چيفرى جودسدانيس وبيتر چيفريس ترجمة: أسماء يس لم يتوقع أحد ممن عرفوا قسطنطين كڤافيس فى شبابه فى ثمانينيات وتسعينيات القرن 19 أن يصبح شاعرًا عالميًّا كان أصدقاؤه وأفراد عائلته يقدرون ذكاءه ويمدحون إخلاصه للأدب، لكنهم فوجئوا بأن الشاب الذكى المتعاطف النشط سيكرس حياته للشعر بانضباط يشبه انضباط الرهبان، متطورًا إلى شخص ساحر لكنه منعزل عاطفيًّا، يستمد هدفه فى الحياة من شعره فقط هذا بالضبط ما حدث له عندما تخلى عن بواكير شعره سعيًا وراء المجد الفنى، فصار الشعر حياته، وعاش من أجله. حوَّل قسطنطين نفسه إلى فنان مرتين، الأولى فى عشرينياته، والثانية فى منتصف عمره فى الثانية، أصبح قسطنطين الشاعر المعروف باسم كڤافيس لكنه لحد ما ظل قلقًا بشأن نضجه الشعرى المتأخر نسبيًّا؛ استاء مثلاً من قول ميخاليس بيريديس عام 1910 إن «قسطنطين فى الثانية والخمسين من عمره لم يعد لديه ما يقوله، وإن مسيرته الشعرية اكتملت»، ورد على ذلك: «كتب الكثيرون بعد الأربعين؛ كتب أناتول فرانس العظيم عمله الضخم بعد بلوغه الخامسة والأربعين. وكثيرون غيره». لم تبشِّر قصائد قسطنطين المبكرة، التى رفضها فى منتصف عمره، سوى بقليل من الأمل فى مستقبل عظيم ففى حين تميز شعراء مثل آرثر رامبو وچورچ سيڤريس بمجموعاتهم الأولى، لم تُثر منشوراته الأولى اهتمامًا كبيرًا ولم تُظهر سوى قليل من علامات طموحه البروميثيوسى، أو صراعه الوشيك مع الشعراء المعاصرين أو عمالقة الماضى كذلك شابت هذه النصوص المبكرة مسحة تأثر، تعكس أذواق وخصائص جمالية للشعر اليونانى الذى كان يقرأه فى شبابه ثم صار يراه باردًا وبلاغيًّا، مُثقلاً باللغة اليونانية «الكاتاريڤوسا» مُحمّلاً بمجازات الحب الرومانسى وجمال الطبيعة والأمة اليونانية، وهى مواضيع سيُبغضها فى منتصف عمره. وقد استغرق بضعة عقود ليتحرر من وطأة هذا التقليد، رغم وجود آثار للغة النقية فى شعره وخطابه. لا نعرف تحديدًا متى بدأ كڤافيس كتابة قصائده الأولى. لكنه فى رسالة كتبها عام 1906 انتقد بشدة «الحثالة البائسة« التى كتبها بين التاسعة عشرة والثانية والعشرين لذا، يمكن الافتراض أنه بدأ تجاربه الأدبية الأولى فى أثناء وجوده فى إسطنبول. فى رسائله إلى أخيه چون من هناك، أبدى قسطنطين اهتمامًا بالغًا بالكلمات ومعناها وموقعها فى الجملة، وفى 1881 بدأ مبكرًا فى السادسة عشرة بتجميع معجم وانتهى بمرادف «للإسكندر«. لكن المعجم للأسف كان من بين ما دُمر فى قصف عام 1882 فأرسل قلقًا رسائل إلى چون يسأل عن أوراقه، ليتلقى الرد بأن كل شىء قد ضاع لاحقًا، فى 1902 كتب قسطنطين: «إنها إحدى مواهب الأسلوبيين العظماء، أن يجعلوا الكلمات القديمة لا تبدو قديمة بالطريقة التى يقدمونها بها فى كتاباتهم» وهنا ربما كان يشير إلى مشروعه المعجمى المجهض. كثيرًا ما ذكر معاصروه شغفه الشديد بأمور الإلقاء وعلامات الترقيم، بل وحتى المسافات فى أبياته. مثلاً عندما كان هو ومجموعة من الشباب يناقشون