تاريخ مصر مع فلسطين ليس خطاباً يُلقى.. بل رصاصة حق تُطلق.. من أنشاص حيث اتحدت إرادة العرب، إلى غزة حيث تتصدى الإرادة المصرية لرفض التهجير دون رضوخ للتهديد أو قبول للمساومة، تقف مصر كالجدار الحديدى، تدافع عن حق الشعب فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، تتحرك مصر من مقاعد مجلس الأمن إلى ممر رفح الإنسانى، لتثبت أن الحق الفلسطينى خط أحمر، ومؤخراً حققت مصر المعادلة الصعبة بتوقيع قرار وقف إطلاق النار فى غزة على أرض السلام شرم الشيخ. اقرأ أيضًا | من الميدان للمفاوضات.. كيف تغيَّر ميزان القوى فى غزة؟ عبر التاريخ، شكلت مصر منذ العصور والأزمنة الماضية وما زالت، حائط صد ضد كافة الأطماع الاستعمارية فى أرض الشام وخاصة دولة فلسطين ، وأثبتت مصر العروبة أن هناك ثوابت تتعلق باعتبارات الأمن القومى المصرى وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية مع شعب فلسطين. . كان ذلك سبيلاً أن تكون جمهورية مصر العربية فى المواجهة والحسم فى كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية لذلك لم يكن الموقف المصرى من قضية فلسطين فى أى مرحلة يخضع لحسابات مصالح آنية، ولم يكن أبداً ورقة لمساوماتٍ إقليمية أو دولية، وبالتالى فإن ارتباط مصر العضوى بقضية فلسطين لم يتأثر بتغير النظم والسياسات المصرية. فالتاريخ شاهد ملك على موقف مصر الداعم للحق الفلسطينى وقبل ثورة 23 يوليو 1952 كان ما يجرى فى فلسطين موضع اهتمام الحركة الوطنية المصرية، وكانت مصر طرفاً أساسياً فى الأحداث التى سبقت حرب عام 1948، كما سعت مصر الى توحيد الموقف العربى من خلال جامعة الدول العربية، حيث اجتمع ملوك ورؤساء وممثلو 7 دول عربية فى « أنشاص» عام 1946 للتباحث حول التطورات فى فلسطين. وعليه قرر المجتمعون التمسك بحق الفلسطينيين فى تقرير المصير .. ولضمان ذلك خاضت الدول العربية وعلى رأسها مصر حرب 1948 رداً على الإعلان الأحادى لدولة إسرائيل واستخدامها للعنف فى التهجير القسرى للفلسطينيين من المدن والقرى الواقعة ضمن الأراضى الفلسطينية التاريخية. قواعد القانون الدولى فى ذلك الوقت دعت مصر للعمل على إيجاد حل عادل ومُنصف، وفقاً لقواعد القانون الدولى ومرجعيات الشرعية الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، بما يؤدى إلى سلام شامل وعادل يضمن الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط، وتشكل ذلك المَوقف الشجاع من مصر الكنانة فى تمرير عدد من القرارات الأممية على مستوى مجلس الأمن والجمعية العامة ضمن المجموعة العربية والإسلامية لمحاولة التوصل لحل الدولتين ومنح الدولة الفلسطينية عضوية كاملة فى الأممالمتحدة. ونجحت بالفعل فى دعم السلطة الفلسطينية فى الحصول على عضوية «صفة مراقب» فى الأممالمتحدة عام 2012، لمنح الفلسطينيين حقهم فى تقرير المصير وإنشاء دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدسالشرقية على خطوط 4 يونيو 1967. والمتتبع للدور المصرى المدافع عن الحقوق الفلسطينية ، يجد أن مصر لعبت دوراً كبيراً فى توحيد الصف الفلسطينى من خلال اقتراح إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وتقديم الدعم لها، وساندت مصر قرار المنظمة بإنشاء جيش التحرير الفلسطينى فى القمة العربية الثانية التى عُقدت فى الإسكندرية فى سبتمبر 1964. كما أعلنت مصر والدول العربية فى أكتوبر 1974 مناصرة حق الشعب الفلسطينى فى إقامة سلطة وطنية مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعليه أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم (3375) لعام 1975 بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك فى جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط بناءً على طلب تقدمت به مصر. خطة مصر للسلام وفى إطار جهود مصر المضنية لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، طرحت مصر خطة للسلام عام 1989 والتى تضمنت ضرورة