نقيب المحامين يقرر صرف 500 جنيه منحة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    حبس سنة وغرامة 10 آلاف جنيه.. عقوبات ذبح الأضاحي خارج المجازر    محافظ المنوفية يأمر بصرف مساعدات مالية ومواد غذائية لحالات إنسانية    رئيس "العربية للتصنيع": نتطلع لتصنيع قطع الغيار بطريقة رقمية    البنك المركزى يعلن عطلة البنوك لعيد الأضحى تبدأ الخميس وتنتهى الإثنين.. فيديو    محافظ القليوبية يكلف رؤساء المدن برفع درجة الطوارئ خلال إجازة عيد الأضحى    استعدادا للعيد.. تعقيم المجازر ورش وتجريع الماشية في المنيا    وفدًا أوكرانيًا وروسيًا يلتقيان في تركيا لإجراء محادثات سلام    "غصب عن الرابطة".. مدرب بيراميدز يوجه رسالة نارية بعد التتويج الأفريقي    تقارير: النصر يعرض خطته على رونالدو لإقناعه بالتجديد    تقارير: ليفركوزن يرفض العرض الثاني من ليفربول لضم فيرتز    رومانو: إنزاجي يعقد اجتماعا مع إنتر.. وحسم مستقبله الثلاثاء    "الداخلية": ضبط قائد سيارة لقيامه بالاصطدام بشقيقتين بالقليوبية ما أدى لوفاة إحداهما    السعودية: أخرجنا أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بلا تصريح    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    وزيرة التنمية المحلية توجه بتوفير اللحوم بأسعار مخفضة في عيد الأضحى    السجن المؤبد ل4 أشخاص بتهمة قتل مواطن في المنيا    المراجعة النهائية في مادة الكيمياء للثانوية العامة .. لن يخرج عنها الامتحان    الكشف عن موعد عرض مسلسل "فات الميعاد"    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    أحدث ظهور ل نادين نسيب نجيم بإطلالة جريئة والجمهور يعلق (صور)    الصحة: خفّض معدلات انتشار فيروس "بي" بين الأطفال لأقل من 0.1%    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو    نائب وزير الصحة: إعطاء 65 مليون جرعة تطعيمات سنويا لحديثي الولادة وطلاب المدارس    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    مهندس صفقة شاليط: مواقف إسرائيل وحماس متباعدة ويصعب التوصل لاتفاق    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    الإصلاح والنهضة: صالونات سياسية لصياغة البرنامج الانتخابي    إدارة ترامب تواجه انتقادات قضائية بسبب تضليل في ملف الهجرة علنًا    الرئيس السيسي يستقبل وزير الخارجية الإيراني    منافس الأهلي.. بالميراس يفرط في صدارة الدوري البرازيلي    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل قيادة بولندا العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    إرتفاع أسعار النفط بعد قرار «أوبك+» زيادة الإنتاج في يوليو    الإسكان : مد فترة حجز وحدات "سكن لكل المصريين 7" لمتوسطى الدخل حتى 18 يونيو    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    ختام دوري حزب حماة الوطن لعمال الشركات الموسم الثاني    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    أشرف نصار: نسعى للتتويج بكأس عاصمة مصر.. وطارق مصطفى مستمر معنا في الموسم الجديد    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    أحفاد نوال الدجوي يتفقون على تسوية الخلافات ويتبادلون العزاء    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. 10 كلمات تفتح أبواب الرزق (ردده الآن)    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    «قولت هاقعد بربع الفلوس ولكن!».. أكرم توفيق يكشف مفاجأة بشأن عرض الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنوز| 51 سنة ورايات النصر يا مصر مرفوعة فى السماء
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 02 - 10 - 2024

بطل الحرب والسلام «يعظم» لملحمة انتصار الجيش والشعب
تحتفى مصر والأمة العربية بعد ثلاثة أيام من الآن بأكاليل الفخر والكرامة التى نستعيد مذاقها فى الذكرى 51 لانتصارات حرب السادس من أكتوبر المجيدة عام 1973، انتصارات مجيدة وعزيزة على من عاش أحداثها ورفع رأسه عالياً بعد أن مسح جنودنا الأبطال فى معركة التحريرواسترداد الكرامة كل آلام النكسة والهزيمة، فى هذه الحرب الخالدة بخلود الشهداء الذين ارتوت أرض الفيروز بدمائهم التى عبرت بنا من الانكسار للنصر العظيم، لتبقى رايات نصر أكتوبر ترفرف خفاقة فى سماء مصر على مر الأجيال.
وفى ذكرى هذا اليوم العظيم ننحنى إجلالاً وتقديراً لبطل الحرب والسلام الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى دفع حياته حباً فى مصر، لكن يد الخسة والخيانة طالته فى يوم عرس النصر، وسوف يحفظ له التاريخ أنه بطل «الحرب والسلام» الذى خطى نحو المستقبل بقرارات شجاعة، وفى هذا اليوم ننحنى إجلالاً وتقديراً للشهداء الذين أعادوا لنا الحياة بعد موات، ومنحونا الأمل بمستقبل مصر التى حررت أرضها بالدم الغالى، وفى هذا اليوم نتذكر قادة حرب أكتوبر الأجلاء الذين أبهروا العالم بالتخطيط والخداع الإستراتيجى، وشهد لهم العدو قبل الصديق، وأثبتت انتصارات أكتوبر بسالة المقاتل المصرى الصبور الذى قهر إسرائيل التى تشيع عن نفسها أنها لا تُقهر، وحطم بإيمانه أخطر عائق مائى فى التاريخ، وأخطر ساتر ترابى مُزود بأنابيب النابالم التى تم إيقاف عملها على يد الأبطال قبل العبور.
فى هذا اليوم العظيم نستلهم بعض ما جاء فى خطاب النصر الذى ألقاه القائد أنور السادات أمام أعضاء مجلس الشعب يوم الثلاثاء 16 أكتوبر 1973 وقال فيه ضمن ما قال :
- «عاهدت الله وعاهدتكم على أن قضية تحرير التراب الوطنى هى التكليف الأوّل الذى حملته ولاءً لشعبنا وللأًمّة، وعاهدت الله على أننى لن أدّخر جهدًا، دون تضحية مهما كلّفتنى، عاهدت الله وعاهدتكم أن نثبت للعالم أن نكسة 67 كانت استثناءً وليست قاعدة، وأقول بغير ادعاء، إن التاريخ سوف يسجل لهذه الأُمّة أن نكستها لم تكن سقوطًا، وإنّما كانت كبوة عارضة.
