الشرق الأوسط يعيش أسوأ أيامه وإسرائيل تمضى فى جر المنطقة إلى صراع لن ينتهى والعالم صامت لا يتحرك «الفتنة تطلُّ برأسها» عبارة يستخدمها اللبنانيون مع كل أزمة أو حادث أمنى يعيد إلى الأذهان شبح الحرب الأهلية حين تقطع الطرقات وينتشر الجيش على خطوط التماس القديمة. لبنان الحكومى حسم أزمة حصرية السلاح فى يد الجيش اللبنانى فى آخر اجتماع لمجلس الوزراء مساء الجمعة قبل الماضى فى غياب الوزراء الشيعة الخمسة «أربعة يمثلون حزب الله وواحد يمثل حركة أمل التى يرأسها نبيه برى رئيس مجلس النواب وحليف حزب الله التاريخي». الحكومة أكدت أن الجيش سيبدأ تنفيذ خطة نزع سلاح حزب الله وفق إمكاناته «المحدودة» مع الإبقاء على مضمونها «سريا» وذلك فى ختام جلسة خصّصت لمناقشة هذه القضية الشائكة التى يرفضها حزب الله تماما لكن بدون تحديد مدة زمنية. وكانت الحكومة قد وضعت مهلة حتى نهاية العام الجارى لتطبيق الخطة التى كلّفت الجيش بإعدادها على وقع ضغوط أمريكية وتخوّف من تنفيذ إسرائيل تهديدها بحملة عسكرية جديدة بعد أشهر على انتهاء مواجهة دامية بينها وبين حزب الله استمرت نحو سنة. خصوم الحزب والموفد الأمريكى توم باراك وصفوا القرار بالتاريخى فى إطار تطبيق التزامات لبنان باتفاق وقف إطلاق النار الذى أبرم بوساطة أمريكية وأنهى الحرب بين الحزب وإسرائيل فى نوفمبر الماضى. ونصّ على حصر حمل السلاح على الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية الرسمية. ونصّ الاتفاق على وقف العمليات الحربية بين إسرائيل وحزب الله وانسحاب إسرائيل من المواقع التى تقدّمت اليها خلال الحرب الأخيرة. إلا أن إسرائيل احتفظت بخمسة مواقع فى جنوبلبنان وتواصل تنفيذ غارات جوية شبه يومية على مناطق مختلفة فى لبنان بحجة استهداف مخازن أسلحة لحزب الله وقياديين فيه. وكان حزب الله التنظيم العسكرى الوحيد خارج القوى الشرعية الذى احتفظ بالسلاح بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) بمبرر «مواجهة اسرائيل». ومسألة نزع سلاحه قضية شائكة فى لبنان منذ عقود، وتسبّبت فى أزمات سياسية متتالية وعمّقت الانقسامات الطائفية والسياسية. شوارع العاصمة بيروت ترفع صورا تجمع رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام كتب عليها «كلنا معكم، جيش واحد، سلاح واحد، دولة واحدة، عهد جديد للبنان». لكن لبنان المتعدّد الطوائف والأحزاب والمذاهب دخل فى مرحلة الانقسام والخلافات، وكما قلت فى البداية فإن الفتنة تطل برأسها فى لبنان. حزب الله يرى أن نزع سلاحه مستحيل رغم موقفه الصعب وتقليم أظافره فى مواجهته مع إسرائيل الأخيرة. ولبنان الدولة لا تملك حلا آخر وربما تحدث مواجهة مسلحة بين الجيش والحزب وتبدأ بوادر حرب أهلية وتتدخل تل أبيب التى يمكن أن تتحرك باتجاه بيروت العاصمة كما فعلتها فى عملية «كرة الثلج» فى عام 1982 ووقعت مذبحة صبرا وشاتيلا على يد حزب الكتائب وما تلا ذلك من اغتيال بشير الجميل رئيس لبنان. ربما تكون هذه الأيام هى الأنسب لتنفيذ حصر السلاح بيد الجيش والأجهزة الأمنية، وربما أيضا تكون سببا فى حرب تتمناها إسرائيل وتسعى إليها للتدخل والقضاء على حزب الله لتضمن تماما الخلاص من محور المقاومة فى المنطقة مع إصرارها على تدمير قدرات حماس فى غزة والمواجهة العسكرية مع الحوثيين فى صنعاء وإخراج إيران من المعادلة بتشجيع ودعم من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، للأسف الشرق الأوسط يعيش أسوأ أيامه وإسرائيل تمضى فى جر المنطقة إلى صراع لن ينتهى والعالم صامت لا يتحرك وتل أبيب لا تستمع لنداءات وقف الحرب ونتنياهو يعالج مشاكله الداخلية على حساب دول المنطقة. وقف الحرب فى غزة يحتاج إلى معجزة فى ظل وجود حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة وعدم نجاح المعارضة بزعامة يائير لابيد مؤسس حزب «هناك مستقبل» والنائب فى الكنيست الإسرائيلى فى زحزحة نتنياهو عن موقفه رغم مظاهرات عائلات الأسرى لدى حماس.