«ماذا لو قالها مسؤول عربي؟».. ردود فعل كبيرة على إساءات البيت الأبيض «أمك من فعلت»    عفت السادات ل في الجول: أرحب بالترشح لانتخابات الاتحاد السكندري.. و300 مليون مبلغ بسيط للحل    محمد صبحي: عهد الإسماعيلي في وجود يحيي الكومي كان "يستف" الأوراق    مصر تفوز بجائزة أفضل وجهة تراثية في فئة الوجهات المتميزة    قرار قضائي عاجل بشأن إفلاس شركة «المتحدة للصيادلة»    برواتب تصل إلى 17 ألف جنيه، 285 فرصة عمل بشركة خاصة بالسويس    تفاصيل برنامج عمل الرئيس السيسي في القمة المصرية الأوروبية غدا    الصين تكمل بناء أول مركز بيانات تحت المياه يعمل بطاقة الرياح فى العالم    وزير المالية: نتطلع إلى وضع رؤية مشتركة لقيادة التحول الاقتصادي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا واستدامة    إنهاء التعاقد مع أحد معلمي الحصة بالجيزة لعدم قيامه بالشرح داخل الفصل    وزارة التعليم الفلسطينية: استشهاد أكثر من 20 ألف طالب منذ 7 أكتوبر 2023    تفاصيل برنامج عمل السيسي في القمة المصرية الأوروبية غدا    مصر وأوروبا.. نموذج الشراكة في حقبة ما بعد الهيمنة    «زنزانة انفرادية وحكم ب 5 سنوات».. الرئيس الفرنسي الأسبق خلف القضبان فكيف سيقضي أيامه؟    الصين تدعو الحكومة اليابانية إلى الوفاء بالالتزامات بشأن التاريخ وتايوان    «العمل»: 285 وظيفة شاغرة بشركة بالسويس (تفاصيل)    فرصة عمل شاغرة بجامعة أسيوط (الشروط وآخر موعد للتقديم)    منتخب مصر يواجه نيجيريا فى ديسمبر ومفاضلة بين مالى والكاميرون استعدادا لأمم أفريقيا    «الأرقام بعيدة».. شوبير يكشف موقف ثنائي الأهلي من التجديد    ضبط صانعة محتوى بالسلام لنشرها مقاطع خادشة للحياء على مواقع التواصل الاجتماعي    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    جدول مواعيد رحلات القطارات المنيا- القاهرة غدا الأربعاء    تفاصيل إصابة سيدة ألقاها زوجها من الطابق الثانى فى بورسعيد    إصابة 6 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بمدينة أسوان الجديدة    جامعة الإسكندرية توافق على تعديل مسمى قسمين بمعهدي الصحة العامة والبحوث الطبية    مكتبة الإسكندرية تهنئ الكاتب الكبير محمد سلماوي لاختياره «شخصية العام» بمعرض الشارقة الدولي للكتاب    حقيقة تقديم تذاكر قطارات مجانية تزامنًا مع افتتاح المتحف المصري الكبير.. مصدر يوضح    لحظة بكاء يسرا وحسين فهمي بالجونة السينمائي بعد عرض فيلم عن معاناة الفلسطينيين (فيديو)    وزير الثقافة يلتقي محافظ السويس لبحث سبل دعم الأنشطة الإبداعية    برج العقرب يزداد بصيرة.. أبراج تتمتع بالسلام بداية من الغد    محمد ثروت ومروة ناجى بقيادة علاء عبد السلام فى مهرجان الموسيقى العربية    بعد سرقتها من متحف اللوفر.. تعرف على قلادة الزمرد التاريخية| تفاصيل    ليست مجرد مشاعر عابرة.. "الإفتاء" توضح موقف الإسلام من محبة أهل البيت    هل شدّ الرحال لزيارة مساجد آل البيت مخالف للسنة؟.. أستاذ الفقه بجامعة الأزهر يجيب    استشاري: ماء الفلتر افضل من المياه المعدنية للأطفال    ظهور حالات فى مدرسة بالمنوفية.. علامات الجديرى المائى وطرق العلاج    الجالية المصرية ببروكسل تستقبل الرئيس السيسي بالأعلام والهتافات    غدًا.. بدء عرض فيلم «السادة الأفاضل» بسينما الشعب في 7 محافظات    