كنت أعرف جوهر قوّاتنا المسلّحة، ولم يكن حديثى عنها رجمًا بالغيب، ولا تكهّنًا، لقد خرجت من صفوف القوّات المسلّحة، وعشت بنفسى تقاليدها، وتشرّفت بالخدمة فى صفوفها، وتحت ألويتها، وسجل هذه القوات كان باهرًا، ولكنْ أعداؤنا ؛ الاستعمار القديم والجديد.. والصهيونية العالمية، ركّزت ضد هذا السجل تركيزًا مخيفًا، لأنها أرادت أن تشكك الأُمّة فى درعها، وفى سيفها، ولم يكن يغامرنى شك فى أن هذه القوّات المُسلّحة كانت من ضحايا نكسة 67، ولم تكن أبداً من أسبابها، وكان فى استطاعة هذه القوّات سنة 67 أن تحارب بنفس البسالة والصلابة التى تحارب بها اليوم لو أن قيادتها العسكرية فى ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران التى حذّر منها عبد الناصر، أو لو أن تلك القيادة لم تُصدر بعد ذلك قرارًا بالانسحاب العام من سيناء بدون عِلم عبد الناصر أيضًا !
وقال الرئيس السادات - رحمه الله - : إن هذه القوّات لم تُعطِ الفرصة لتحارب دفاعًا عن الوطن، وعن شرفه، وعن ترابه، لم يهزمها عدوّها، ولكن أرهقتها الظروف التى لم تُعطِها الفرصة لتقاتل، ولقد شاركت مع جمال عبد الناصر فى عملية إعادة بناء القوّات المُسلّحة، ثم شاءت لى الأقدار أن أتحمّل مسئولية استكمال البناء، ومسئولية القيادة العُليا لها.
وأضاف : القوّات المُسلّحة المصريّة قامت بمعجزة على أى مقياس عسكرى، لقد أعطت نفسها بالكامل لواجبها، استوعبت العصر كلّه ؛ تدريبًا، وسلاحًا، بل وعِلمًا، واقتدارًا، وحين أصدرت لها الأمر أن ترد على استفزاز العدو، وأن تكبح جماح غروره، فإنها أثبتت نفسها، إن هذه القوّات أخذت فى يدها، بعد صدور الأمر لها، زمام المبادرة، وحققت مفاجأة للعدو، وأفقدته توازنه بحركتها السريعة، ولست أتجاوز إذا قُلت: إن التاريخ العسكرى سوف يتوقّف طويلًا ؛ بالفحص، والدرس، أمام عملية يوم السادس من أكتوبر سنة 1973 حين تمكّنت القوّات المُسلّحة المصريّة من اقتحام مانع قناة السويس الصعب، واجتياح خط «بارليڤ» المنيع، وإقامة رءوس جسور لها على الضفة الشرقيّة من القناة، بعد أن أفقدت العدو توازنه فى ست ساعات، وكانت المخاطرة كبيرة، والتضحيات عظيمة.
ويستطرد بطل الحرب والسلام قائلاً : «النتائج المُحققة لمعركة هذه الساعات الست الأولى من حربنا كانت هائلة، فقد العدو المتغطرس توازنه، واستعادت الأُمّة الجريحة شرفها، وتغيّرت الخريطة السياسيّة للشرق الأوسط، وإذا كنّا نقول ذلك اعتزازًا، وبعض الاعتزاز إيمان، فإن الواجب يقتضينا أن نسجّل من هنا، وباسم هذا الشعب، وباسم هذه الأُمّة، ثقتنا المُطلقة فى قوّاتنا المُسلّحة، وثقتنا فى قيادتها التى خططت، وضُبّاطها وجنودها الّذين نفذوا بالنار، والدم، ثقتنا فى إيمان هذه القوّات المُسلّحة، وثقتنا فى عِلمها، وثقتنا فى سلاح هذه القوّات المُسلّحة، وثقتنا فى قدرتها على استيعاب هذا السلاح، وأقول باختصار، إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن، ويأمن بعد خوف، أنه قد أصبح له درع وسيف».
أنور السادات 16 أكتوبر 1973
« الأخبار» تشارك فى خطة الخداع الاستراتيجى قبل الحرب بيوم
الحرب خدعة، وخطة الخداع الاستراتيجى كانت من أهم أسلحة النصر فى حرب أكتوبر المجيدة، ومن يطالع جريدة « الأخبار « صباح 5 أكتوبر 1973 سوف يتيقن أن أجواء هذا اليوم الذى عاشه الشعب المصرى لا تُوحى مطلقاً بأن الغد سيكون يوماً أكثر من عادى .. وسيتحقق خلاله العبور العظيم، فكان العنوان الرئيسى بالصفحة الأولى كالتالى «مستشار النمسا يقول لنيكسون : لا».
وأسفله عنوان «97 % من شعب النمسا يؤيدون كرايسكى» وأسفل ترويسة الجريدة التى كان يترأس مجلس إدارتها : إحسان عبد القدوس، ويدير تحريرها : محمد التابعى مع 5 رؤساء تحرير هم : أحمد الصاوى محمد، حسين فهمى، محمد زكى عبد القادر، ورئيس التحرير التنفيذى : موسى صبرى، كان العنوان التمويهى الذى نشير إليه ضمن خطة الخداع «الرئيس السادات يتحدث فى الدورة الجديدة لمجلس الشعب يوم 18 أكتوبر».
خبر عادى للقاء الرئيس مع نواب الشعب، لم يكن يتوقع أحد أن ذلك اللقاء سوف يشهد خطاب النصر على العدو الإسرائيلى، وتتضمن الصفحة الثانية من جريدة «الأخبار» قرار مستشار النمسا «برونو كرايسكي» بغلق مركز تجمع اليهود المهاجرين السوفييت، وفى الصفحة الثالثة «أيام وليالى رمضان» واللافت فيها أن قارئة سألت عن سر انتصار المسلمين فى شهر رمضان، وكأنها شفرة لم يفهمها أحد يومها، أو نبوءة سبقت العبور الذى تحقق فى اليوم التالى 6 أكتوبر 1973، وتضمنت الصفحة الرابعة افتتاحية «الأخبار» .
