل طويل وكفاح طويل خاضته الدولة المصرية على مدى سنوات لبناء قدرتها الشاملة وتعويض ما فاتها فى سنوات الاضطراب فى مرحلة ما بعد 2011. لم يكن للدولة المصرية أن تجمع العالم بتلك الصورة إذا لم تكن تمتلك قدرة سياسية نشطة على إقناع الجميع بأن السلام هو الطريق الأمثل والأسلم لمنطقة تعانى من تنازع المشاريع الإقليمية وتباين المصالح الدولية، وهو ما يجعل أية أزمة ولو داخلية فى أى من دولها بالغة التعقيد والتشابك، فما بالنا بحرب طالت حدود دول عدة، وحرائق كان من الممكن أن تمتد لبقية دول الإقليم. ■■■ لم يكن لمصر أن تسهم فى إقناع قوى دولية مؤثرة وفاعلة أن تغير مواقفها، وأن تتحول من داعم للحرب إلى مساند للسلام إذا لم تكن تمتلك مصداقية الموقف، ووضوح الرؤية، واحترافية المؤسسات التى عملت بدأب ودون استسلام للعراقيل والعقبات التى وضعت فى طريق الوصول إلى سلام لكى تستمر الحرب إلى مدى يخدم أهدافا ضيقة لحفنة من المغامرين والمقامرين بمصاىر الدول والشعوب من أجل أوهام وأساطير تعشش فى خيالهم الاستيطانى. لم يكن للدولة المصرية أن تدفع الموهومين بالقوة والمتغطرسين بالدعم الدولى للوقوف عند حدهم، إذا لم تكن تمتلك القدرة على ردع المهددات والمخاطر، بامتلاك القدرة العسكرية الكافية لحماية حدودها وقطع أى يد تمتد بسوء نحو الدولة ومواطنيها ومصالحها، وأن تكون تلك القدرة رادعا كافيا لكل من تسول له نفسه اختبار أو استفزاز تلك القدرة، وهذا فى عرف العلوم الاستراتيجية أعلى درجات الانتصار، وهى أن تحقق هدفك بغير قتال. ولم يكن للدولة المصرية أن تطمئن لخوض غمار حقل الألغام الشرق أوسطى، إلا وهى تدرك أن لديها جبهة داخلية واعية ومتماسكة، تسند تحركات القيادة وتوفر لها الدعم الكافى لكى تنطلق فى مسعاها الحميد من أجل استعادة الهدوء والاستقرار الإقليمى المفتقد، وهذه الجبهة الداخلية من أهم أدوات امتلاك القدرة. ولم يكن للدولة المصرية أن تقوم بأدوات فاعلة فى تقديم العون للأشقاء فى قطاع غزة وتيسير دخول المساعدات إليهم لولا امتلاكها لمجتمع مدنى حيوى ونشط ومنظم، وهو بالفعل ما تحقق خلال السنوات الماضية التى أعيد خلالها بناء وتنسيق قدرات منظمات المجتمع المدنى، فتحول إلى فاعل مهم فى تعزيز الدبلوماسية الإنسانية، وبالتالى إضافة مصدر من مصادر قدرة الدولة. ■■■ كل الإنجازات التى تحققت أو ستتحقق، من شرم الشيخ إلى تحسن مؤشرات الاقتصاد وتجاوزه تداعيات الأزمات الإقليمية والدولية، ومن افتتاح المتحف الكبير إلى تطوير الإعلام المصرى، ومن تحسين خدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية إلى تنويع مصادر التسليح ورفع كفاءة جميع مؤسسات الدولة المصرية ليست سوى تنويعات وثمار لمفهوم تؤمن به الدولة المصرية ويتمسك به المشروع الوطنى الذى يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسى، ألا وهو امتلاك الدولة لأدوات القدرة الشاملة. هذه الرؤية الصادقة والواقعية تعتمد على مجموعة من الثوابت والمحددات يصعب حصرها فى هذا السياق لكن