الحكومة تنفي وجود قرار رسمي بزيادة الأجور    الدفاع الروسية: استهداف منشآت البنية التحتية للطاقة الأوكرانية    رئيس البرلمان العربي يطالب بتشكيل مجموعة عمل لدعم جهود تثبيت التهدئة بغزة    «تعليم البحيرة» تعلن جداول إمتحانات شهر أكتوبر لصفوف النقل    وكيل تعليم الفيوم يشهد فعاليات تنصيب البرلمان المدرسي وتكريم الطالبات المتميزات على منصة "Quero"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء توضح حكم تصدق الزوجة من مال زوجها دون إذنه    "الابتكار في إعادة تدوير البلاستيك".. ورشة ببيت ثقافة إطسا| صور    ذكرى إغراق المدمرة إيلات| القوات البحرية تحتفل بعيدها الثامن والخمسين.. شاهد    المستشفيات التعليمية تستضيف فريقًا إيطاليًا لجراحات قلب الأطفال بمعهد القلب    وزير الصحة يبحث مع السفير الفرنسي تنفيذ خطة لتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    عضو الجمعية المصرية للحساسية: ضعف المناعة والتدخين أبرز محفزات ارتكاريا البرد    851 مليار جنيه إجمالي التمويل الممنوح من الجهات الخاضعة للرقابة المالية خلال 9 أشهر    مؤمن سليمان: قيمة لاعب اتحاد جدة تساوي 10 أضعاف ميزانيتنا بالكامل    ميدو: كنا نسبق الكرة المغربية.. والعدل في الدوري سبب التفوق    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    الدماطي: ياسين منصور الأنسب لرئاسة الأهلي بعد الخطيب.. وبيراميدز منافسنا الحقيقي    إصابة 13 شخصا إثر انقلاب ميكروباص فى العياط    ما حكم الاحتفال بالموالد مثل مولد سيدنا الحسين والسيدة زينب؟ وما حكم أفعال بعض الناس خلال الموالد من الذبح والنذور وغيرها من الطقوس ومظاهر الاحتفال؟ وما حكم تشبيه بعض الأفعال الخاصة فى الاحتفالية بمناسك الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنوز| مأساة الساخر إبراهيم عبد القادر المازنى مع قطط الجيران !
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 24 - 09 - 2025

فى هذا المقال الطريف الظريف الممتع يروى لنا الأديب الساخر إبراهيم عبد القادر المازنى مأساته اليومية مع القطط وبالذات قطط الجيران فيقول:
اقرأ أيضًا| كنوز| طفولة «المازنى» مع العفاريت وأمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة !
القط حيوان مغرور جدًا، ولا أحب القط ولا أطيقها لأن آبائى لم يكونوا ممن عبدوها وآمنوا بحلول روح الله فيها إن كانوا قد عبدوا فى جاهليتهم الأصنام والحجارة، تكفر بالحجر فتكسره، أما القطط فتحتار فى أمرها، لا يفارقها الغرور الذى بداخلها مذ رأت نفسها معززة مكرمة - بل معبودة - بلا موجب فالبلاء لهذا مقيم والمصيبة خالدة والعياذ بالله، ومن غرور القطط أنها لا تستأنس أبدًا، تسكن بيتك وتأكل طعامك، برضاك أو على الرغم منك، تمسح للقط شعره فيثنى أرجله تحته ويرخى جفنيه ويروح يزوم أو «يقرأ» كما يقول العوام فكأنك تستلم حجرًا مقدسًا من فرط ما يكون من انصراف هذا الحيوان المتكبر عنك، وتدغدغه فلا يعنى بأن ينظر إليك ليرى من أنت - أغريب أم صاحبه الذى يطعمه ويؤويه - ينحنى عليك بأظافر يده وبفمه فى آن معاً، تقدم له اللقمة فينظر إليها شزرًا ويعرض عنها محتقرًا ويحول رأسه عنك بكبر وترفع لا يطاق، فإذا كان ما تعرضه عليه لحمًا أو سمكًا هوى عليه بأسنانه وهو متجهم وانتزعه منك كأنما أنت تدنسه بلمسه أو حمله.