شاعرًا إنجليزيًّا من القرن 19، بدأ قسطنطين رحلة متعرجة عبر «متاهة المفردات الدقيقة«، وهنا تدخل أحد الزوار قائلاً: «بالتأكيد يا أستاذى، كل هذه تفاصيل»، فرد قسطنطين بحماسة: «ما الفن إلا التفاصيل» ومثلما قال فى قصيدته « من الزجاج الملون»: «أتأثر كثيرًا بالتفاصيل» وكذلك أشار المحرر والناقد والصديق چيورچوس بابوتساكيس إلى أنه رغم أن قسطنطين أبدع شعره الخاص، فلم يتخلَّ قط عن «إخلاصه لاختيار الكلمات». ويتذكر بابوتساكيس قوله نحو عام 1931 إن «غالبية الشعراء اليونانيين لم يُولوا فى أعمالهم اهتمامًا كافيًا لمسألة الدقة المعجمية». ولتحقيق هذه الدقة التعبيرية، عمل قسطنطين بعناية على قصائده، صاقلاً كل كلمة فيها، أحيانًا لما يقارب 15 عامًا قبل إرسالها إلى المطابع؛ فقد بدأ ديوان «أوروفيرنيس» فى 1904 واستمر فى العمل عليه حتى عام 1916. رغم التعرف المبهج على الشعر اليونانى والصحافة والتفكير النقدى الذى صادفه عند الجالية اليونانية بإسطنبول، لم يكن قسطنطين سعيدًا بالابتعاد عن كتبه ومخطوطاته، وساورته شكوكه بشأن موهبته، لهذا حاول چون تشجيعه، فأشاد برسالة أخيه المكتوبة بإتقان، مضيفًا أنه «سيتجاوز قريبًا حدود معرفتى باللغة الإنجليزية« (16 يناير 1883) وكان هذا تعليقًا سخيًّا جدًا بالنظر إلى طموحاته الشخصية نحو الشهرة، وخاصةً فى كتابة قصيدة تجريبية مثل الشاعر الرمزى الفرنسى ستيفان مالارميه (1842-1898) بلغت 4000 بيت. كانت مواهب چون الأدبية واضحة فى رسائله، وبعضها حتى كتبه شعرًا: «سأجيب رسالتك المؤرخة فى 29 أكتوبر، ليس نثرًا بل «أسوأ»/ توجه الإلهام شعرًا نشوانًا/ الأفكار لها/ والقوافى لى» (7 نوفمبر 1882). بالطبع، عانى چون أيضًا من انعدام الثقة، ربما من مقارنات عقدها بينه وبين قسطنطين: «أفتقر إلى عبقريتك المتنوعة وقدرتك على إثارة الاهتمام باللاشىء« (16 يناير 1883) وفى رسالة تالية، أفصح عن شكوكه فى «مواهبى الشعرية (التى تمتلكها)، فهى، مع الأسف، متذبذبة. لا أحد يتساوى فى جميع الظروف؛ ومنهم خادمك المتواضع، الذى يخضع، إلى أقصى حد، للأمور الخارجية وتقلبات الرياح« (23 يناير 1883). سيعترف لاحقًا بأنه لم يكن قادرًا على الكتابة على الإطلاق: «شعرى متقطع ومتفاوت حاليًا: ليس لدىَّ كثير من وقت الفراغ» (5 يونيو 1883). فهل كان چون بوصف جهوده فى نظم الشعر بأنها «متقطعة ومتفاوتة«، يقصد أن مسيرته الشعرية تكاد تنتهى؟ لكن أيًّا كانت مشاعره حينها، فلم يثر نشر قصائده المبكرة فى الإسكندرية أى ضجة. وللأسف، كان هذا الكتاب الوحيد الذى نشره، وأخيرًا قنع بأنه ليس شاعرًا. صحيح أنه نحو 1890-1891، طبع بعض القصائد مثل «بيجماليون يتأمل» من كم صفحة، نشرها لاحقًا فى ريفيستا كوينديسينالى، لكن كان هذا كل شىء. وبنهاية حياته، كان يرى نفسه فاشلاً. لكنه ظل فخورًا بقسطنطين ومدى جهده لجعل اسمه معروفًا بين دائرته الصغيرة من الأصدقاء والمعارف. ظاهريًّا، يبدو أنه لم تكن