التى تتحدث عن عزلة إسرائيل على ضوء قرار النمسا بغلق مركز تهجير اليهود، وفى الصفحة الخامسة خبر عن بدء الأسبوع الخامس للدورى العام، وفى مساحة صغيرة جدًا كُتب خبر بعنوان «القوات المسلحة تفوز رياضيًا»، ويكتب أحمد رجب بالصفحة السادسة نص كلمة يتناول فيها تاريخ الحرائق الشهيرة، وإشارة عن إذاعة أولى حلقات «أريد هذا الرجل» للفنانة فاتن حمامة، وتتضمن الصفحة السابعة إعلاناً عن عرض عمارة 5 أدوار بالدقى للبيع بسعر 50 ألف جنيه، وطرح شراء قطعة أرض فى شبرا الخيمة بسعر 8 جنيهات للمتر، ويكتب أنيس منصور فى الصفحة الثامنة والأخيرة عن حائط المبكى وانهيار معبد سليمان على اليهود، وتضمنت الصفحة يوميات الأخبار التى تناولت انتصار غزوة بدر.
ونشرت «الأخبار» صباح 6 أكتوبر «مانشيت» بعنوان: «طوارئ فى الفجر.. مصرع نائب مدير البوليس الإسرائيلى فى غزة بقنبلة.. المقاومة الفلسطينية تعلن حالة الطوارئ الكاملة بعد التحركات الأخيرة للحشود الإسرائيلية»، وفى السابع من أكتوبر بدأت الجريدة فى تغطية وقائع حرب أكتوبر المجيدة التى بدأتها بعنوان «عبرنا القناة ورفعنا علم مصر» وأسفل المانشيت العناوين التالية : إسرائيل تعترف بنجاح العبور المصرى وتدفق المدرعات المصرية فى سيناء - استولت قواتنا على معظم الشاطئ الشرقى للقناة وتواصل القتال بنجاح - قواتنا البحرية تدمر الأهداف الهامة للعدو على ساحل سيناء الشمالى - المقاتلات المصرية تضرب مواقع العدو وتتصدى لهجوم جوى كبير- القوات السورية تقتحم مواقع العدو وتحرر جبل الشيخ وعدة مراكز بالجولان، وجاء مانشيت «الأخبار» فى الثامن من أكتوبر بعنوان: «قواتنا تتقدم .. وتأسر.. وترد الهجوم المضاد»، وتتالت بعده العناوين الفرعية «ضباط وجنود من الأعداء استسلموا بدباباتهم وآخرون هربوا وتركوا معداتهم - فشل العدو فى ضرب المعابر وزاد تدفق قواتنا إلى سيناء - خسرت إسرائيل 57 طائرة و92 دبابة وخسرنا 21 طائرة وعدداً من الدبابات - إسرائيل تعترف: القوات السورية تتقدم فى الجولان»، وظلت جريدة «الأخبار» تقدم للقارئ تغطية يومية خبرية وتحليلية شاملة لوقائع الحرب ومقالاتٍ لكبار كتابها.
حكاية أول طلقة من مدفعية بليغ حمدى
يعتبر الموسيقار بليغ حمدى هو قائد مدفعية الأغانى الوطنية التى أنعشت الحالة النفسية عند المصريين ورددوها طوال أيام حرب العزة والكرامة فى السادس من أكتوبر، ويروى بليغ أنه استيقظ من نومه على زغاريد آتية من المنازل المجاورة لبيته وصياح للناس وهم يكبرون فى الشارع، فخرج للشرفة ليستطلع الأمر فوجد الناس يرددون «الله أكبر.. جنودنا عبرت».. اتصل بليغ بالشاعر عبد الرحيم منصور وعلم منه أنه استلهم من نداء جنودنا على الجبهة أنشودة «بسم الله» التى يرددها رجل الشارع أيضاً، وأخذ يتلو كلماتها على بليغ الذى لحنها فى زمن قياسى، ويقول بليغ: إنه انطلق بسيارته إلى الإذاعة وطلب من عبد الرحيم منصورأن يلحق به.
وعند وصوله للمبنى تم منعه من الدخول بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التى لا تسمح بالدخول لغير العاملين لظروف الحرب، غضب بليغ لم يكن له حدود وقتها، وطلب من استعلامات المبنى الاتصال بوجدى الحكيم المسئول عن الموسيقى والغناء والمنوعات، ويقول وجدى: إنه ترك مكتبه ونزل ليقنع بليغ بأن الإجراءات الأمنية تمنع الدخول إلا للمُصرح لهم، فقال له بليغ: «أنا عايز أغنى لبلدى يا وجدى .. ولو منعتونى ها اعمل لكم محضر فى القسم عشان منعنى من تسجيل أهم لحن فى حياتى، ومش عايزينى أغنى لمصر».
وعندما علم رئيس الإذاعة محمد محمود شعبان بالأمر من وجدى الحكيم، اتصل بوزير الإعلام الذى حصل على تصريح بدخول بليغ وبرفقته العود وعبد الرحيم منصور، وكتب بليغ حمدى تعهدًا على نفسه بتحمل أجور الموسيقيين لعدم وجود ميزانية بالإذاعة، ورأى بليغ أن الأنشودة لابد أن تؤديها المجموعة على أساس أن الأنشودة يرددها الشعب، وتمت إذاعتها صباح 7 أكتوبر وسرت بين الناس كما النار فى الهشيم، وأخذها المخرج محمد سالم ليعرضها بالتليفزيون مع لقطات حية مُصورة من عبور قواتنا المسلحة بالزوارق المطاطية لخط بارليف، وللتذكرة تقول كلماتها « بسم الله الله أكبر أذن وكبر .. نصرة لبلدنا بإيدين ولادنا .. وأدان ع المدنة بتحيى جهادنا .. الله أكبر أذن وكبر وقول يا رب النصرة تكبر..