وما أظن بالقارئ إلا أنه رأى ما يصنع القط بالفأر وكيف يمسكه بين يديه حتى يكاد يميته من الفزع ثم يطلقه ويقصر عنه فيقف الفأر المسكين جامدًا لا يتحرك ولا يكاد يصدق أنه حر وأن فى وسعه أن يذهب ويشرع فى الهرب فيثب عليه القط وهو يضحك فى سره وغرس فى جنبه مخالبه وراح يشكه بها شكًا يكون خفيفًا تارة وثقيلًا أخرى ثم يكف عنه وعينه عليه، ويكتفى بأن يتربص له، ويدرك الفأر أن الشك قد انقطع فيتشهد ويقول «يا حفيظ. أعوذ بالله.. على وجه من أصبحت فى يومى المنحوس هذا.. أين ذهب الوحش الضارى؟.. المهم الآن أن أذهب إلى جحرى فإنه على ضيقه خير ألف مرة من ميدان هذه الغرفة التى لا آمن أن يثب عليّ فيها قط آخر والعياذ بالله».
ويتوكل المسكين على الله يقول «هيه.. يا معين» ويروح يجر رجليه رجلًا بعد رجل، وذيله مسحوب وراءه على الأرض، ولا تبقى له قدرة على التلفت من فرط الإعياء ومن كثرة ما نزف من الدم القانى، فيمضى لا ينظر إلى اليمين ولا الشمال، حتى إذا قارب الجحر وعظم أمله فى النجاة هم بوثبة أخيرة إلى حيث لا تدركه القطط فإذا بالقط المتربص على ظهره ومخالبه فى لحمه الطرى فيدرك الفأر اليأس ويقول فى سره وهو يؤكل «عسى الله أن يعوضنى يوم النشور داراً أخرى لا قطط فيها» ويلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يحلم بجنة الفئران!.
اقرأ أيضًا| في ذكرى ميلاده.. الأديب المازني ساخر بطبعه ومرح يحب النكتة
القطط تولد عمياء فترق قلوبنا لها ونعنى بها ونسقيها اللبن الذى هو لطعامنا ونبرها ونعجب بمنظرها ونباهى الجيران، ثم يتفق أن نخرج يومًا ونوصد الأبواب ونحن لا ندرى أن القط فى إحدى الغرف ونغيب شيئًا ثم نعود للبيت ويدخل أحدنا حجرة النوم ليخلع ثيابه فيغلق وإذا بالقط على السرير يتحفز للوثوب عليه وتمزيق لحمه كأنه أمام نمر مفترس فيضطرب وتتخلخل ركبتاه ولا يعود يعرف أين الباب والقط يعوى ويقفز كالمجنون ونسى ما سبق من النعمة، ولا يبقى له هم إلا الخروج من الغرفة أو افتراس من دخلها ولو كان صاحب الفضل عليه.
وقد لقيت من قطط الجيران الأمرين ويحدث أن أنسى نافذة مفتوحة أو بابًا مواربًا فيدخل القط ويمضى إلى أوانى الطعام ويكشف عنها الغطاء ولو كانت من النحاس الثقيل ويلتهم كل ما بقى، وقد كان لى جيران ما رأيتهم قط ينامون إلا بعد أن يغلقوا الأبواب والنوافذ، وكنت أضحك إذ أسمع رب بيتهم يصيح فى الليل «يا حنيفة.. هل أغلقت باب المطبخ؟» فتصيح حنيفة والنوم يغالبها «أيوه يا سيدى» فلا يقتنع ويقول «قومى واستوثقى»، وكنت أعجب لهذا المتفزع عما يخيفه وهو فى عمارة لها بواب لا ينام إلا بعد أن يغلق بابها، وأيقنت فيما بعد أنه لا يخاف اللصوص وإنما يخاف القطط.. وله العذر!.