ثمة منافسة صريحة بينهما، إذ فصل بينهما ما يقرب من عامين لكل منهما طموحات فنية كبيرة. لكن المرء يتساءل عما إذا كان چون قد حسد شقيقه على تجاوزه له كشاعر! كان فشل چون مصيرًا وجب على قسطنطين تجنبه وإذا نظرنا إلى بعض أبياته، يُمكننا أن نرى مدى انتحالها من حيث النَّظم والموضوع، وكم تشبه قصائد قسطنطين الأولى التى تبرأ منها لاحقًا يبدأ المقطع الأول من «بيجماليون يتأمل» بالأبيات التالية: «قصيدتى! ستكون نموذجًا/ فى إيقاع الرخام، للجمال/ من ثم صادقة، مثالية فى كل طرف» وتنتهى هكذا «وهكذا أنهض؛ ستُعبّر قصيدتى/ عن الجمال فى إيقاعات الرخام»، لسوء حظ چون، لم «تُقرأ« هذه القصائد على الإطلاق، إذ كانت فى وزنها، وأسلوبها، ومواضيعها، ڤيكتورية تمامًا ولا عجب أنها لم تجد جمهورًا، ولا نقادًا، ولا جاذبية، وهو صمت لا يُمكن أن يكون قسطنطين قد أغفله كان بإمكانه أن يرى أن قصائد چون عادية وقديمة الطراز بمعنى آخر، لم يكن ذلك النوع من الشعر قادرًا على تغيير «عقول الملايين»، كما أمل أن يحقق هو نفسه. بالإضافة إلى التفكير فى كيفية الهروب من تقليد چون للشعر وتعاليمه المدرسية، كان على قسطنطين أن يفكر فى مستقبله ماذا سيفعل عندما يعود هو ووالدته من إسطنبول؟ خلال إقامته فى العاصمة العثمانية، فكّر فى مهنة الصحافة السياسية نستنتج ذلك من رسالة (22 نوفمبر 1883) كتبتها له عرابته وابنة عمه، أماليا بيتاريدو-بابو، من أثينا ردًا على رسالة لم تصل إلينا ربما كان يسألها فيها النصيحة بشأن خططه المهنية، فحذرته من أن «النجاح فى السياسة يتطلب دراسة القانون... والصحافة ليست مناسبة لك أيضًا« وتابعت أن شباب هذه الأيام يتجهون بقوة للعمل المصرفى أو التجارى، وشجعته على متابعة هذا المجال. ويبدو أيضًا أن قسطنطين أعرب عن رغبته فى كتابة الشعر، فتابعت: «أفهم من رسالتك أن لديك ميلاً للشعر، وأنا على يقين أن القسطنطينية بطبيعتها الجميلة يمكن أن تلهمك« تثبت هذه النصيحة طيبة النية أن عائلته لم تكن تفقه الشعر على الإطلاق، بما يتجاوز هذه المعايير الأولية. عندما عاد قسطنطين إلى الوطن فى أكتوبر 1885 فى الثانية والعشرين، كانت لديه فرص عمل قليلة، ولم يشغل وظيفة ثابتة لسنوات عديدة، ما أجبره على الاعتماد على دعم والدته المالى، وهو وضع لم يكن من الممكن أن يستمر فيه نظرًا للظروف المالية الصعبة التى تعيشها الأسرة. ومع ذلك، لم يكن مقدرًا له أن يتجه إلى الحياة المهنية، وبالتأكيد ليس فى تجارة القطن التى جذبت الشباب اليونانيين الموهوبين ومثل العديد من الرجال فى العشرينيات من العمر، بحث عن عمل مربح دون هدف محدد. وكان أحد الاحتمالات هو العمل فى الصحافة كما أخبر ابنة عمه. علنًا على الأقل، اعتبر نفسه صحفيًا، إذ كتب، أول مقال له (1882) عن الشاعر أثناسيوس خريستوبولوس عام قصف الأسطول البريطانى الإسكندرية. وهكذا، فى عام 1886، مع إخوة آخرين عاملين بأجر، بدأ العمل فى بورصة القطن محررًا فى