بكفاحنا يا مصر وجنود الشعب بتخطى الصعب .. سينا يا سينا أدينا عدينا .. ما قدروا علينا جنود أعادينا بسم الله »، وكُتب لأنشودة « بسم الله » أن تكون أول أغنية حماسية تنطلق من مدفعية بليغ حمدى الذى سكن بالإذاعة ليلحن كل ما يصله من كتاب الأغانى، وألحقها مباشرة بلحن «على الربابة» الذى سجلته المطربة وردة.
جولدا مائير تستغيث : «إلحقوووووونا»
فداحة الهزيمة الإسرائيلية حققت صدمة مدوية لكل القادة الإسرائيليين فى حرب السادس من أكتوبر 1973، وكانت الصدمة أشد وطأة على « جولدا مائير » رئيس وزراء العدو وقت نشوب الحرب، ويقال: إن اليأس جعلها تفكر فى الانتحار، وتكشف الكثير عن الحالة النفسية السيئة التى كانت عليها فى كتابها «حياتي» الذى قالت فيه : «ليس أشق على نفسى من الكتابة عن حرب يوم كيبور 1973، لن أكتب عن الحرب من الناحية العسكرية فهذا أمر أتركه للآخرين، لكننى سأكتب عنها ككارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسي، وسيظل معى باقيًا على الدوام، عقدت اجتماعاً فى 5 أكتوبر لبحث الموقف، وخلال الاجتماع اقترح «إسرائيل جاليلي» تفويضى ووزير الدفاع سلطة استدعاء الاحتياطى وإعلان التعبئة العامة، وكان من واجبى أن أستمع إلى إنذار قلبي، وأستدعى الاحتياطي، وآمر بالتعبئة».
ووصفت مائير شعورها بالهزيمة بقولها : «لم يكن منطقيًا أن آمر بالتعبئة مع وجود تقارير مخابراتنا العسكرية، وتقارير قادتنا العسكرية، التى لا تبررها ! لكنى فى نفس الوقت أعلم تمامًا أنه كان واجبًا علىّ أن أفعل ذلك، وسوف أحيا بهذا الحلم المزعج بقية حياتى، ولن أعود مرة أخرى نفس الإنسان الذى كنته قبل حرب « يوم كيبور»، كان التفوق علينا ساحقًا من الناحية العددية سواء من الأسلحة أو الدبابات أو الطائرات أو الرجال، كنا نقاسى من انهيار نفسى عميق، لم تكن الصدمة فى الطريقة التى بدأت بها الحرب فقط، ولكنها كانت فى الحقيقة أن معظم تقديراتنا الأساسية ثبت خطؤها، فقد كان الاحتمال فى أكتوبر ضئيلًا».
ويكشف عندليب الصحافة محمود عوض فى كتاب « بالعربى الجريح » عن حالة الانهيار النفسى التى كانت عليها جولدا مائير فى الرسالة السرية التى بعثت بها للسفير الإسرائيلى بالولايات المتحدة ليدبر لقاء سرياً لها مع الرئيس الأمريكى فيقول: إن التليفون دق فى التاسع من أكتوبر، بغرفة نوم وزير الخارجية هنرى كيسنجر الذى رد متثائباً : «أهلاً يا سيادة السفير .. خير ؟ »، فقال سميحا دينتز السفير الإسرائيلى فى واشنطن : «لا ياهنرى، لا خير ولا شالوم، عندى برقية وردتنى حالاً من جولدا مائير، لا أستطيع البوح لك بالتفاصيل الآن حتى لو كان تليفونك محصناً ضد التنصت.
أريد مقابلتك بصفة عاجلة وسرية، وفى الثامنة والثلث صباحا بدأت المقابلة السرية فى غرفة الخرائط بالبيت الأبيض الأمريكى، السفير يقرأ من برقية رئيسة وزرائه، إسرائيل خسرت حتى الآن فى 6 و 7 و 8 أكتوبر فقط 49 طائرة منها 14 طائرة من طراز فانتوم، لم يكن الرقم فى حد ذاته مفاجأة على ضوء ما هو معروف مسبقاً من فاعلية حائط الصواريخ المصرى والدفاع الجوى السورى، لكن هناك صدمة مروعة.
إسرائيل خسرت أيضاً خمسمائة دبابة من بينها أربعمائة دبابة فى الجبهة المصرية وحدها، الحقونا بأسلحة بديلة فوراً وبالجو قبل أى وسيلة أخرى، ثم رجاء خاص من جولدا مائير إلى كيسنجر. هذه الأرقام يجب أن تظل شديدة السرية ولا يتطلع عليها أى أحد آخر بخلاف الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، لو عرفت الدول العربية الأخرى بهذا الإنجاز من مصر وسوريا فسوف ينضمون إليهما.
وسر آخر: وزير الدفاع موشى ديان أصُيب قبل ساعات بانهيار عصبى ومنعته من عقد مؤتمر صحفى، وسر ثالث يهمس به السفير الإسرائيلى فى أذن كيسنجر: «تقول لك جولدا مائير إنها تريد القدوم إلى واشنطن فى زيارة سرية لكى تُقنع بنفسها الرئيس نيكسون بفداحة الموقف» !
أحمد إسماعيل يستعرض بطولات الجيش أمام الرئيس ونواب الشعب
للأجيال التى لم تعش لحظة وقوف الرئيس السادات تحت قبة مجلس الشعب فى 19 فبراير 1974 لتكريم قادة وأبطال حرب أكتوبر المجيدة، فى هذا اليوم قدم الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة تقريراً للرئيس ونواب الشعب حول ما جرى بصدق فى أيام حرب استرداد الكرامة والعزة، قال فيه:
السيد رئيس الجمهورية .. باسم القوات المسلحة، باسم جنودها وضباطها وقادتها، باسم الحق، باسم النصر، أتقدم إلى سيادتكم بخالص الشكر والتقدير على ما قدمه هذا الشعب الخالد لقواته المسلحة، ومؤازرته لها فى معركتها حتى حققت، بحمد الله، المهمة التى كُلفت بها.
لقد كلفتنى، يا سيادة الرئيس، يوم أن عهدت إليّ بقيادة القوات المسلحة، أن أعمل على سرعة إعداد القوات المسلحة لمعركة مصيرية حتمية لاستعادة أرضنا المُغتصبة، وقد عملت، منذ ذلك اليوم، تعاوننى جميع أجهزة وقيادات القوات المسلحة، لرفع كفاءة القوات واستعدادها القتالى وتدريبها وإعداد خطط العمليات، وإعداد مسرح العمليات.
