فداحة الهزيمة الإسرائيلية حققت صدمة مدوية لكل القادة الإسرائيليين فى حرب السادس من أكتوبر 1973، وكانت الصدمة أشد وطأة على «جولدا مائير» رئيس وزراء العدو وقت نشوب الحرب، ويقال: إن اليأس جعلها تفكر فى الانتحار، وتكشف الكثير عن الحالة النفسية السيئة التى كانت عليها فى كتابها «حياتي» الذى قالت فيه: «ليس أشق على نفسى من الكتابة عن حرب يوم كيبور 1973، لن أكتب عن الحرب من الناحية العسكرية فهذا أمر أتركه للآخرين، لكننى سأكتب عنها ككارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسي، وسيظل معى باقيًا على الدوام، عقدت اجتماعاً فى 5 أكتوبر لبحث الموقف، وخلال الاجتماع اقترح «إسرائيل جاليلي» تفويضى ووزير الدفاع سلطة استدعاء الاحتياطى وإعلان التعبئة العامة، وكان من واجبى أن أستمع إلى إنذار قلبي، وأستدعى الاحتياطي، وأمر بالتعبئة.. اقرأ أيضًا| حرب أكتوبر.. تحقيق سري يكشف أسباب الهزيمة الساحقة للموساد ووصفت مائير شعورها بالهزيمة بقولها : «لم يكن منطقيًا أن أمر بالتعبئة مع وجود تقارير مخابراتنا العسكرية، وتقارير قادتنا العسكرية، التى لا تبررها ! لكنى فى نفس الوقت أعلم تمامًا أنه كان واجبًا علىّ أن أفعل ذلك، وسوف أحيا بهذا الحلم المزعج بقية حياتي، ولن أعود مرة أخرى نفس الإنسان الذى كنته قبل حرب «يوم كيبور»، كان التفوق علينا ساحقًا من الناحية العددية سواء من الأسلحة أو الدبابات أو الطائرات أو الرجال، كنا نقاسى من انهيار نفسى عميق، لم تكن الصدمة فى الطريقة التى بدأت بها الحرب فقط، ولكنها كانت فى الحقيقة أن معظم تقديراتنا الأساسية ثبت خطؤها، فقد كان الاحتمال فى أكتوبر ضئيلًا». ويكشف عندليب الصحافة محمود عوض فى كتاب «بالعربى الجريح» عن حالة الانهيار النفسى التى كانت عليها جولدا مائير فى الرسالة السرية التى بعثت بها للسفير الإسرائيلى بالولايات المتحدة ليدبر لقاء سرياً لها مع الرئيس الأمريكى فيقول: إن التليفون دق فى التاسع من أكتوبر، بغرفة نوم وزير الخارجية هنرى كيسنجر الذى رد متثائباً : «أهلًا يا سيادة السفير.. خير؟»، فقال سميحا دينتز السفير الإسرائيلى فى واشنطن: «لا يا هنرى، لا خير ولا شالوم، عندى برقية وردتنى حالاً من جولدا مائير، لا أستطيع البوح لك بالتفاصيل الآن حتى لو كان تليفونك مُحصناً ضد التنصت، أريد مقابلتك بصفة عاجلة وسرية، وفى الثامنة والثلث صباحاً بدأت المقابلة السرية فى غرفة الخرائط بالبيت الأبيض الأمريكي، السفير يقرأ من برقية رئيسة وزرائه، إسرائيل خسرت حتى الآن فى 6 و 7 و 8 أكتوبر فقط 49 طائرة منها 14 طائرة من طراز فانتوم، لم يكن الرقم فى حد ذاته مفاجأة على ضوء ما هو معروف مسبقاً من فاعلية حائط الصواريخ المصرى والدفاع الجوى السوري، لكن هناك صدمة مُروعة، إسرائيل خسرت أيضاً خمسمائة دبابة من بينها: أربعمائة دبابة فى الجبهة المصرية وحدها، الحقونا بأسلحة بديلة فوراً وبالجو قبل أى وسيلة أخري، ثم رجاء خاص من جولدا مائير إلى كيسنجر. اقرأ أيضًا| وزير الدفاع الإسرائيلي : نشدد الحصارعلى غزة ل هزيمة حماس هذه الأرقام يجب أن تظل شديدة السرية ولا يطلع عليها أى أحد آخر بخلاف الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، لو عرفت الدول العربية الأخرى بهذا الإنجاز من مصر وسوريا فسوف ينضمون إليهما، وسر آخر: وزير الدفاع موشى ديان أصُيب قبل ساعات بانهيار عصبى ومنعته من عقد مؤتمر صحفي، وسر ثالث يهمس به السفير الإسرائيلى فى أذن كيسنجر: «تقول لك جولدا مائير إنها تريد القدوم إلى واشنطن فى زيارة سرية لكى تقنع بنفسها الرئيس نيكسون بفداحة الموقف »!