محمد جمال الزهيرى تصاعدت خلال الآونة الأخيرة الضغوط الغربية وخاصة الأمريكية على الحكومة اللبنانية من أجل إيجاد حل لمسألة سلاح حزب الله، وذلك فى ظل التوترات المتواصلة على الحدود الجنوبية والمخاوف من اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل، خصوصا بعد الاشتراك المباشر والصريح لحزب الله فى دعم الفصائل الفلسطينية فى غزة منذ اندلاع حرب أكتوبر 2023 وهو ما زاد من الدعوات الدولية لتقييد قدرة الحزب العسكرية، كما طرحت واشنطن وباريس عبر قنوات دبلوماسية مبادرة لجدولة عملية نزع السلاح مقابل حزمة دعم اقتصادى فضلا عن دعم الجيش اللبناني. والأسبوع الماضي، كلّفت الحكومة اللبنانية الجيش بوضع خطة لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام الحالي، فى خطوة هى الأولى من نوعها منذ نزع سلاح المجموعات المسلحة التى شاركت فى الحرب الأهلية فى البلاد فى الفترة من عام 1075 وحتى أوائل 1990، وحينها سلمت الميليشيات التى شاركت فى الحرب الأهلية اللبنانية أسلحتها الى الدولة بموجب اتفاق الطائف الذى وضع حدا للحرب، باستثناء حزب الله الذى احتفظ بسلاحه بغرض «مواجهة اسرائيل». اقرأ أيضًا | وزير الثقافة اللبناني: نشكر مصر على دعمها.. والاهتمام بالثقافة عامل مشترك بين البلدين وفى مؤتمر صحفى بعد جلسة للحكومة اللبنانية بشأن إقرار خطة «حصر السلاح» بيد الدولة أعلن وزير الإعلام اللبناني، بول مرقص، أن مجلس الوزراء وافق على المقترح الأمريكى المقدم للبنان لنزع سلاح حزب الله بنهاية العام ونشر الجيش اللبنانى فى الجنوب، إضافة إلى إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية فى لبنان، وسحب القوات الإسرائيلية من خمسة مواقع فى جنوب البلاد. وأوضح الوزير أن تطبيق بنود الورقة الأمريكية مرهون بالتزام كل دولة معنية بتنفيذ مسؤولياتها المنصوص عليها، وهو القرار الذى رحبت به وزارة الخارجية الأمريكية فور إعلانه.. وانسحب الوزراء الشيعة قبل انتهاء الجلسة، اعتراضا على عدم تراجع الحكومة عن قرارها بسحب السلاح من حزب الله بحلول نهاية العام، وتضم الحكومة خمسة وزراء شيعة، اثنان منهم محسوبان على حزب الله، واثنان على حليفته حركة أمل، إضافة إلى الوزير فادى مكّى الذى اختاره رئيس الجمهورية جوزيف عون، لكنه انسحب أيضا من الجلسة. وكان المبعوث الأمريكى توماس باراك اقترح فى يونيو الماضى على المسؤولين اللبنانيين خريطة طريق لنزع سلاح حزب الله بالكامل، مقابل وقف إسرائيل هجماتها على لبنان وسحب قواتها من خمس نقاط لا تزال تسيطر عليها فى جنوبلبنان، وتضمن الاقتراح شرطا بأن تصدر الحكومة اللبنانية قرارا وزاريا يتعهد بوضوح بنزع سلاح حزب الله. وفى أعقاب تكليف الحكومة اللبنانية للجيش، خرجت مجموعات من مناصرى حزب الله على دراجاتهم النارية وظلوا يجوبوا عدة أحياء فى ضاحية بيروتالجنوبية، رافعين رايات الحزب الصفراء وصور قادته احتجاجا على قرار الحكومة، كما خرج الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، ليؤكد رفض الحزب لأى جدول زمنى ينفذ فى ظل العدوان الإسرائيلي، مشددًا على أن ما قدمه باراك لا يعدو كونه «إملاءات» تهدف إلى إضعاف الحزب والدولة اللبنانية معًا، داعيًا الحكومة إلى حماية المقاومة لا إلى تجريدها من قوتها. ويُعد ملف سلاح حزب الله من أكثر الملفات الشائكة والمعقدة فى المشهد اللبناني، نظرًا لارتباطه بتوازنات طائفية داخلية ومعادلات إقليمية دقيقة وعلاقات خارجية تتشابك فيها الحسابات الإيرانية والإسرائيلية والأميركية، كما كان حزب الله هو صاحب النفوذ الأوسع على الساحة اللبنانية، وقادر على فرض القرارات الحكومية الكبرى أو تعطيل العمل الحكومي، إلا أنه حاليا منهك من المواجهة المفتوحة التى خاضها على مدار العام الماضى مع إسرائيل، وقُتل خلالها عدد كبير من قادته وتم تدمير جزء كبير من ترسانته. ولا يمتلك المجتمع الدولى أية أدوات فعلية لفرض نزع سلاح حزب الله بالقوة واكتفى مجلس الأمن فى عدة مناسبات بدعوة لبنان لتنفيذ القرار 1559 الصادر عام 2004، والذى يطالب بحلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، دون خطوات إلزامية، كما أن قوات الأممالمتحدة المؤقتة فى لبنان (اليونيفيل) العاملة فى الجنوب، والمنوط بها مراقبة وقف إطلاق النار وحفظ السلام، لا تملك تفويضًا أو قدرات تسمح لها بالتدخل فى مسألة السلاح. وعقب تكليف الحكومة اللبنانية للجيش بنزع سلاح حزب الله، ظهرت العديد من التوقعات ولكن يبقى السيناريو الأكثر ترجيحًا هو بقاء الوضع على ما هو عليه، بمعنى أن الحكومة ستواصل المراوغة السياسية وتستمر قوى إقليمية ودولية فى الضغط دون نتائج ملموسة، بينما يواصل حزب الله تعزيز مواقعه العسكرية والسياسية. وفى المقابل يرى بعض المحللين والمتابعين للشأن اللبنانى أن الضغوط الخارجية وبعض المبادرات الداخلية قد تدفع إلى استئناف الحوار الوطنى حول «الاستراتيجية الدفاعية»، لكن دون أن يؤدى ذلك إلى نزع السلاح فعليًا. بل قد يستخدم الحزب الحوار لكسب الوقت.. أما فى حالة إندلاع حرب أوسع بين حزب الله وإسرائيل، فإن التوازنات قد تتغير وربما يُعاد طرح مسألة نزع سلاح حزب الله ضمن تسوية إقليمية كبرى، تفرضها قوى دولية كجزء من إعادة ترتيب المنطقة. أخيرا، وفى ظل تواصل الانقسام الطائفى العميق فى لبنان والشلل المؤسسى واستمرار النفوذ الإيرانى فى القرار اللبناني، ليس واقعيا انتظار نجاح الحكومة اللبنانية فى نزع سلاح حزب الله بحلول نهاية هذا العام حيث لا تتمثل المشكلة فى امتلاك الحزب للسلاح، بل تتمثل فى أن الحزب أصبح مكونًا سياسيًا وعسكريًا متجذرًا فى الدولة والمجتمع، وله قواعده الشعبية وامتداداته الإقليمية.. وبالتالي، فإن أى محاولات لنزع سلاحه دون توافق داخلى شامل، ودعم إقليمى ودولى فعال، قد يكون من الأرجح أن يفشل، بينما قد يكون الحل الأقرب للواقع هو إخضاع سلاح الحزب وإدراجه ضمن استراتيجية دفاعية رسمية تحت إشراف الدولة، كخطوة انتقالية نحو نزع السلاح الكامل.