صحيفة تيليجرافوس. لكنه مع أن أجواء المنافسة فى سوق الأوراق المالية كانت مثيرة، لم يرَ نفسه قط مراسلاً ماليًّا وهكذا، عاد إلى شغفه الحقيقى؛ النقد الأدبى والثقافى، فكتب مقالات نقدية باليونانية والإنجليزية، لم يُنشر معظمها، تناول بعضها قضايا سياسية، مثل القضية القبرصية وعودة رخام البارثينون ومع أنه أظهر موهبة كمراجع للكتب ومترجم وناقد ثقافى، تخلى عن فكرة أن يصبح صحفيًّا محترفًا فى عام 1897. لكنه لم يقدم نفسه كشاعر حصريًّا وعلنًا خلال معظم تسعينيات القرن التاسع عشر، مع أنه عقد مثمر للغاية له على الصعيد الشعرى، إذ وجه طاقته بقوة نحو الشعر، وابتهج عندما ظهرت قصيدته الأولى «باخوس« فى دورية «هسبيروس« الصادرة فى لايبزيج عام 1886 ولا شك أنه كان إنجازًا عظيمًا لشاب فى الثالثة والعشرين يعيش فى ضاحية الإسكندرية إلا أن انتصاره الصغير الأول، المستوحى من الشاعر أثناسيوس خريستوبولوس (1772-1847)، لم يُعطِ انطباعًا يُذكر عن ثورة ديموطيقية/عامية كانت تتشكل فى الشعر اليونانى آنذاك. ثم نشر سلسلة من القصائد باللغة اليونانية، بعناوين «الشاعر والملهم» (1886)، و«البناؤون» (1891)، و«صوت من البحر» (1898). فى ذلك الوقت، انطلق أيضًا فى العديد من المشاريع الفكرية الأخرى. ففى عام 1891، وامتدادًا لمشروعه المعجمى المُجهض، بدأ العمل على معجم مرادفات. ومع أنه لم يبدُ مشروعًا طويل الأمد حينها، فقد تطور مع مرور الوقت وكما كتب فى مسودة مقدمة لهذا العمل بعد سنوات عديدة، فقد استخدم قاموسًا يونانيًا ممتازًا (لم يحدده)، واحتوى على مرادفات عامية أكثر بكثير من غيره. (وقد أشار إلى 13 معجمًا على الأقل عند تجميع قائمته). لكن هذا الكتاب حوى العديد من العيوب لذلك، رأى أنه من المفيد استكماله بمرادفاته الخاصة. وكان خلال قراءاته، كلما صادف «كلمة جميلة أو معبرة«، غالبًا ما تكون عامية من السجلات القديمة يدونها مع المرادفات، ثم يضعها فى الصفحة المناسبة من المعجم بعد سنوات، بدأت هذه المرادفات تتسرب من الكتاب، فقرر تدوينها فى دفتر «لاستخدامى الشخصى أو لاستخدام أصدقائى حال رغبوا« لم يكن هذا العمل مرهقًا على الإطلاق، بل بدا «ممتعًا» لكنه جمع هذه الكلمات أولاً لأنها مفيدة له «كمؤلف«، أى كشاعر بمعنى آخر، سعى إلى هذا المشروع كمورد شخصى لا كمغامرة لغوية للنشر فى كتاب بدت بعض الكلمات التى اختارها متوقعة، استقى كثير منها من قراءته للشعر اليونانى والأغانى الشعبية بينما أظهرت كلمات أخرى فضوله اللغوى. وهكذا، لدينا مرادفات لكلمة «مصاص دماء»، وللمشروب اليونانى «أوزو« مع متغيريه (تسيبورو وزبيب). عندما أنهى مشروعه نحو 1917، بعد ما يقرب من ثلاثين عامًا، كان قد جمع 561 مرادفة تقريبًا شكلت كتابًا ومع أنه لم ينشره قط، فقد أثبت جدارته كمعجمى بارع يتمتع بشغف كبير باللغة اليونانية ودقة فى التعبير ورغم أنه لم يتلقَّ تدريبًا لغويًّا، كان بإمكانه بالتأكيد أن يصبح كذلك، كما كان