سلامٌ على مصرنا حينما تُحارب، وسلامٌ عليها عندما تجنح للسِّلم بكبرياء الانتصار، وسلامٌ عليها وهى تبنى وتُعمِّر، سلامٌ عليها وهى تضمد جراح إقليمٍ ينزف، وتبذل مساعى صادقة لتُجنِّب شعوب المنطقة ويلات حروبٍ وفوضى على يد سماسرة الخراب ودُعاة القتل. فى زمن يتزايد فيه التصعيد والعنف على المستويين الإقليمى والدولى، تتصدَّى مصر بشجاعةٍ ونبلٍ لكل محاولات جر المنطقة لحربٍ إقليميةٍ لم تشهدها من قبل، وتُواصل القيادة السياسية اتصالاتها بكل شركائنا الإقليميين والدوليين؛ بحثًا عن طوق نجاة من هذا الجنون، وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤالٌ أساسىٌّ: مَنْ يسعى وراء الدمار والخراب؟ قد يبدو السؤال بسيطًا وبديهيًا، لكن الإجابة ليست بنفس البساطة؛ فإذا كنا نرى مَنْ يدعو للخراب ويرفع السلاح ويشتبك ميدانيًا، غير أن هناك جهات مختلفة قد تجد فى الفوضى وسيلةً لتحقيق مصالحها، سواء كانت مصالح سياسية، اقتصادية أو حتى أيديولوجية. ما يجرى على الساحة الدولية والإقليمية يُظهر أن بعض الأطراف تُفضِّل استخدام العنف والصراعات المسلحة؛ لتغيير مسارات الدول والسياسات بل وخريطة الشرق الأوسط. هؤلاء الذين يبحثون عن الدمار ليسوا فقط الفاعلين المباشرين فى الصراعات، ربما بعض هؤلاء مجرد أدوات، فلا يجب أن ننسى أولئك الذين يُغذّون هذه النزاعات إعلاميًا وسياسيًا واقتصاديًا، إن التصعيد المسلح لم يعد محصورًا فى نطاق الحرب التقليدية، بل أصبح سلاحًا بيد الدول التى تسعى إلى تحقيق هيمنتها على حساب استقرار الآخرين. مصر، بمكانتها الإقليمية المهمة، ليست بمنأى عن هذه المحاولات؛ فعلى مر السنين حاولت قوى عديدة زرع الفتنة وزعزعة الاستقرار داخل البلاد باستخدام أدوات غير تقليدية مثل الميليشيات المسلحة، وحروب الجيل الرابع، كل هذه المحاولات ليست جديدة، بل هى حلقة فى سلسلة طويلة من تاريخ الاستهداف الذى نجحت مصر فى كشفه والتصدى له ودحره. ربما ما نُشاهده وتشهده المنطقة من توتراتٍ يدعونا لنتساءل: ماذا يجرى، وكيف؟ وما هو دورنا حفاظًا على الدولة الوطنية بمؤسساتها؟ فتلك المؤسسات ليست مجرد هياكل إدارية، بل هى قلب الدولة وروحها، ويُمثِّل الجيش الوطنى، بصفته المؤسسة التى تحمى البلاد، العمود الفقرى الذى يُحافظ على استقرار الدولة وأمنها، من هنا، تأتى أهمية دعم الجيش والحفاظ على دوره وفق قواعد راسخة وعريقة، فالجيش الوطنى هو المؤسسة التى تعمل بقوة الشرعية والقانون والاحترافية؛ دفاعًا عن (الشرعية وسيادة الدولة ووحدتها)، وهو خط الدفاع الأول ضد الفوضى ومخططات التقسيم.. ولطالما تحدَّث الرئيس عبد الفتاح السيسى فى العديد من اللقاءات عن هذه الرؤية، مُشددًا على أن قوة الدول تكمن فى مؤسساتها الوطنية المُتماسكة، وأن الجيش الوطنى هو العمود الفقرى للدولة، وعلاقة المصريين بقواتهم المسلحة تُعدُّ نموذجًا فريدًا من نوعه على مدار تاريخ هذه الدولة، فمصر بخبرتها الطويلة والتى تملك (كتالوج) خاصًا يُمثِّل نموذجًا كطوق نجاة - يُمكن الاسترشاد به - فى الحفاظ على أمنها واستقرارها، تعرف جيدًا أهمية وجود جيش موحد قوى يُحافظ على الأراضى ويُدافع عنها فى مواجهة كل مَنْ يُحاول تقويض سيادتها أو التدخل فى شئونها الداخلية. القوة الحقيقية للدولة ليست فى الأسلحة التى تمتلكها فقط، بل فى تماسك الجبهة الداخلية، والترابط العميق بين الشعب وجيشه، وفى قدرة المؤسسات على العمل بمرونة وقوة فى مواجهة التحديات، ويُعدُّ الحفاظ على هذا الترابط هو السبيل الوحيد لضمان استقرار مصر فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. لا يُمكن لأى قوة خارجية، مهما كانت كبيرة أو صغيرة، أن تدفع مصر للتخلى عن دورها التاريخى أو أمنها القومى، ليس هذا من قبيل الإطراء العاطفى لبلادنا، ولكن مصر لعبت دورًا بارزًا فى الحفاظ على استقرار المنطقة، ولعل المشاهد والمواقف وما تحمّلته مصر منذ أكتوبر العام الماضى خير دليل على ثبات الرؤية المصرية ورسوخ قناعة قيادتها السياسية بما نُسميه (الدور الضرورة)، والذى بدونه تختل موازين القوى فى الإقليم الذى اشتعل رأسه شيبًا من هول ما جرى ويجرى، ورغم الظروف الضاغطة والفواتير التى نتحمّلها، من المستحيل أن تتراجع مصر عن هذا الدور، سواء كان ذلك فيما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية أو محاولات إعادة رسم جغرافيا الإقليم على حساب دول وشعوب وأمن واستقرار المنطقة. الخطاب الرئاسى المصرى يُؤكد دائمًا على استحالة أن تتخلى مصر عن قضيتها العادلة أو أمنها القومى، فالدولة المصرية تُدرك يقينًا أن أمنها القومى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن المنطقة ككلٍ، وبالتالى فإنها تلعب دورًا رئيسيًا فى تحقيق الاستقرار الإقليمى، كل محاولات تقزيم دور مصر أو النيل من دورها وتحجيم تأثيرها هى محاولات محكوم عليها بالفشل؛ لأن مصر تملك فرض إرادتها ورؤيتها متسلحةً بقدراتها الشاملة اللازمة للدفاع عن مصالحها، هذه هى عقيدتنا التى تعتنقها القيادة السياسية. الرئيس يُولى أهميةً قصوى لقيمة الجيوش الوطنية ودورها فى الحفاظ على الدولة والهوية الوطنية فى خطاباته، ويُشدد على أن الجيش ليس مجرد مؤسسة عسكرية، بل هو رمزٌ لقوة الدولة ووحدتها، وهو طرحٌ بلسانٍ مصرىٍّ مبين، فالشعب المصرى يمتلك ترابطًا عميقًا مع جيشه الوطنى، وهذا الترابط هو ما يجعل من الصعب جدًا على أى جهةٍ خارجيةٍ زعزعة استقرار مصر أو اختراق هذه العلاقة، وعلى مر التاريخ، والنماذج كثيرة، حاولت بعض القوى الإقليمية زعزعة الاستقرار الداخلى فى مصر باستخدام أدوات غير مشروعة؛ لإفساد هذه العلاقة، لكنها فشلت بفضل وحدة الجيش والشعب.