وما رأيت قطتين اتفقتا قط وما اجتمع قطان فى مكان إلا تحفزًا للقتال فترى كلًا منهما قد رفع ذيله وقوس ظهره وراح يجس الآخر بعينه وهو يزوم ويدور حوله ليغافله وينشب فيه أظفاره، والقطة هى الدابة الوحيدة التى تأكل صغارها، ومن غرور القط أنه يعتقد أن ريقه ترياق فتراه يضطجع على جنبه ويلوى عنقه ويلحس شعره، وهو مفطور على الغدر والخيانة فلا أمان له ولا اطمئنان منه، ولم يسرنى قط وجود قط فى بيتى إلا مرة واحدة وكان قطًا ملعونًا كلما أوينا لمضاجعنا يتسلل للمطبخ ويرفع غطاء كل وعاء ويقلب كل صحن ويعبث بما فى المكان، وليست نقمتى عليه من أجل ما يسرق فقلما يجد شيئًا فى المطبخ لأن عادتنا أن نأكل كل شيء قبل أن ننام ونبيت الأوعية والصحون فارغة، نقمتى عليه من أجل الضجة المزعجة التى يحدثها والصحون التى يكسرها فنهب مذعورين ونعدو إلى المطبخ عسى أن ندرك شيئًا قبل أن يتحطم وإذا بالقط اللعين يثب من الرف حين يرانا إلى النافذة دفعة واحدة، وأقسم أنى كنت أغلقت النافذة قبل أن أنام، وزوجتى تكذبنى وتزعم أنى اكتفيت بأن ألمس النافذة وأرجع للفراش، ونظل فى هذا الخلاف السخيف الذى سببه لنا القط إلى الصباح.
واتفق يومًا أن دخل علينا قط ضخم بلا استئذان فهممت بطرده، ولكنى لمحت قطًا آخر واقفًا بالباب يشاور نفسه ولم أكد أراه حتى كانت المعركة ناشبة بين القطين، كانا يدوران وذيلاهما مرفوعان وكانت أصواتهما المنكرة كأنها المسامير فى آذاننا وموسيقى الحرب، ثم اشتبكا بعد أن وزن كل منهما صاحبه وأخذت المخالب تنغرز فى أجسامهما والأسنان تساعدها وكانا يتقلبان على البساط بصيحات الحرب، ومن فرط السرور كنت أشجعهما وأقول للذى أراه يفتر منهما «عليك به أغرز مخلبك فى عينه.. افقأها له ليعمى ولا يعود يرى النافذة.. برافو.. أحسنت هكذا تكون البطولة وإلا فلا.. أعد بارك الله فيك.. مزق جلده.. أسلخه.. عضه.. يا أبله لا تبعد.. عد إليه تذكر الدجاجة التى خطفها وحرمنى وحرمك لذتها.. تذكر الفئران السمينة التى يصيدها ويأكل لحمها ويشر دمها القانى.. أقدم يا شيخ»، وصرت أهيجهما حتى أوسع كل منهما صاحبه عضًا ونهشًا ولاذ أحدهما بالفرار، ولكن الغريب أنى لم أر دمًا يسيل ولم تأخذ عينى تمزيقًا فى جلد أحد القطين على الرغم من عنف القتال، فهل كان هذا مزاحًا؟! ومهما يكن فقد استرحت من القطط المتلصصة بعد هذه المعركة.. وبقيت الفئران قوانا الله عليها إنه سميع مجيب.