يمكن التطرق لبعضها، والتى مكّنت مصر من بناء علاقات متوازنة وقوية مع مختلف الدول داخل الإقليم وفى العالم. ومن أهم تلك المحددات تغليب اعتبارات التعاون والعلاقات الودية بديلا لمسارات الصراع والتوتر، واستطاعت مصر عبر هذا التوجه أن تحافظ على رصيد علاقاتها الاستراتيجية مع القوى الكبرى وفى مقدمتها الولاياتالمتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبى. وقد استطاعت القاهرة على مدى العقد الماضى أن تضيف الكثير من الزخم لهذه العلاقات وأن تمد تحركها إلى دوائر مهمة كالدائرة الإفريقية، التى استعادت فيها مصر حضورها التاريخى، وأعادت بناء قدرتها على قيادة القارة، وقد انعكست ثمار هذا النهج فى التصويت الأخير فى اليونسكو، إذ ذهبت أصوات الدول الإفريقية للمرشح المصرى رغم وجود منافس إفريقى آخر. وتمكنت القاهرة أيضا من أن تعزز حضورها السياسى والاقتصادى فى التجمعات الدولية الصاعدة، ولم تكن عضويتها فى تجمع دول «بريكس» سوى خطوة على طريق تعزيز قدرة مصر على بناء شراكات دولية ذات فائدة للدولة. كما اكتسبت القاهرة مصداقية كبيرة على الساحة الدولية بفضل قدرتها على إدارة علاقاتها الدولية بتوازن، وإدارة ملفات التوتر باتزان؛ رغم التحديات التى واجهت الدولة المصرية سواء بسبب النهج الإثيوبى المخالف لكل الأعراف والقيم القانونية الدولية فى التعامل مع مياه النيل، والتوتر على الحدود فى ليبيا والسودان وقطاع غزة، وقبله توتر العلاقات مع بعض دول الإقليم نتيجة تركة الفوضى التى خلفتها أحداث 2011. استطاعت مصر أن تدير تلك الأزمات باتزان وعقلانية مثيرة للإعجاب، وأن تُحجم التداعيات الضارة لتلك التوترات دون تورط فى صراع أو السياق وراء معارك هامشية تصرف الجهود عن المسار الصحيح لتحقيق نتائج ذات قيمة. ■■■ ذلك النهج المتزن والمتوازن، وعدم الانجرار وراء معارك وخصومات لا طائل من ورائها، كان سببا فى استعادة العلاقات الودية مع دول عربية وإقليمية وتوظيف تلك العلاقات لخدمة السلم والأمن فى الإقليم. وتمكنت مصر من تحويل أسباب الصراع والتوتر فى منطقة شرق المتوسط، والتنافس على ثروات الغاز من وسيلة للنزاع إلى فرصة للتعاون وبناء شراكات ناجحة عبر منتدى غاز شرق المتوسط، وبناء جسور قوية للتعاون مع دول جنوب المتوسط، وبخاصة اليونان وقبرص. وحتى المحن التى تعرضت لها مصر خلال العقد الماضى استطاعت تحويلها إلى منح، وقد تحقق ذلك بفضل الله ثم بحكمة القيادة وانضباط العمل، وامتلاك القدرة على المواجهة وتكامل أدوات الدولة. على سبيل المثال استطاعت مصر أن تحقق تجربة مشهودة فى مكافحة الإرهاب، ليس فقط بأدوات القوة الأمنية والعسكرية التى كانت ضرورة حاسمة لمواجهة تنظيمات تكفيرية عنيفة مثلت خنجرا فى أيدى قوى الشر للنيل من مصر وأهلها بل وظفت الدولة كذلك قوتها الناعمة لمكافحة الفكر المتطرف وتحصين الوعى المصرى ضد الاختراق. وكانت التجربة المصرية فى التصدى للإرهاب نموذجا لا يزال يستقطب الدارسين والمعنيين من مختلف دول العالم، وتحول التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب إلى جسور صداقة تساهم من خلالها القاهرة فى بناء جبهة دولية أكثر تماسكا فى مواجهة هذه الآفة العالمية. حتى الخطاب المصرى سواء فى مستوياته الرئاسية أو الدبلوماسية ستجده خطابا منضبطا، يمثل أرقى مراتب الالتزام بقيم الاحترام المتبادل وحرفية الصياغة التى تضع كل كلمة فى موضعها، وتستخدم الرسائل ذات الدلالة دون تجاوز أو غموض. كما اتسمت رؤية القاهرة بالبناء على المصالح المشتركة، وتعزيز قنوات التواصل الفعال، خاصة مع القوى ذات التأثير، ولعل التعامل مع الولاياتالمتحدة يمثل نموذجا يستحق الإشادة والتقدير فى هذا الصدد.. فرغم إدراك طبيعة العلاقة الخاصة والاستراتيجية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وتعقد وتشابك تلك العلاقة على مستويات عدة، إلا أن القاهرة لم تكل أو تمل من التواصل مع واشنطن سواء على المستوى الثنائى أو عبر دبلوماسية عربية وإسلامية نشطت خلال العامين الماضيين. كان الرهان على إقناع الإدارة الأمريكية بخطورة الموقف، ودفعها لوقف نزيف المصالح والمكانة الذى تتعرض له جراء مواقفها المنحازة لإسرائيل، والتكلفة الهائلة التى تتكبدها المصالح الأمريكية والدول الحليفة لها جراء التماهى مع رؤية تل أبيب. وبموازاة ذلك انخرطت القاهرة فى مسار شاق لتوفير قنوات الاتصال والعمل مع مختلف الأطراف ودفعهم إلى التعامل بجدية وواقعية مع المشهد المضطرب وتداعياته الكارثية على الجميع.. وفى النهاية انتصرت إرادة السلام التى تقف مصر دائما رمزا لها بالقوة والقدرة.. بالمبدأ والعمل.. وبالالتزام والانضباط. ■■■ إن ما تحقق فى شرم الشيخ ليس سوى لوحة ختامية لمسار شاق ومعقد من العمل، استثمرت فيه القاهرة قدرتها الشاملة لخدمة السلم والأمن الإقليميين والدوليين، فهى الدولة التى فتحت طريق السلام فى الشرق الأوسط، وهى الأقدر دائما على الحفاظ عليه واستعادته من براثن دعاة الحرب وعَرّابى الخراب. ما حققته مصر ليس سوى خطوة على درب أطول وربما أكثر تعقيدا، سيكون الرهان فيه على مصر أكبر وأثقل، لكنها بما تمتلكه من قدرة وقوة هى الأقدر على حمل تلك المسئولية والأمانة الكبيرة، فهذا قدَرُها وقدْرُها. كان الرهان على إقناع الإدارة الأمريكية بخطورة الموقف، ودفعها لوقف نزيف المصالح والمكانة الذى تتعرض له جراء مواقفها المنحازة لإسرائيل، والتكلفة الهائلة التى تتكبدها المصالح الأمريكية والدول الحليفة لها جراء التماهى مع رؤية تل أبيب. لم يكن للدولة المصرية أن تدفع الموهومين بالقوة والمتغطرسين بالدعم الدولى للوقوف عند حدهم، إذا لم تكن تمتلك القدرة على ردع المهددات والمخاطر، بامتلاك القدرة العسكرية الكافية لحماية حدودها وقطع أى يد تمتد بسوء نحوها. لم يكن للدولة المصرية أن تطمئن لخوض غمار حقل الألغام الشرق أوسطى، إلا وهى تدرك أن لديها جبهة داخلية واعية ومتماسكة، تسند تحركات القيادة وتوفر لها الدعم الكافى لكى تنطلق فى مسعاها الحميد من أجل استعادة الاستقرار الإقليمى المفتقد.