وكنتم معنا فى كل خطوة نخطوها، متتبعاً أعمالنا، وموجهاً ومرشداً، حتى أتى ذلك اليوم التاريخى، الأول من أكتوبر 1973، واجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاستكم، واستمعتم فيه إلى تقارير متوالية من رؤساء الأجهزة وقادة القوات المسلحة عن تمام استعداد قواتهم لتنفيذ مهمة العمليات كما خططت وصدرت إليهم، ولعلى لا أذُيع سراً إذا نقلت بالحرف الواحد كلمات سيادتكم فى هذا الاجتماع : « أحمد الله أننا.
وصلنا لهذه اللحظة لنضع اللمسات الأخيرة على العمل، ونقول للعالم أننا أحياء، ويسترد شعبنا ثقته فى نفسه وفيكم، وأنا واثق أن كل فرد فى قواتنا المسلحة سيؤدى واجبه كاملاً لإحساسه بمسئولياته تجاه وطنه، وسأتحمل معكم المسئولية كاملة، وفى نفس الوقت أثق ثقة كاملة فيكم وأنكم ستتصرفون بكل ثقة واطمئنان وحرية ».
ويضيف الفريق أول أحمد إسماعيل : « باسم القادة، وباسم القوات المسلحة، نعاهدكم ونعاهد شعبنا أن نبذل أقصى جهد يتحمله بشر لتحقيق النصر لبلدنا، ولتثقوا فى أن كل القادة متفائلون وفى مقدورهم تحقيق مهامهم، وإننا نشترك جميعاً معكم فى المسئولية، فجميعنا مسئولون عن بلدنا معكم، ثم توالت الأحداث، ونحن نقترب من اليوم الحاسم لبدء المعركة فى سرية تامة، حتى أتت اللحظة التاريخية منتصف يوم السادس من أكتوبر العظيم، انطلقت القوات المسلحة لتعبر أضخم مانع مائى وتجتاح أقوى خط دفاعى قابله جيش فى عصرنا الحديث.
تتلاحم مع العدو، وتشتبك معه فى معركة حديثة قوية، استخدمت فيها جميع الأسلحة المتطورة، تدمر العدو وتأسر أفراده وقادته، وتحقق النصر تلو النصر، لا هدف أمامها سوى المهمة التى كُلفت بها، يهديها نور الإيمان بالله والوطن، لا تبخل على الأرض الطيبة بقطرات من دم زكية، ولا تبخل على السماء بأرواح وأنفس راضية مطمئنة فى سبيل مصر ونصرة الأمة العربية».
ثم تطرق الفريق أول أحمد إسماعيل إلى المهام التى أنجزها كل سلاح فى المعركة فتناول ما قامت به هيئة عمليات القوات المسلحة برئاسة اللواء محمد عبد الغنى الجمسى فى التخطيط والإعداد والتنسيق فى كافة المجالات قبل المعركة وأثناءها، حتى سارت المعركة كما خُطط لها، وخطة الخداع والسرية التى نُفذت بمهارة أذهلت العدو وشلت تفكيره.
وأشاد بما قامت به القوات الجوية بقيادة اللواء محمد حسنى مبارك، فى أداء مهامها كأروع ما يكون، والجهد الذى بُذل حتى بلغ عدد الطلعات اليومية لبعض الطيارين سبع طلعات فى اليوم الواحد، فكانوا بحق النسور الذين حموا أجواءنا، وقصفوا مواقع العدو فى كل مكان، فقضوا على أسطورة الطيران الإسرائيلى فى تعاون رائع مع قوات الدفاع الجوى بقيادة اللواء محمد على فهمى، لحماية سماء مصر على الجبهة وفى عمق الجمهورية، وأشاد بأبطال الدفاع الجوى الذين تصدوا للمحاولات اليائسة التى قام بها العدو ليدمر جزءاً من دفاعنا الجوى، فتهاوت طائرات إسرائيل وشهدت أرضنا حطام هذه الطائرات فى كل مكان حاولت الإغارة عليه، وأشاد بأبطال الدفاع الجوى الذين حموا سماء بورسعيد عندما ركز العدو على مواقع الدفاع الجوى بها، وبقى موقع واحد ظل يقاتل وحده ثلاثة أيام متوالية، وانتقل لاستعراض ما قامت به القوات بقيادة الفريق فؤاد محمد ذكرى، لحماية شواطئنا والتصدى للقطع البحرية المعادية التى خاضت معها أعنف المعارك البحرية، وقامت بمساندة الجيوش الميدانية فى البحرين المتوسط والأحمر، وسيطرت على مدخل خليج السويس وباب المندب» .
وتحدث الفريق أول أحمد إسماعيل عن القوات البرية قائلاً: «مهما حاولت أن أوفيها حقها فلن أنُصفها، فلو نظرنا إلى الجيش الثانى الميدانى الذى تولى قيادته اللواء فؤاد عزيز غالى، واستعرضنا كيف اقتحم القناة على مواجهة تربو على التسعين كيلومتراً، فى وقت واحد وبنظام وسيطرة رائعة أذهلت العدو والعالم، ويكفى هذا الجيش فخراً أنه فى خمس ساعات كان له فى شرق القناة ما يزيد على 50.000 مقاتل دمروا وقتلوا وأسروا من العدو ما لم تكن تتخيله إسرائيل، وأفنى بإحدى فرقه، لواء مدرعاً كاملاً.. واستسلم قائده مشيداً بكفاءة الجندى المصرى، ويسجل لهذا الجيش وللفرقة المشاة الثامنة عشرة، أنها محررة القنطرة شرق، ومعيدة علم مصر الغالى يرفرف فوق ربوعها عالياً خفاقاً، أما عن الجيش الثالث وقائده اللواء أحمد بدوي، فكلكم أعلم وأدرى بالمواقف البطولية لهذا الجيش ولبعض قواته التى تواجدت شرق القناة، وكانت رمزاً للصمود والعزم، والعناد المصري».