إبراهيم عبد القادر المازنى من كتاب «أحاديث المازنى»
«فاتن» تلتقى بالحب على محطة الأتوبيس
أحببت الحب قبل أن أعرف معناه، كنت فى ذلك الوقت طالبة بمدرسة الأميرة فوقية الثانوية بالجيزة وكنت أغادر المدرسة عصر كل يوم سيرًا مع زميلاتى إلى محطة الأوتوبيس ونفترق عندها، كنت أنتظر الأوتوبيس العائد إلى المنيرة، ولاحظت فى أحد الأيام شابًا كان يتعقبنا منذ خروجنا من باب المدرسة حتى نصل إلى محطة الأوتوبيس، ولم أكن أعيره اهتمامًا، ظننته أحد هواة معاكسة فتيات المدارس، أو أنه خطيب إحدى صديقات الشلة، لم يخطر ببالى مطلقًا أنه كان يتابعنى، اتضحت الحقيقة عندما وقف بجوارى على المحطة دون أن يتكلم، جاء الأوتوبيس فركبت، صعد وجلس بجانبى وهو ما زال على صمته، غادرت الأوتوبيس فغادره وافترقنا دون أن يتكلم، وفى اليوم التالى رأيته عند باب المدرسة، سرت فسار ورائى حتى محطة الأوتوبيس، تقدم نحوى يحيينى ويسألنى فى صوت خفيض يخنقه الخجل: «حضرتك مش الآنسة فاتن؟»، كانت لهجته تدل على أنه يريد التأكد من شيء أكثر من المعاكسة!.
رديت عليه بأدب وقلت «أيوه»، فقدم لى نفسه وعنوانه والوظيفة التى يعمل بها، وسألنى عن أخوتى الشبان كل باسمه زاعمًا أنه صديق لهم، وأنهم يزورونه فى منزله، وهو يريد أن يرد لهم الزيارة!.
لم أعلق على كلامه بشيء واكتفيت بابتسامة مفتعلة، فأخرج رسالة من جيبه وقال لى وهو ينصرف «هذه رسالة إلى شقيقك أرجو أن تسلميها له» ثم اختفى، أمسكت بالرسالة أحاول أن أعرف أى شقيق أسلمه إياها، فوجدت نفسى أمام مفاجأة كبرى، كانت الرسالة تحمل اسمي وليس اسم شقيقي، وسبق الاسم كلمات ثلاث هى «إلى معبودة قلبى» وبأنامل ترتجف فتحت الرسالة فوجدتها رسالة غرام ملتهبة بأسلوب جميل، وعبارات غرامية منتقاة ومهذبة، قرأتها أكثر من مرة وفاتنى ركوب الأوتوبيس أكثر من مرة، الرسالة خاطبت فى نفسى الغرور قبل أن تخاطب العاطفة، وكل فتاة يهمها من يقدر جمالها، وهذا ما فعلته الرسالة العاطفية التى لامستها يدى على محطة الأوتوبيس، ثم أسرعت إلى البيت وأول ما فكرت فيه التخلص من الرسالة لأنى لم أفعل ما يغضب أهلى طيلة حياتى، دخلت حجرة والدتى ووضعت الرسالة بين يديها بعد أن أوجزت لها قصة تسلمى لها، فمزقتها وقذفت بقصاصاتها عبر النافذة إلى الطريق وأحسست لحظتها أننى أشيع شيئًا عزيزًا وكريهًا فى آن واحد.
وبدأت والدتى تلقنني درسها الأول، وكان عبارة عن محاضرة تبين لى المصائد التى يصطاد بها الشبان قلوب الفتيات الصغيرات، واستمعت لأمى باهتمام، وفهمت منها دروسًا استفدت منها كثيرًا فى حياتى، وفى اليوم التالى كان كاتب الرسالة يقف على المحطة فى انتظار أن يرى نتيجة ما فعله بالأمس، وتقدمت من المحطة ووقفت إلى جواره وقد علا وجهى التكشيرة، فلم يجرؤ على محادثتى، والتقيت به فى اليوم الثالث أيضًا، وأراد أن يشعرنى أنه ينتظر مجيء الأوتوبيس فعلًا وأن لقاءنا مجرد صدفة، ولكن هذه الصدفة المدبرة تكررت فى اليوم التالى، والأيام التى تلته، وعاش على أن ابتسم فى وجهه، ولكن نصائح أمى كانت حاجزًا بيني وبينه.
