روح الفريق هذه لا ألمسها فقط فى لقاءات المسئولين فى الحكومة، ولكن أستشعرها أيضًا فى اللقاءات المهمة التى كان لى حظ المشاركة فيها تحت مظلة الهيئة الوطنية للصحافة، التى يقودها باقتدار المهندس عبد الصادق الشوربجى. على مدى الأسابيع الأخيرة كان لى حظ المشاركة فى عدد من اللقاءات مع مجموعة من كبار المسئولين، بداية من اللقاء الموسع الذى عقده الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء مع العديد من رؤساء التحرير والإعلاميين، وتبعته لقاءات مثمرة أخرى مع الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، والمهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية، والدكتور محمد فريد صالح القائم بأعمال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية. تفاصيل وأخبار وأرقام عديدة يمكن استعراضها فى سياق تلك اللقاءات، لكن ما يعنينى أكثر من الأرقام هو الدلالات التى تمثلها تلك اللقاءات المفتوحة والشاملة، وأولى تلك الدلالات أن هذه اللقاءات جميعًا جاءت فى إطار التوجيه الرئاسى من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسى بتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام لطرح إجابات ومعلومات شافية وشفافة حول ما يهم المواطن وما يجرى من حولنا. ومن الواضح أن ثمة روحًا جديدة تسرى فى شرايين العلاقة بين الدولة والإعلام، تجعلها أكثر مرونة وتدفقًا، وهذه الروح تنطلق من قناعة مهمة تفرضها طبيعة اللحظة الراهنة التى تواجهها مصر والمنطقة والعالم، وهى أن الجميع يقف فى خندق واحد من أجل الدفاع عن الدولة المصرية، وتحسين حياة المواطن، والحرص على بناء وعى جاد ومستند إلى حقائق وفهم عميق لطبيعة ما يجرى من حولنا وتداعياته علينا، وكذلك التعرف على خططنا وخطواتنا للمواجهة. أستطيع التوقف أمام جملة من الملاحظات أو الاستخلاصات المهمة من تلك اللقاءات المتعاقبة، والتى أرجو أن تستمر وتتواصل وتمتد إلى مختلف مؤسسات الدولة، فهى جسر مهم للتواصل وتقريب الرؤى بين ما تحتاجه وسائل الإعلام من معلومات وفهم للإجابة على أسئلة مهمة للمواطن، وبين رؤية يريد المسئولون نقلها وتفسيرها للرأى العام عبر وسائل الإعلام، وهو ما توفره تلك اللقاءات التى لا تكتفى بتقديم المعلومات، بل تخلق فهمًا لسياق شامل يجعل إدراك الحقائق أسهل وأعمق من مجرد طرح موضوعات متناثرة أو معلومات متفرقة لا تصنع وعيًا ولا تبنى معرفة متكاملة. ■ ■ ■ أولى تلك الملاحظات التى أستشفها من مجريات اللقاءات الأخيرة، والتى يغلب عليها الطابع الاقتصادى، هو وجود رغبة ورؤية لدى مؤسسات الدولة للحفاظ على مسار استراتيجى للإصلاح يحافظ على مرونة التعامل مع الأزمات الطارئة والتى تفرض نفسها نتيجة الأوضاع الضاغطة فى المنطقة ومن حولنا فى العالم، لكن ذلك المسار الاستراتيجى لا يفقد البوصلة باتجاه أهداف بعيدة المدى تحقق تطلعات تجربة الإصلاح الاقتصادى الشامل الذى تنتهجه الدولة منذ عام 2014 وحتى الآن. ضغوط الأوضاع الإقليمية والدولية تزايدت وتيرتها منذ العام 2020 وإلى اليوم، متمثلة فى تأثيرات جائحة فيروس كورونا