وتطرق الفريق أول أحمد إسماعيل إلى الدور الذى قامت به القوات الخاصة رمز الانتحارية والفداء، وشهد لأعمال قوات الصاعقة بقيادة العميد نبيل شكرى مصطفى التى هبطت خلف خطوط العدو، وأربكت قياداته، ودمرت مراكز سيطرته، وأشاعت الذعر فى صفوفه، وكانت عوناً لباقى أفرع القوات المسلحة، وقضوا وحدهم فى أعماق سيناء ما يزيد على الشهرين، ولم ينل منهم العدو، وأشاد بأبطال الإبرار الجوى بقيادة العميد أ. ح. محمود حسن الهابطين من السماء خلف خطوط العدو، فكانوا رمزاً للتضحية والفداء وتنفيذ المهام وحاربوا إلى جنب باقى القوات البرية فى تعاون وتنسيق تام.
واختتم الفريق أول أحمد إسماعيل تقريره أمام الرئيس بالشكر لهيئات وإدارات القيادة العامة للقوات المسلحة وباقى قواتها العسكرية المقاتلة فى المناطق العسكرية المختلفة، وقوات الدفاع الشعبى والعسكرى، منوهاً إلى أروع تلاحم شعبى مع قواته المسلحة، ونال التقرير تصفيقاً حاداً من نواب الشعب ازداد عندما أعلن الرئيس السادات قرار ترقية الفرق أول أحمد إسماعيل إلى رتبة المشير. حقاً كانت حرب أكتوبر 1973 ملحمة خالدة لن تخرج من الذكرة بما تحمله من فخر وعزة يجب أن تعرفها كل أجيال الشباب لتعتز بها.
«كنوز»
«الحكيم»: عبرنا الهزيمة لنتنفس هواءً نقياً
أصُيب كاتبنا الكبير توفيق الحكيم بعد نكسة الخامس من يونيو 1967 باليأس والإحباط والغم والهم والانكسار كحال كل الكتاب والمفكرين والمثقفين والفنانين وعموم الشعب، لكن مع مشاهد يراها توفيق الحكيم على التلفاز لجنودنا الأبطال وهم يعبرون قناة السويس أمسك بقلمه ليعبرعن مشاعره فى مقال قصير بجريدة « الأهرام » بعنوان « عبرنا الهزيمة » قال فيه :
«عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء، ومهما تكن نتيجة المعارك فإن الأهم الوثبة، فيها المعنى، أن مصر هى دائماً مصر، تحسبها الدنيا قد نامت ولكن روحها لا تنام، وإذا هجعت قليلاً فإن لها هبة، ولها زمجرة ثم قيام، وقد هبت مصر قليلاً وزمجرت ليدرك العالم، ما تستطيع أن تفعل فى لحظة من اللحظات، فلا ينخدع أحد فى هدوئها وسكونها، وكانت يدها التى بدرت منها حركة اليقظة هى جيشها المقدام بصيحة رئيسها الوطنى بالقيام، سوف تذكر مصر فى تاريخها هذه اللحظة بالشكر والفخر، نعم، عبرنا الهزيمة فى الروح، وشعرنا أنه قد حدث ويحدث فى داخلنا شىء، لقد كان جو الهزيمة جو سجن واختناق، والآن نحن نتنفس هواء نقياً، هواء الحرية والانطلاق، وهذا هو المعنى الحقيقى للانتصار، إنه ليس فى مجرد كسب المعرفة الحربية، بل هو فيما يحدث فى النفوس بعدها ونتيجة لها.
إن الكسب الحقيقى للمعارك الحربية إنما هو فى نوع الجهاد ودرجة البسالة وروح البطولة، وليس فى مجرد الكسب المادى المعتمد على المعدات والآلات، وكسبنا الباقى لنا دائماً بعد اليوم هو فى الروح التى انطلقت عن سجن الإحساس بالهزيمة، هزيمة النفس التى لم تقاوم ولم تجاهد، روحنا المنطلقة اليوم بعد جهادها البطولى هى التى سوف تتجلى غداً فى الأعمال الرائعة التى ينتجها الفكر المصرى فى مجالاته العديدة».
توفيق الحكيم مقال «عبرنا الهزيمة»
سلاح النفط يربك العالم أثناء حرب أكتوبر
لاحظت الدول العربية والخليجية المساندة لمصر وسوريا فى حرب السادس من أكتوبر اتجاه الولايات المتحدة لعمل جسر جوى مباشر لنقل أحدث الأسلحة والدبابات إلى إسرائيل لمواجهة الجيوش العربية، وكانت الدول العربية وقتها على اتفاق فى ممارسة كل الضغوط على إسرائيل لتنسحب من الأراضى المحتلة بالكامل.
ولم تكن إسرائيل تلتزم بكافة القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية وتساندها الولايات المتحدة بكل ما تملك مادياً وتسليحاً وسياسياً، واستخدمت القوات الأمريكية مطارات دول أوروبية لنقل العتاد والوسائل اللوجستية، ومن هنا بدأ التدخل العربى فى استخدام سلاح النفط كوسيلة لردع الأمريكيين وحلفاء إسرائيل، وقرر الزعماء العرب حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل فى 17 أكتوبر 1973، وتبنت هذا الخيار: السعودية والعراق وقطر والجزائر والكويت والإمارات.
وكان الملك فيصل بن عبد العزيز قد وعد الرئيس أنور السادات بحظر النفط فى حال قيام الجيش المصرى بشن هجوم ضد إسرائيل، ومع ذلك أعلنت الولايات المتحدة فى 13 أكتوبرعن تنظيم جسر جوى لدعم إسرائيل وبدأت بتعبئة الموارد المالية لمساعدتها فى الحرب، واجتمع وزراء النفط فى دول الخليج الأعضاء بمنظمة الدول المصدرة للنفط « أوبك » فى الكويت بتاريخ 16 أكتوبر 1973 وأقروا زيادة سعر النفط بنسبة 70%، واتخذ وزراء النفط قراراً فى اليوم التالى بحظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة.