وذات يوم ذهبت إلى المحطة فلم أجده، ولم يكن وجوده يعنى شيئًا بالنسبة لى، لكن غيابه ضايقني ولا أدرى ماذا كان شعوري نحوه، هل أحببته، هل شعرت نحوه بعاطفة الحب السامية، الواقع أننى قد عجزت عن مواجهة أول تجربة تعرضت لها، كان قلبى يخفق بالخوف الذى زرعته أمى فى نفسى، وهكذا خنق الخوف حبى الأول.
فاتن حمامة «الكواكب» 14 أغسطس 1956
عم سيد يتذكر عذابات حفر القنال!
نشرت مجلة «الاثنين والدنيا» فى عام 1956 تقريرًا موجزًا فى غاية الغرابة لرجل ريفى مسن يدعى سيد محمد الفجال، يبلغ من العمر 120 عامًا بالتمام والكمال، ويؤكد أنه كان أحد عمال السخرة الذين شاركوا فى حفر قناة السويس، وتقول المجلة فى مقدمة التقرير إن للقارئ مطلق الحرية فى أن يصدق أو لا يصدق تلك الحكاية التى ترويها فى السطور التالية:
- بعد جهد كبير بذلناه فى البحث عنه التقينا به فى محله المختار داخل مقهى بلدى، وهو يشرب أكواب الشاى الأسود، قلنا له: «هل سمعت أن مصر وضعت يدها على شركة القنال؟».
فتح الرجل شفتيه عن كهف عميق، وقال وهو يضحك ضحكة تحمل أثقال الماضى وذكرياته المرة قائلًا: «أيوة يا بنى عرفت لما سمعت الريس جمال فى الراديو.. وفرحت قوى لأنى كنت واحدًا من عشرات ألوف الأنفار اللى حفروا القناية»، صمت الرجل لبرهة يلتقط فيها أنفاسه ثم قال بصوت متهدج: اكتب يا ابنى عن لسانى: «قناة السويس كانت مقبرة رهيبة ابتلعت فى جوفها ضحايا لا تعد ولا تحصى من زملائى العمال.. وأتذكر أنهم كانوا يخطفون الشبان من المدن والقرى ويسوقونهم بالسياط إلى الصحراء لنعمل عملًا شاقًا ومريرًا تحت وهج الشمس المحرقة.. وكان الكثيرون يهربون من بيوتهم ويهجرون أولادهم خشية سياط الوالى التى تقودهم إلى مقبرة الموت فى الصحراء.. ومع ذلك كان كل عمدة كفر أو نجع أو قرية يطوف مع الخفر وعسكر الهجانة للبحث عن الهاربين والمختفين للقبض علينا.. وكان من يعملون جواسيس لهم يتربصون لنا فى الحقول ومفارق الطرقات وفجأة نجد أنفسنا مقيدين بالأغلال ونسير بالجبر تحت ضربات السياط وكأننا خراف تساق إلى جحيم السخرة والموت»!.
يلتقط عم سيد أنفاسه ويستجمع ذاكرته ثم يقول: «وأتذكر أن عمى أراد أن يتخلص من السخرة فلم يجد وسيلة إلا أن يفقأ إحدى عينيه ليعفيه الوالى، واضطر ابن خالى أن يقذف فى النيل طلبًا للهرب عند الضفة الأخرى، ولكنه لقى مصرعه!».
أغمض عم سيد عينيه ثم مسح جبينه المتغضن بيد نفرت عروقها، وواصل كلامه قائلًا: «لم يكن هناك شيء يحمينا من الشمس الحارقة وحرارة الجو المميتة.. وكان المئات منا يتوفون من ضربة الشمس.. وكنا نقف صفوفًا طويلة ساعات وساعات قبل أن يتم توزيعنا على مناطق العمل.. ثم نساق بالسياط كما تساق الماشية إلى حيث رسم لنا المهندسون خطوطًا على الرمال فننهال عليها بالمعاول.. ولم تكن الشمس والرمال وحدها هى العامل الأول فى قتل العمال المسخرين.. لأن العدوى انتشرت بيننا بسبب الأمراض والأوبئة التى فتكت بأغلبنا.. كنا ننام على الأرض.. ويتكدس بعضنا بجوار بعض بعد يوم حافل بشقاء العمل وصنوف العذاب.. وكانت الوسائل الصحية معدومة.. فلا مياه صحية للشرب ولا تغذية كافية ولا دورات مياه.. ولهذا وجد المرض مرعى خصبًا له فى أجسادنا.. وجاء بعده طوفان الموت».
