في زمن أصبحت فيه الدراما بصفة عامة تميل إلى التكرار وإعادة إنتاج الصيغ المعتاده جاء مسلسل «ما تراه ليس كما يبدو» ليضع المشاهد أمام تجربة غير مألوفة، حيث يكسر حاجز الزمن، ويخلط بين الواقع والوهم، ليتركنا أمام مرآة درامية تعكس زيف الصورة وما تخفيه خلفها من ألغاز وأوهام. منذ الوهلة الأولى يتضح أن العمل لم يكتفِ بعنوان مثير للفضول، بل جعل منه فلسفة بنائية تمتد على مدار سبع حكايات متصلة ومنفصلة فى الوقت ذاته، لكلٍ منها أبطالها المختلفون ومؤلفها ومخرجها وإيقاعها الخاص، لكنها جميعاً تجتمع عند خيط واحد، تقنية اللعب بالزمن. هذا الخيط هو ما يربط بين الأحداث، ويمنح العمل خصوصيته التى تضعه فى مصاف التجارب الدرامية الاستثنائية فى مصر والعالم العربي. ◄ أولى الحكايات أولى الحكايات جاءت تحت عنوان «فلاش باك» بطولة أحمد خالد صالح ومريم الجندي وخالد أنور. الحكاية بدت في ظاهرها مأساوية. ◄ عبور نحو المجهول فى الحكاية الثانية «بتوقيت 2028» لعبت هنادى مهنا دور زينة، المذيعة الناجحة التى تسقط فى دوامة الزمن عبر عاصفة هوائية تنقلها إلى المستقبل. الحكاية الثالثة «أنت وحدك» قادتها تارا عماد بشخصية سارة الصحفية الثرية، التى تجد نفسها مطاردة برسائل تصلها من رقمها الشخصى! اللعبة هنا تجاوزت الزمن لتدخل فى المنطقة الرمادية بين الوهم والحقيقة. هل هى ضحية مرض نفسى؟ أم هناك من يتلاعب بعقلها؟ ◄ اقرأ أيضًا | ماجد المصري يعلق على لقب «صقر الدراما المصرية» ◄ ما وراء الحكايات رغم تنوع الحكايات، من «فلاش باك» إلى «بتوقيت 2028» وصولاً إلى «أنت وحدك»، فإن الرابط بينها جميعاً هو اللعب بالزمن كأداة درامية. ليس الزمن هنا مجرد إطار للأحداث، بل بطل خفى، يوجه مصائر الشخصيات، ويفسد خططهم، ويضعهم أمام أسئلة وجودية لا إجابات لها. وبين العوالم الموازية، والسفر إلى المستقبل، وتحوّل الرسائل إلى وسيلة لتشويه إدراك البطلة بدا أن الزمن نفسه ليس كما نراه، بل هو وهم ممتد، مرآة مشروخة تعكس واقعاً زائفاً. وهنا تتجلى قوة المسلسل، فهو لا يمنحك إجابات، بل يتركك فى دوامة من الشكوك والافتراضات. كما أن الاعتماد على وجوه شابة فى البطولة المطلقة أعطى للتجربة صدقية أكبر. لم يكن هناك نجم واحد يهيمن على المشهد، بل مجموعة من الوجوه الجديدة التى وجدت فى هذه التجربة مساحة لإظهار طاقاتها. هذا الاختيار جعل الحكايات أكثر قرباً من المشاهد، الذى رأى نفسه فى وجوه جديدة بدلاً من إعادة تدوير أسماء معتادة. ◄ احترام العقول الجمهور وجد نفسه أمام تجربة تحترم عقله، وتدفعه للتفكير والتأويل، حتى وإن كانت النهاية غامضة أو عصية على الفهم. وهذا فى ذاته قفزة فى الوعى الدرامى، حيث لم يعد المشاهد متلقياً سلبياً، بل شريكاً فى صياغة الحكاية. بكل جرأته وابتكاره جاء «ما تراه ليس كما يبدو» ليكسر قيود الدراما التقليدية، ويضعنا أمام تجربة بصرية وذهنية لا تشبه غيرها. صحيح أنه قدم حكايات متفرقة فى ظاهرها، لكنها التقت جميعاً عند نقطة واحدة: أن الواقع وهم، وأن الزمن ليس خطاً مستقيماً بل متاهة مراوغة. هذا العمل ليس مجرد سبع حكايات رعب وتشويق، بل هو مرآة تُسائل وعينا وتفكك ثقتنا بما نراه ونعيشه. وربما كانت رسالته الأعمق: لا تصدق ما تراه، فما تراه ليس كما يبدو.