فى السادس من أكتوبر 1973، سطرت القوات المسلحة المصرية أعظم صفحات البطولة فى التاريخ الحديث، حين نجحت فى تحطيم خط بارليف الحصين، وعبور قناة السويس فى عملية عسكرية مُدهشة قلبت موازين القوى فى المنطقة.. واليوم، وبعد مرور 52 عامًا على النصر المجيد، تظل ذكرى أكتوبر أيقونة للفخر الوطنى ومصدر إلهام للأجيال الجديدة، حيث جسّدت وحدة المصريين وصلابة إرادتهم وإيمانهم بقدسية الأرض.. لقد كانت حرب أكتوبر نقطة تحول تاريخية، ليس فقط لمصر، بل للشرق الأوسط بأسره، فقد استعادت الأمة العربية كرامتها بعد سنواتٍ من الانكسار، وأثبت المقاتل المصرى أنه قادر على قهر المستحيل متى تعلق الأمر بأرضه وعرضه. وتظل ذكرى حرب أكتوبر المجيدة نبراسًا مضيئًا فى تاريخ مصر، ودليلًا على أن الإرادة قادرة على قهر المستحيل إنها ليست مجرد ذكرى، بل مدرسة للأجيال تتعلم منها أن الوطن لا يُصان إلا بالدماء والعرق، وأن مصر دائمًا قادرة على حماية أرضها وصُنع مستقبلها. اقرأ أيضًا | يوم النصر ورد الاعتبار |العلماء: الاحتفال بذكرى أكتوبر وفاء للشهداء والوطن الضربة الجوية عندما انطلقت الضربة الجوية الأولى فى الثانية ظهرًا يوم السادس من أكتوبر، دوّت فى سماء سيناء رسالة واضحة: أن زمن الهزيمة قد ولى، وأن ساعة النصر قد حانت. أكثر من 220 طائرة مقاتلة اخترقت المجال الجوى للعدو فى توقيتٍ واحد، لتدك مراكز القيادة والسيطرة والرادارات والدشم المُحصنة. كانت الضربة الجوية تمهيدًا لعملية العبور الكبرى، ونجحت بنسبة تجاوزت 95% فى تدمير الأهداف المحددة. ووصف الخبراء تلك اللحظة بأنها «أهم 53 دقيقة فى تاريخ مصر الحديث»، إذ كسرت هيبة الجيش الإسرائيلى الذى طالما ادعى أنه لا يُقهر. طلقات المدفعية مع انتهاء الضربة الجوية، دوّت مدافع الجيش المصرى على طول الجبهة بطلقاتٍ كثيفة وصاخبة، أمطرت مواقع العدو بأكثر من 10 آلاف قذيفة خلال 53 دقيقة. كانت النيران المصرية كالسيل الجارف، شلت قدرات العدو، ومهّدت الطريق لأكبر عملية عبور فى التاريخ العسكرى الحديث.. وفى مشهد أسطورى، بدأ المهندسون العسكريون تنفيذ معجزة «فتح الثغرات فى الساتر الترابى» باستخدام خراطيم المياه. خلال ساعاتٍ قليلة، انهار خط بارليف الذى وصفه الإسرائيليون بأنه «أقوى خط دفاعى فى العالم». أيقونة البطولة لم تكن التكنولوجيا سر النصر، بل كان الجندى المصرى البطل هو كلمة السر الحقيقية عبر الجنود القناة بزوارق مطاطية وتحت وابل من النيران، حاملين أسلحتهم وإيمانهم بالنصر. تسلقوا الساتر الترابى رافعين العلم المصرى فوق الضفة الشرقية. أحد الجنود كتب فى مذكراته: «كنا ندرك أننا قد لا نعود، لكن يقيننا أننا سنترك خلفنا نصرًا للأجيال القادمة كان كافيًا ليدفعنا إلى الأمام» ولم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية، بل كانت بداية مسار سياسى انتهى باستعادة سيناء كاملة بفضل الصمود والمفاوضات أعاد النصر لمصر هيبتها، وأعاد للعرب ثقتهم فى أنفسهم، وكان شاهدًا على أن القوة تصنع السلام. واليوم، بعد مرور 52 عامًا على النصر، يقف الشباب المصرى على أعتاب مستقبل يواصل فيه حمل راية الوطن، وقد تطورت القوات المسلحة المصرية وأصبحت من أقوى جيوش المنطقة، تحمى حدود مصر من الإرهاب والتحديات الحديثة، بروح أكتوبر نفسها. الصاعقة.. أشباح الليل رجال لا يعرفون المستحيل، يهبطون من السماء أو يتسللون فى عمق الصحراء، لتنفيذ مهام يصفها العسكريون بأنها أقرب إلى المستحيل.. رجال الصاعقة المصرية كانوا العيون التى ترصد، واليد التى تضرب فى العمق، ليعطلوا دبابات العدو ويقطعوا طرق إمداداته. هم من أثبتوا أن الشجاعة قد تغيّر خريطة المعركة. نفذت قوات الصاعقة المصرية عملياتٍ بطولية خلف خطوط العدو، قطعت الإمدادات، وزرعت الألغام، وأربكت قياداته. تحولت إلى «أشباح» لا يعرف الإسرائيليون من أين يأتون أو كيف يختفون. الدفاع الجوى.. حائط الصواريخ لم تكن حرب أكتوبر لتُكتب صفحاتها المضيئة لولا «المظلة» التى حمت سماء مصر. قوات الدفاع الجوى بنت حائطًا من الصواريخ، جعل سماء القناة جحيمًا لطائرات العدو. بفضل هذا الحائط، عبرت قوات المشاة فى أمان، ودخلت الدبابات المعركة، لتتحول معركة الجو من تفوق للعدو إلى مقبرة لطائراته.. منذ حرب الاستنزاف، عملت قوات الدفاع الجوى على بناء «حائط الصواريخ» الذى أثبت فاعليته فى حماية سماء مصر وفى حرب أكتوبر، كان هذا الحائط هو السور المنيع الذى حمى القوات المصرية من الطيران الإسرائيلى، وأسقط عشرات الطائرات المعادية. القوات البحرية.. حصار مُحكم فى صمت البحر العميق، كان لأبطال القوات البحرية صولات وجولات. من إغلاق مضيق باب المندب، إلى السيطرة على الممرات الحيوية، وحتى الإغارات المباغتة على مواقع العدو.. لقد حرموا إسرائيل من سلاح البحر، وأثبتوا أن اليد المصرية قادرة على أن تمتد من البر إلى البحر، لتكمل لوحة النصر.. فى البحرين الأحمر والمتوسط، فرضت القوات البحرية حصارًا بحريًا كاملًا على الموانئ الإسرائيلية، فى أول تطبيق عملى لحرب بحرية ناجحة فى المنطقة. الإعلام.. الجندى المجهول وسط هدير الدبابات ودوى المدافع، كان للإعلام دوره فى أن يكون السلاح الموازى للبندقية. هو من حمل الرسالة، ووثّق البطولات، وواجه حرب الشائعات التى شنها العدو. كان صوت الحقيقة الذى بث الثبات فى القلوب، وحمى الداخل من الانكسار، ليظل الإعلام بحق «الجندى المجهول» فى معركة أكتوبر.. كان للإعلام دور محورى فى شحذ الهمم ورفع الروح المعنوية. الصحف والإذاعة والتليفزيون نقلت أخبار العبور للعالم، وحوّلت الحرب إلى ملحمة وطنية يعيشها كل بيت. كلمات الرئيس الراحل أنور السادات: «لقد حانت ساعة الحساب»، دوّت فى أذهان المصريين كنداء للنصر.