وخفض الإنتاج بنسبة 5%، فحدثت صدمة نفطية أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، واضطرت بريطانيا وفرنسا لتبنى موقف الحياد ورفض استخدام مطاراتهما لنقل العتاد العسكرى إلى إسرائيل، وفى الأول من نوفمبر 1973، ألغت شركات الطيران الأمريكية 160 رحلة يومية لمواجهة أزمة الوقود، وعلى صعيد المواصلات الداخلية واجه أصحاب السيارات صعوباتٍ كبيرة فى الحصول على الوقود، وتكدست الطوابير أمام محطات الوقود، وارتفع سعر البرميل من 2.32 دولار إلى 11 دولاراً، وكان حظر النفط العربى وسيلة فعالة لردع الكثير من الدول، ومكن الدول العربية من زيادة الأسعار وأعطاها السيادة فى الإنتاج والتصدير.
الساخر الأعظم يطلق صواريخه من منصة « 1/2 كلمة »
كان قلم الساخر الكبير أحمد رجب على أهبة الاستعداد للمشاركة فى حرب استرداد الكرامة والأرض من خلال منصة إطلاق صواريخه الساخرة المؤلمة فى زاويته اليومية «2/1 كلمة» بجريدة «الأخبار» فكتب صباح 9 أكتوبر: «موال لأخويا فى الميدان .. الله أكبر يا مطلع الفجر حوالينا ..الله أكبر يا سيف الله فى أيدينا .. الله أكبر يا بطل قاهر أعادينا.. ورا التتار يا أسد لحد حيطة المبكى .. يبكوا اللى صابهم من أسد سينا».
وكتب صباح 10 أكتوبر: «25 سنة ونحن نحاول أن نقنع العالم أن إسرائيل هى عصابة دموية مجردة من كل القيم والأخلاق، ولعل نظرة واحدة إلى صور هذه الذئاب الجربانة الذين وقعوا أسرى فى أيدى أسد سينا المصرى تقنع كل إنسان فى الدنيا أنه أمام أفراد عصابة دموية وأن كل واحد منهم لو مشى فى أية مدينة متحضرة فى العالم فلابد من أخذه للشرطة لعمل محضر تحرى مع بيات فى التخشيبة».
وكتب فى صباح 11 أكتوبر: «عملة إسرائيل عليها صورة موشى ديان.. آخر عملة إسرائيلية.. ضرب فى سيناء».
وكتب فى صباح 12 أكتوبر: «إلى قادة اللواءات المدرعة : أيها القائد الإسرائيلى.. هل تتمنى أن تحقق لنفسك الشهرة فى معركتنا المريرة ضد المصريين؟ هل تتمنى أن تتجه إليك الأنظار وتسلط عليك الأضواء والكاميرات؟.. إذن اركب دبابتك وهاجم المصريين وبعدها ستظهر فى تليفزيون القاهرة وتصبح فرجة».
وقال صباح 14 أكتوبر: «من المراجع اللغوية الحديثة: أسر، يأسر ويقال هذا أسير أى جندى تم أسره.. وجمع أسير هو أسرى وهو جمع تكسير فى مدرعاتهم وطائراتهم.. ولفظة أسرى مشتقة من اسم المنطقة التى تورد الأسرى يومياً وهى «أسرى - ئيل».
وكتب صباح 15 أكتوبر» من دروس الجغرافيا بعد حرب أكتوبر: «مصر تصدر القطن وتستورد الأسرى»، وكتب فى 21 أكتوبر: قال الشاعر الصهيونى فى العم سام: «تشابهت الأسماء يا أم كوهينا.. وتناقضت أفعالها دوماً لتشقينا.. نعيش ونحيا بعمى سام أبينا.. ونموت بعم سام (6)»
وكتب فى 22 أكتوبر: «رفعت جولدا مائير سماعة التليفون تطلب القاهرة لتتوسل فى وقف إطلاق النار قائلة: ألو .. ثمانية وأربعون ستة وخمسون - سبعة وستون؟!.. وردت القاهرة : غلط هنا ستة - عشرة - ثلاثة وسبعين».
وكتب فى 30 أكتوبر: «من برقيات « دافيد» لانكشاير مراسل «أسوشيتد برس» - برقية 336 - تل أبيب - «دافيد» لانكشاير - تمكنت قوة إسرائيلية قوامها 98 جندياً من دخول قلعة الكبش بالقاهرة بعد معركة استمرت طول الليل بالمدرعات والطيران .. وقال ناطق عسكرى إسرائيلى : إن أفراد هذه القوة لم يلقوا فى طريقهم أى مقاومة حتى عند دخولهم المعسكر 27 المصرى بقلعة الكبش . برقية 337 - تل أبيب دافيد لانكشاير : لا يزال أفراد القوة الإسرائيلية التى دخلت قلعة الكبش موجودين بالمعسكر 27 المصرى وهو معسكر للأسرى الإسرائيليين».
وكتب صباح 5 نوفمبر: «من امتحانات اللغة فى إسرائيل بعد 6 أكتوبر: أولاً : قواعد اللغة : أوجد الفاعل فى العبارتين التاليتين: (أ) يتقن الإسرائيليون اللغة العبرية.. (ب) يتقن المصريون اللغة العبورية.. ثانياً الإنشاء : اكتب فى أحد الموضوعين الآتيين: 1 - عدت من الحرب دون أن تقتل أو تظهر فى أى تليفزيون عربى اكتب أسباب هجرتك من إسرائيل .. 2- هب أنك موشى ديان - اكتب استقالتك».
وكتب صباح 6 نوفمبر: «من كتاب «خلاصة الأقاويل فى سيرة بنى إسرائيل»: «فلما أنجب حزقائيل ولداً فرح بمولده جداً جداً وأحضر العرافين فرداً فرداً ليروا إن كان ابنه سيكون سيداً أم عبداً فلما حان وقت العصر أمر حزقائيل بقتل العرافين داخل القصر فقد تنبأوا بأن الولد سيظهر فى تليفزيون مصر».
وكتب فى صباح 14 نوفمبر: «امتحن معلوماتك : بحر الدموع الذى يحيط بحائط المبكى ويمنع الإسرائيليين من الوصول إليه.. قررت السلطات الإسرائيلية مساعدة الأهالى للوصول اليه: - بإحضار فلايك ؟.. - باستدعاء الخبراء المصريين لإقامة المعابر؟».