انسابت قطرات من الدموع على لحية عم سيد شعورًا بمرارة الذكريات الموجعة التى أخذ يجترها من الماضى ويقارنها بالحاضر الذى يعيشه الآن بعد انطلاق صوت الرئيس جمال عبد الناصر بقرار تأميم قناة السويس كشركة مساهمة مصرية، استردتها مصر لأجل من حفروها والأرواح التى دفعت ثمنها بالسخرة والعذاب والموت فيها، واختتم عم سيد كلامه قائلًا: «إذا مت الآن فسوف أموت قرير العين.. لأن الريس جمال أخذ بثأرى ورد اعتبارى عندما سمعته وهو يقول «القناة لنا.. شقها أباؤنا بالعرق والدم والدموع».. صدق الريس لأننا بالفعل بذلنا العرق فى الشمس الحارقة، وأريقت دماؤنا.. وبكينا بالدموع من السخرة والاستعباد».
«الاثنين والدنيا» 13 أغسطس 1956
عبقرية الدبلوماسى البليغ
البلاغة فى اللغة هى «الكلام الذى يناسب مقتضى الحال» ولهذا عرفنا أن محمود فوزى دبلوماسى بليغ لأنه يعرف متى يصمت ومتى يتكلم.
كان وهو فوق منبر الأمم المتحدة يقيم الدنيا ويقعدها بخطاباته الملتهبة فى كل القضايا التى تتعلق بمصر والعالم، وكان على موعد مع المجد عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 عندما تولى حقيبة وزارة الخارجية، التى جعلته يسكت عن الكلام ثلاثة أعوام، لكن سكوته لم يخل من البلاغة التى عرف بها، فتحسنت فى عهده علاقات مصر بكثير من الدول التى فقدنا صداقتها فى عهد الملك فاروق، وحلت عقدة مصر القديمة مع الإنجليز، وفكان شريكًا فى التفاوض وتم الاتفاق على الجلاء، ولم يستطع كرسى الوزارة أن يبدل من بلاغته التى عرفها العالم من فوق منبر الأمم المتحدة، لم يتحول كلامه الذى كان من ذهب لكلام من فضة، لأن الوزير محمود فوزى من نوعية الرجال الذين لا تغيرهم بريق المناصب والكراسى.
«المصور»
■ كنوز: «ولد محمود فوزى فى 19 سبتمبر 1900، وكان من أبرع عمداء الدبلوماسية المصرية، عين رئيسًا للوزراء، وعين نائبًا للرئيس محمد أنور السادات فى الفترة من 16 يناير 1972 حتى 18 سبتمبر 1974، ورحل عن عالمنا فى 12 يونيو 1981عن عمر يناهز 81 عامًا.
فى حياة العظماء
بقلم : سلامة موسى
لم يقل أحدٌ إن غاندى كان أديبًا، ولم يقل هو نفسه ذلك، لكن حياته كانت أدبًا عظيمًا إذا فهمنا أن العظمة الإنسانية هى الموضوع الأول للأدب، وبرهان ذلك أننا نستطيع أن نؤلف قصة رائعة أو قصيدة مؤثرة عن حياته، يكون هو بطلها الذى يقتحم الأفكار ويبنى الإنسانية، ويلهم الأمم ويخلق من الضعف قوة تحطم الاستعمار.