بإمكانه أن ينمى شغفه بالتاريخ بالتحول إلى مؤرخ كانت هذه البراعة الفكرية وتنوعها علامة على عبقريته، وتُظهر أنه، دون أى تعليم جامعى امتلك معرفة علمية باللغة اليونانية والتاريخ اليونانى، أثارت إعجاب اللغويين والمؤرخين المحترفين على حد سواء. بعد نحو عامين من بدء معجمه للمراجع، طور أداة أخرى مفيدة للغته الشعرية، وهى (معجم القوافى). كتبه على ورق من مكتب الرى [حيث عمل لفترة]، مقتديًا بشعراء آخرين من القرن التاسع عشر، جامعًا قوائم القوافى بنفسه من معاجم مختلفة وفى عامى 1897 198 بدأ كتالوجًا ثانيًا للقوافى جمعه بنفسه من الشعراء الذين قرأ لهم. واعتمد على هذين الكتالوجين عند تأليف قصائده، ويمكن تحديد 18 قافية من هذه القوافى فى قصائده. لكن استفادته منها تضاءلت بعد 1900 عندما قلَّ اعتماد شعره على القافية. منذ عام 1890 فصاعدًا، كان الشعر محور اهتمام قسطنطين الأساسى، إن لم يكن انشغاله المتعصب، وبينما لم ير أهله وأصدقاؤه ثمار إبداعه فى القصائد المنشورة، فقد أدرج عناوين 131 قصيدة جديدة فى فهرسه بين أغسطس 1891 وديسمبر 1898. وبين يناير 1899 وديسمبر 1903 أدرج 32 قصيدة، منها تسع مسودات سابقة وفى العام التالى، تشير سجلاته إلى سبعة وعشرين مؤلفًا، لم ينجُ منها سوى «الشموع» الشهيرة، التى نُشرت عام 1899. كان تناول الشيخوخة موضوعًا غريبًا لرجل فى الثلاثين من عمره؛ يحدق المتحدث فى صف شموع تمثل حياته ويشعر بالضيق عند رؤية صف طويل من فتائل مطفأة: «لا أريد أن أنظر إليها؛ يحزننى منظرها/ ويحزننى أيضًا أن أتذكر ضوءها السابق/ أنظر إلى الأمام إلى شموعى المضاءة». كان قسطنطين سعيدًا جدًا بهذه القصيدة لدرجة أنه كتب عنها إلى بريكليس أناستاسيادس قائلاً إنها «واحدة من أفضل الأشياء» التى كتبها على الإطلاق. وكرر شعوره بالفخر لچون الذى كان ترجمها إلى الإنجليزية آنذاك، واصفًا إياها بأنها «جيدة» و«سهلة الترجمة». وتكشف مسودة من ثلاث صفحات وضعت ما بين عامى 1897 و1899، عن مدى تطور نظريته الجمالية فى ذلك الوقت ومع أن القصيدة بدت له رمزية لحد ما، فقد رآها قسطنطين «درامية»، ما يجعلها مختلفة عن «الجدران» و«النوافذ»؛ القصائد «جلية الرمزية». لكن اللافت للنظر فى النص ليس نضج أسلوبه الشعرى فحسب، بل ثقته بنفسه كشاعر أيضًا؛ لم يعد يعتمد على چون فى النصيحة والتوجيه، بل انقلاب ديناميكية القوة فى علاقتهما، فعلى عكس مراسلاتهما فى أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر حول شعر چون، بدا فيها الأخ الأكبر مسيطرًا، كان الوضع هنا معكوسًا. ففى ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدا أن چون صاحب المجد الشعرى المنتظر، وتقبّل قسطنطين باحترام هذه النتيجة ضمنيًّا. لكن مع نهاية العقد، تجاوز قسطنطين شقيقه كفنان العائلة. ومن الآن فصاعدًا، انصب الاهتمام على إبداعاته الشعرية، وهو تركيز متزايد جلب معه شهرة أعرض، لكنه أيضًا أبعده عن المقربين منه!