حل القضية الفلسطينية طبقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242، ومبدأ الأرض مقابل السلام ووقف الاستيطان الإسرائيلي. وفى سبتمبر عام 1993 شارك رئيس الجمهورية الأسبق فى توقيع اتفاق أوسلو الخاص بحق الفلسطينيين فى الحكم الذاتي. وفى عام 2003، أيدت مصر وثيقة «جنيف» بين الإسرائيليين والفلسطينيين باعتبارها نموذج سلام لتهدئة الأوضاع فى المنطقة، كما تجسدت الجهود المصرية فى مبادرة السلام العربية المطروحة منذ عام 2002 والمبنية على مبدأ الأرض مقابل السلام الذى أرساه مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ورؤية حل الدولتين لشعبين يعيشان جنباً إلى جنب فى سلامٍ وأمانٍ والتى اعتمدها مجلس الأمن فى قراره رقم 1515 لعام 2003. كما سجل التاريخ المعاصر أن مصر بثقلها العربى والإقليمى والدولى وفى ظل عضوية مصر فى مجلس الأمن الدولى فى الفترة من 2016 2017، نجحت الدبلوماسية المصرية فى ضوء المبادرات التى أطلقتها خلال فترتى رئاستها للمجلس فى إعادة التركيز على حقوق الفلسطينيين بما أسهم فى اعتماد القرار التاريخى 2334 بشأن الاستيطان. كما حرصت مصر على التزامها التاريخى بدعم الشعب الفلسطينى عبر القيام بالعديد من الخطوات لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وتثبيت الهدنة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى وآخرها فى مايو 2021، والعمل على تهيئة المناخ الملائم لإعادة استئناف المفاوضات، فقد استضافت مصر الحوار الفلسطينى الفلسطينى فى جولات متكررة منذ 11 نوفمبر 2002 بهدف مساعدة الفصائل على تحقيق الوفاق الفلسطيني. كما تؤكد مصر دائماً على أن أى إجراءاتٍ مؤقتة أو حوافز اقتصادية لا يمكن أن تكون بديلاً لخلق أفق سياسى أمام الشعب الفلسطينى لنيل حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف فى العودة لأرضه وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 194 واسترداد ممتلكاته والتعويض عن الخسائر التى فرضها عليه الاحتلال. ويُضاف إلى ذلك التأكيد على الدور المحورى لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والتى تعمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 194 لضمان حق العودة للفلسطينيين المُهجرين من أرضهم. تخفيف المعاناة وفى إطار التعامل مع الحرب فى قطاع غزة، فقد سعت مصر مع الأطراف الدولية المعنية لاستصدار قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق نار مُستدام فى غزة، كما قامت بتوفير المساعدات الإنسانية من خلال معبر رفح البرى للفلسطينيين بقطاع غزة. وقد عملت مصر مع الشركاء الدوليين على محاولة تخفيف المعاناة على الفلسطينيين فى القطاع وإجلاء الرعايا الأجانب والمصابين من الفلسطينيين وتوفير الدعم اللازم للسلطة الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعى للشعب الفلسطيني. كما دعت مصر إلى أهمية التزام اسرائيل بصفتها «قوة الاحتلال» بقواعد القانون الدولى لتوفير الحماية الواجبة للمدنيين الفلسطينيين فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة بما فى ذلك قطاع غزة، والأماكن المقدسة بمدينة القدس والضفة الغربية. وتؤكد مصر على ضرورة توقف إسرائيل عن اتخاذ الإجراءات والسياسات أحادية الجانب التى تسهم فى اندلاع أعمال العنف والقصف والدمار، وفى مقدمتها: أنشطة الاستيطان غير الشرعية فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، خلافاً لاتفاقيات أوسلو والمرجعيات الدولية، وسياسات الطرد والإخلاء القسرى للفلسطينيين بمدينة القدس وتغيير الطابع الزمانى والمكانى والديموغرافى والجغرافى للمدينة المقدسة والحرم الشريف وامتداداتهما، وكذا محاولة فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة سياسياً وجغرافياً، ومحاولة إحداث تغيير ديموغرافى داخل قطاع غزة من خلال فصل شمال القطاع عن جنوبه وتهجير الفلسطينيين من شمال القطاع قسرياً إلى جنوب القطاع.