لن أنسى زيارتى لمتحف الحضارات القديمة بالعاصمة الأرجنتينية «بيونس إيرس» عام 1997 عندما كنت مرافقاً للوفد القطرى الذى أقام أسبوعاً ثقافياً فى الأرجنتين، كنت مبهوراً بآثار أجدادى العظماء الضخمة الأصلية التى لا أدرى كيف خرجت من مصر وفى أى زمن لتظهر فى الأرجنتين على بعد آلاف الأميال، وفى غمرة انبهارى ودهشتى اقترب منى شخص تخطى الخمسين من عمره بيده كاميرا وعلى شفتيه ابتسامة صفراء وفوجئت به يقول لى بلكنة شامية « بالتأكيد حضرتك مصرى ؟»، فقلت «يشرفنى ذلك..أى خدمة ؟» وقبل أن يجيبنى لاحظت السلسلة الفضية برقبته التى تنتهى بأيقونة نجمة داود، ذكر لى اسمه وأخبرنى أنه كاتب روائى وصحفى يهودى يراسل صحيفة «معاريف» من الأرجنتين، فقلت: «وأنا صحفى مصرى أعمل بجريدة «الأخبار» فهل تريد منى شيئاً؟!» اقرأ أيضًا| كنوز| 50 سنة يا مصر وراسك مرفوعة برايات نصر أكتوبر| سخرية نجوم الكاريكاتير من «الجيش الذى لا يقهر» قال: «هذا يعنى أنك تعمل بالجريدة التى يكتب فيها «القناص» أحمد رجب، وصاحب الريشة الموجعة مصطفى حسين»، قلت: «ولماذا تصفه بالقناص؟»، قال: «لأنى كنت أتابع ما يكتبه طوال حرب « كيبور» بأسلوب ساخر يُشعرنا بالمهانة ويزيد من إحساسنا بالانكسار النفسى، كتاباته أتعبت كل إسرائيلى وقد أعددت تقريراً عنها، وزاد وجعنا ربيبه الرسام مصطفى حسين بلوحات كاريكاتورية تتعمد إهانتنا، ولن ننسى بقية الرسامين فى الصحف المصرية، وما زلت أحفظ أسماءهم وهاجمتهم فى «معاريف» وسخرت منهم مثلما سخروا من جيش الدفاع وبلدى إسرائيل!!». أردت أن أنهى اللقاء فقلت له: «نحن لا نعترف شعبياً ببلد اسمه إسرائيل، نعترف فقط بفلسطين التى تم اغتصابها.. عذراً لابد أن أنصرف لكى استكمل جولتى»، فقال: «يا سيد نحن بيننا وبينكم معاهدة سلام»، فأشحت بوجهه وواصلت جولتى بالمتحف وأنا لا أنظر نحوه! اقرأ أيضًا| كيف طغى الطابع الاجتماعى لأفلام أكتوبر على ملحمية المعركة! أخلص من هذه الواقعة التى لا أنساها إلى مدى تأثير السخرية اللاذعة بالكلمة والريشة فى الحرب النفسية التى تتحول فيها هذه الفنون لسلاح مُوجع ومؤثر عند العدو، وسلاح فاعل يساهم فى رفع الروح المعنوية فى الداخل المصرى طوال فترة القتال، ويؤكد خبراء الإعلام أن الكلمة الساخرة المُوجزة أقوى من مقال طويل بلا تأثير، والصور الكاريكاتورية الساخرة تغنى عن مقال كامل وتؤثر بشكل كبير، ومن المعروف أن الكاريكاتير لغة بصرية عالمية تتجاوز اللغات واللهجات فى جميع أنحاء العالم، ولترجمة ذلك ننشر لقراء «كنوز» نماذج ساخرة للوحات كبار فنانينا الذين عاصروا حرب أكتوبر المجيدة وعبروا خلالها فى رسوماتهم الكاريكاتورية عن خيبة «الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر». اقرأ أيضًا| فى الذكرى 52 لحرب النصر «الوثائقية» تحتفى بذكري النصر المجيد وكيف تحطم مثل خط بارليف الأسطورى بساعد الجندى المصرى العنيد فى صبره وقتاله، اللوحات الكاريكاتورية أتعبت الصحفى اليهودى كما قال لى ورفعت فى ذات الوقت من الروح المعنوية للمصرى فى الجبهة الداخلية، وها هى الرسومات التى تتشرف بها صفحة «كنوز» التى تحولت وقت الحرب لطلقات بريشة خيرة كتيبة نجوم الكاريكاتير الضاحك الساخر المُوجع المؤلم لكل إسرائيلى، وسوف ننشر فيما بعد صواريخ الساخر أحمد رجب التى أطلقها من منصة «2/1 كلمة»، ونوجه التحية فى الذكرى 52 لنصر أكتوبر لنجوم الكاريكاتير الذين صوبوا طلقاتهم الساخرة إلى صدر العدو المتغطرس بالريشة المُوجعة».