والإغلاق العالمى الذى لا تزال تداعياته الاقتصادية مستمرة، مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية وما لها من تأثيرات سلبية، وصولًا إلى الحرب التى طالت فى الشرق الأوسط، ولم تعد مقصورة على العدوان الإسرائيلى فى قطاع غزة، بل طالت أراضى لبنان واليمن وإيران وحتى قطر، فضلًا عما تسببت فيه من ارتباك لحركة الملاحة فى البحر الأحمر وتراجع إيرادات قناة السويس بشكل حاد. هذه الضغوط والإشارة إليها لم تغب عن أجواء اللقاءات الأخيرة بين مسئولى الحكومة وبين رؤساء التحرير والإعلاميين، لكن فى مقابل تلك الأجواء كانت هناك رؤية واضحة تركز على وجود أدوات وسياسات لا يمكنها فقط تفادى أو التخفيف من وطأة تلك الضغوط الخارجة عن إرادتنا، بل تعيننا على استكمال مسار الإصلاح بطريقة أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع ما تفرضه تلك الأزمات من مستجدات، وهو نهج ربما وضح بجلاء فى عرض الدكتورة رانيا المشاط للسردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، وكذلك فى استعراض المهندس كريم بدوى لكيفية خروج قطاع الطاقة فى مصر من أزمات متلاحقة فرضتها التحولات الإقليمية وتراجع إمدادات الغاز سواء القادمة من الخارج أو المنتجة محليًا فى لحظة تتزايد فيها الاحتياجات المنزلية والصناعية فى ذروة فصل الصيف. ■ ■ ■ ثانى الملاحظات التى أستطيع التوقف أمامها فى الأداء الحكومى الذى استعرضه المسئولون خلال اللقاءات الأخيرة يتعلق بوجود إرادة ورؤية واضحة لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية، والاستفادة مما تحقق على مسار تحديث البنية التحتية فى طول البلاد وعرضها كوسيلة لجذب استثمارات واعدة يمكن أن تعوض الفجوة بين معدلات الادخار المحلية وبين المستويات المطلوبة للنمو الاقتصادى، وهو ربما ما بلوره الدكتور محمد فريد بقوله إن معدل الادخار فى مصر لا يتجاوز 11 فى المئة فقط، بينما نحتاج إلى استثمارات لتحقيق نمو لا تقل عن 25 فى المئة من الناتج المحلى الإجمالى، وهذه الفجوة (14 فى المئة) يتم تعويضها عبر الاستثمارات الخارجية أو الاستدانة، ولأن توجه الدولة حاليًا هو تقليص الاقتراض لأقل حد ممكن وتوجيه تلك التمويلات لمشروعات ضرورية تدر دخلًا، فكان البديل الأفضل هو جذب استثمارات. ورغم كل الضغوط الإقليمية والدولية، لكن الحكومة تسعى إلى استثمار حالة الاستقرار الداخلية أمنيًا وسياسيًا، والعمل على توفير بيئة عمل جاذبة للاستثمارات الخارجية، سواء من خلال تشريعات مواكبة للتطور العالمى، أو أدوات رقابية صارمة تضمن حوكمة الأنشطة الاقتصادية، والأهم عبر تسويق الفرص الاستثمارية الواعدة فى سوق محلى قوامه 120 مليون إنسان (110 ملايين مصرى و10 ملايين من المقيمين)، وقدرة على الوصول عبر اتفاقيات اقتصادية وسلاسل للتوريد إلى أسواق يتجاوز تعداد سكانها المليارات. ■ ■ ■ الملاحظة الثالثة، وهى جزء مهم من تلك الروح الجديدة التى لمستها فى اللقاءات الأخيرة، تتعلق بإعلاء روح الفريق، فكل مسئول التقيناه بداية من رئيس مجلس الوزراء مرورًا بكل المسئولين البارزين الذين ذكرتهم لم