كانت حياة غاندى أدبًا وفلسفة، وكذلك ألبيرت شفيتزر الذى مُنح جائزة نوبل، والإنسانيون العظماء صنفان: صنفٌ يحيا حياة الداعية المكافح الذى يحاول تغيير المجتمع، عندما يكتب ويؤلف ويعمل ويغير، والأنبياء من هذا الصنف، وهناك إنسانيون من غير الأنبياء يحاولون تغيير المجتمع؛ مثل ماركس، وجاك روسو، وأفلاطون، وصنفٌ آخر يحيى حياة القديسين، كل منهم مثال وقدوة لهذا الخير، ليس لتغيير المجتمع، أو إذا كان لهم ذلك، فهو يتضاءل خلف حياتهم العظيمة، ومنهم تولستوى، وجيته، وإخناتون، وحين أذكر تولستوى أكاد أنسى أنه كان له برنامج اجتماعى يحاول به تغيير معايش الناس، وأذكره وهو خلف المحراث يحاول أن يكون فلاحًا يتعب ويعرق مثل الفلاحين، وأذكره وهو يحاول أن يتقشف فى شهواته، وأنا أحبه فى كل هذه المجهودات الإنسانية وأحبه لقصصه الخالدة.
وتروعنى حياة «جيته» أكثر مما تروعنى مؤلفاته، جاء للدنيا وبنى شخصيته بالحب، والعلم، والأدب، والثقافة، والسياسة، وكذلك «إخناتون» أحبه لشيء واحد هو أنه كان «الشخصية» الأولى فى التاريخ البشرى الذى رفض الإيمان بتعدد الآلهة، وآمن بإله واحد، ورفض الخضوع للتقاليد والعادات، وفكر وجابه وأعلن وجهر ولم يبال الكهنة، والخاصة أو العامة.
وكذلك الشأن فى «ألبيرت شفيتزر»، فحياته هى موضع إعجابى، لأنه اختار الحياة التى شاء أن يحياها، وهذه كلمات تبدو تافهة، ولكن على القارئ أن يتأمل حياته وحياة غيره من الناس، فإنه عندئذ وجد أنهم لا يختارون حياتهم، وإنما يختارها لهم المجتمع الذى ينصب لهم الهدف، وعليهم أن يبلغوه.
لكن «شفيتزر» رفض أن يحيى الحياة الأوروبية الناعمة المتمدنة، وفضل أن يحيى فوق المنصة التى بلغها حين صار دكتورًا فى الغيبيات الدينية، وفى الموسيقى يكسب الكثير من المال ويجد الكثير من الاحترام، رفض ذلك كله، والتحق بكلية الطب فى جامعة باريس عندما كان سنُّه فى الرابعة والثلاثين، ودرس هذه الحرفة الإنسانية بغية أن يتسلح بها، ويقصد إلى إفريقيا كى يشفى جراح الزنوج المتقيحة، التى أنزلها الاستعمار الأوروبى، عاش حياته كما أراد، وهو شخصية عالية يجب على كل مثقف أن يعرفها، فقد أحب المسيحية وعمل بمبادئها، ولكنه كره غيبياتها، وأحب الدنيا والخير، والإنسان والحيوان، وتعمق فى الثقافة البشرية، وعرف ظلامها ونورها، وآمن بالإنسان وبالحب، وهو حين أنشأ مستشفى للزنوج، كان أعقل من تولستوى حين وقف خلف المحراث يسوق الماشية، ولكنْ كلاهما كان بعيدًا عن أن يضع برنامجًا للمجتمع يغيره ويصلحه؛ إذ كان يقنع بمجهوده الشخصى، وهو لذلك قدوة عظيمة لكل منا يجب أن ينبهنا حتى لا يغفو ضميرنا ونستسلم للنوم.
إننا نعاصر، أو قد عاصرنا، أدباء حياة فى أشخاص كثيرين من الرجال والنساء قبل ألبيرت شيفتزر، ومدام كورى، وبرنارد شو، وسارتر، وغاندى، ونهرو، فهم أدبنا الحى الذى يروح ويغدو ويعلم ويهذب.
من كتاب «مقالات ممنوعة»
الانغماس فى المعرفة، يؤهلك دائمًا للحصول على سُمعةٍ سيئةٍ عندما تكون فى وسط قطيعٍ يُقدِّسُ الجهل !
الساخر مارك توين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.