أحمد رجب جريدة «الأخبار»
مؤلفات غربية وإسرائيلية تفضح أكاذيب العدو
ادعت إسرائيل بعد انتهاء حرب أكتوبر أنها لم تُهزم فى حرب أكتوبر وصورت بالأكاذيب والادعاءات أنها هى المنتصرة فى المعركة، ولأن الكذب مالوش رجلين كما يقولون ها هى مجموعة من مؤلفات كتاب أجانب وخبراء من إسرائيل تفضح تلك الأكاذيب وتذكر عكسها :
قال الصحفى البريطانى دافيد هيرست فى كتاب «البندقية وغصن الزيتون»: «حرب اكتوبر كانت بمثابة زلزال فلأول مرة فى تاريخ الصهيونية حاول العرب ونجحوا فى فرض أمر واقع بقوة السلاح وقد دفع الإسرائيليون ثمناً غالياً لمجرد محافظتهم على حالة التعادل بينهم وبين مهاجميهم وفقدوا فى ظرف ثلاثة أسابيع وفقاً للأرقام الرسمية 2523 رجلاً، خسارة تبلغ من حيث النسبة ما خسرته أمريكا خلال عشر سنوات فى حرب فيتنام مرتين ونصف المرة».
وقال الكاتب الفرنسى جان كلود جيبوة فى فى كتاب «الأيام المؤلمة فى إسرائيل»: «أسلم ديفيد بن جوريون الروح فى مستشفى تيد هاشومير ولم يقل شيئاً قبل أن يموت اثر النزيف فى المخ، وقد رأى إسرائيل وهى تنسحق فى أيام قلائل، وراح يتابع سقوط إسرائيل الحاد وهى تهوى من علوها الشامخ، فهل كان الرئيس أنور السادات يتصور وهو يطلق فى الساعة الثانية من السادس من أكتوبر دباباته وجنوده لعبور قناة السويس أنه إنما أطلق قوة عاتية رهيبة كان من شأنها تغيير هذا العالم الذى لم يبقِ على حاله منذ حرب يوم عيد الغفران.
وقال المعلق الإسرائيلى زئيف شيف فى كتاب «زلزال أكتوبر حرب يوم عيد الغفران»: «هذه هى أول حرب للجيش الإسرائيلى التى يعالج فيها الأطباء جنوداً كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون الى علاج نفسى، هناك من نسوا أسماءهم، لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب فى المفاجأة فى حرب يوم عيد الغفران التى حققت نجاحاتٍ عسكرية كلفت إسرائيل ثمناً باهظاً جداً وجعلتنا نتساءل، هل هناك احتمال للصمود فى حروب أخرى».
وقال المعلق الإسرائيلى أمنون كابيليوك فى كتاب «إسرائيل انتهاء الخرافة»: «تقول الحكومة البريطانية كلما كان الصعود عالياً كان السقوط قاسياً، وفى السادس من أكتوبر سقطت إسرائيل من أعلى برج السكينة والإطمئنان الذى كانت قد شيدته لنفسها وكانت الصدمة على مستوى الأوهام التى سبقتها قوية ومثيرة، كان الجنود يعودون إلى ديارهم وقد استبد بهم الحزن والفزع واحتاج الكثيرون منهم إلى التردد على قسم العلاج النفسى فى الإدارة الطبية التابعة للجيش لإصابتهم بصدمة قتال».
وقال «ناحوم جولدمان» رئيس الوكالة اليهودية الأسبق فى كتاب «إلى أين تمضى إسرائيل»: «من أهم نتائج حرب كيبور 1973 أنها وضعت حداً لأسطورة إسرائيل فى مواجهة العرب وكلفت الحرب إسرائيل ثمناً باهظاً على الصعيد النفسى، لقد انتهت ثقة الإسرائيليين فى تفوقهم الدائم، واعترى جبهتهم الداخلية ضعف هائل بالغ الخطورة»!
وفى كتاب «التقصير» الذى شارك فى تأليفه 7 صحفيين إسرائيليين، يكشف الكتاب عن التقصير الإسرائيلي؟ وكيف تفوقت المخابرات المصرية ؟ وكيف سقط خط بارليف؟ وكيف أجاد المصريون تكتم الحرب ؟ وكيف أفسدت حرب 73 انتصار1967، ويقول الكتاب: «لقد قاتل المصريون بصورة انتحارية خرجوا نحونا من مسافة أمتار قليلة وسددوا مدافعهم الخفيفة المضادة للدبابات على دباباتنا ولم يخشوا شيئاً، واستمروا فى خوض معركة انتحارية ضد الدبابات لمنعها من المرور، أمر لم يحدث لنا فى الحروب التى نشبت مع المصريين فى مواجهة جنودٍ على هذا النسق من البسالة والصمود».
«الهيئة العامة للاستعلامات»
الهلال مع الصليب ضد النجمة !
شارك الكاتب الساخر جلال عامر فى 3 حروب تاريخية، والساكن فى قلبه ووجدانه ذكريات حرب أكتوبر التى خاضها بها برتبة «نقيب» قائد سرية ضمن الفرقة 18 التى قامت بتحرير مدينة القنطرة شرق بقيادة اللواء فؤاد عزيز غالى يوم 8 أكتوبر 1973.
وتعد واحدة من أهم معارك حرب أكتوبر.. سبق للمقاتل الساخر جلال عامر المشاركة فى «حرب الاستنزاف»، وحرب «تحرير الكويت»، وقال عن حرب السادس من أكتوبر الأكثر قرباً لقلبه وقلمه بأسلوبه الساخر: «برغم أننى سكندرى أصيل مولود على بحر الأنفوشى، فإننى لم أعبر القنال سباحة أو فى قارب، لكن فى معدية على المعبر لأجد محمود مختار شقيق نجم كرة القدم حسن مختار حارس مرمى فريق الإسماعيلى وقتها وزوج السيدة رجاء الجداوى.
رأيته وهو يقبل الأرض ويغنى «أدينا عدينا»، ثم احتضننى، بينما تقذف طائرات «الفانتوم» علينا قنابل البلى ليصاب هو وأنجو أنا، فالبلى صديقى منذ أيام الطفولة، ثم تأتى قنبلة باحثة عن الأفراد «مثل مخبرى المباحث» ليصاب «عبدالمسيح» و«رفعت» وتختلط دماؤهما، ونطلب لأحدهما جماعة دفن الموتى، وللآخر جماعة الإسعاف دون أن يقول أحد «إشمعنى!».. لقد كان الهلال مع الصليب ضد النجمة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.