يتحدثوا بطريقة ال «ون مان شو» أو البطل الأوحد، فلم يكن الغرض من اللقاء أن يستعرض المسئول إنجازه الشخصى، بل أن يطرح رؤية متكاملة للإصلاح والانطلاق، وفى ثنايا حديث كل مسئول عن مجال عمله تطل أسماء لمسئولين آخرين لا يشاركون فى اللقاء، لكن يتم توجيه الشكر لهم لأنهم شركاء فى الإنجاز، أو لأن ما تحقق كان ثمرة تعاون فى إطار فريق عمل يضم عدة وزارات وجهات. الدكتور مدبولى يشيد بأداء الوزراء الذين يتحملون عبئًا كبيرًا فى ظروف دقيقة. وزيرة التخطيط توجه الشكر للفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء للتنمية الاقتصادية وتعاون كل مؤسسات الدولة فى إعداد السردية، ووزير البترول يتحدث بامتنان عن التعاون مع الشركات العالمية ووزراء الكهرباء والزراعة لتجاوز اختناقات الطاقة وحل مشكلة الأسمدة. والدكتور محمد فريد يحرص على توجيه الشكر لجميع زملائه فى قطاعات التأمين وسوق المال وغيرهما. هذه الروح أراها فى غاية الأهمية، فقد دفعنا على مدى عقود طويلة ثمن العمل فى جزر منعزلة، وأعتقد بلا أية مجاملة أن تلك الروح يعود الفضل الأول فيها بعد الله تعالى - للرئيس عبد الفتاح السيسى الذى يحرص دائمًا وفى تواضع جم على أن يصف الوزراء والمسئولين بعبارة «زملائى»، قبل أن يشيد بأدائهم وتفانيهم. وهذه روح لم نعهدها من قبل فى العمل السياسى والحكومى، الذى كان يغلب عليه التنافس بديلًا عن التعاون والتكامل، لكننا اليوم أمام فصل جديد من فصول العمل الوطنى، يدرك فيه الكل أن النجاح صناعة جماعية، وأن المستقبل تتشارك فى بنائه جميع الأيدى، ولا تنفرد به يد واحدة. ■ ■ ■ روح الفريق هذه لا ألمسها فقط فى لقاءات المسئولين فى الحكومة، ولكن أستشعرها أيضًا فى اللقاءات المهمة التى كان لى حظ المشاركة فيها تحت مظلة الهيئة الوطنية للصحافة، التى يقودها باقتدار المهندس عبد الصادق الشوربجي، فقد كانت تلك اللقاءات المتتالية للتداول والحوار البنّاء حول تطوير الإعلام وبخاصة فى مسار الصحافة القومية التى تتولى الهيئة إدارتها والإشراف عليها كانت نموذجًا للعمل الجماعى والتعاون بين الهيئة قيادة وأعضاء وعاملين وبين القيادات الصحفية ورموز المهنة وشبابها وخبرائها، فالجميع يدرك حجم المسئولية وعظم التكليف، والكل ينطلق من رغبة صادقة فى الإصلاح والبناء. ورغم أن التنافس هو السمة الرئيسية فى عمل وسائل الإعلام بكل تنوعاتها، لكن روح العمل الجماعى تبرز بوضوح فى اللقاءات التى تستضيفها الهيئة، فنحن نتنافس لكى نتكامل فى أداء دور وطنى بالغ الأهمية لتحصين الوعى الجماعى من فيروسات الشائعات والتضليل المتعمد، ونحرص جميعًا على تقديم خدمة إعلامية مستندة إلى الحقائق والأخلاقيات المهنية توفر للمواطن ما يحتاجه من موارد المعرفة والفهم، فالمواطن المصرى إذا فهم اطمأن، وإذا اطمأن أنتج وأنجز وشارك بإيجابية. واليوم يدرك الجميع أن تماسك الجبهة الداخلية وبناء فهم حقيقى لما يجرى على أرض الوطن ومن حوله لم يعد رفاهية بل «فرض عين» كلنا مسئولون عن تأديته تجاه وطن يستحق أن نعمل من أجله ليل نهار، وأن نضحى فى سبيل الحفاظ عليه بكل غالٍ ونفيس.