كانت كل الانفراجات التى تمتعت بها النساء فى المجال القضائى جاءت بفضل التوجيهات الرئاسية. يوم الثلاثاء الماضى كان يومًا تاريخيًا فى مسيرة قاضيات مصر. فلأول مرة يصدر القرار الجمهورى رقم 447 لسنة 2025 بتعيين أول دفعة مختلطة من الذكور والإناث من خريجى كليات الحقوق والشريعة والقانون كقضاة بدرجة «مندوب مساعد» فى مجلس الدولة. وهكذا ينصف الرئيس نساء مصر. هذه ليست المرة الأولى التى تقتحم فيها نون النسوة منصات القضاء الإدارى ومجلس الدولة أو النيابات العامة؛ فقد سبق أن تولت النساء مناصب قضائية فى الجهات سالفة الذكر عن طريق النقل أو الانتداب، ولكن بعد جهاد طويل لكى يتم قبولهن. لكنها المرة الأولى التى يسمح فيها للخريجات الشابات بالتقدم لشغل وظيفة مندوب مساعد كأولى درجات السلم القضائي، متمتعات بالمساواة التى كفلها لهن الدستور وحرمن منها على مدى عقود بسبب التمييز النوعى وتفضيل الذكور عليهن فى المناصب وعدم الاعتراف بهن كقاضيات مؤهلات لاعتلاء منصة القضاء. مازلت أذكر المعركة الضارية التى خاضها القاضى الجليل المستشار محمد الحسينى الرئيس الأسبق لمجلس الدولة فى أواخر العشرية الأولى من القرن الحالى حين فتح باب التعيين للإناث فى مجلس الدولة لتنتفض الحالة الذكورية لدى الجمعية العامة لمستشارى المجلس، وفى اجتماع طارئ رفضت بأغلبية 89% تعيين قاضيات. وقتها كنت أتابع بكثير من الاهتمام هذا الخلاف بين رأس المجلس وجموع القضاة. الغريب أنه سبق هذه المعركة الساخنة تعيين المستشارة تهانى الجبالى رحمها الله فى هيئة المستشارين بالمحكمة الدستورية العليا بقرار جمهورى عام 2003، لتكون بذلك أول قاضية مصرية وعربية فى المحكمة الدستورية العليا. وكأنها كانت رسالة رئاسية لصالح المرأة لما قد يحدث فيما بعد. لم ييأس المستشار الحسينى رئيس مجلس الدولة وأصر على فتح باب القبول للذكور والإناث معًا، رغم معارضة معظم أعضاء المجلس الخاص -أعلى سلطة إدارية بمجلس الدولة- فعقد مستشارو المجلس جمعية عمومية ثانية وجاءت الطامة الكبرى حين رفضت قراره بأغلبية تفوق 99%. كان واضحًا أن ذكور الجمعية العامة آنذاك لم يلتقطوا الإشارة الرئاسية. وللأسف انتهت الأزمة حينها بنزول رئاسة المجلس على رأى الجمعية العامة، وإرجاء التعيينات للذكور والإناث معا، ثم تشكيل لجنة من شيوخ القضاة وضعت تقريرا يظهر أن من الصعب تعيين الإناث فى الوقت الحالي، ثم تم فتح باب التعيين للذكور فقط. ومع أن دستور 2014 نص على أحقية المرأة فى تولى المناصب العامة بما فى ذلك الهيئات القضائية دون تمييز ضدها، إلا أنه لم تُتخذ إجراءات تعيين الإناث بالنيابة العامة ومجلس الدولة، بل على العكس صدرت مجموعة من الأحكام الحديثة برفض أو عدم قبول دعاوى الخريجات للمطالبة بتعيينهن. على مدى العقود الماضية كان إصرار كبار القضاة المستشارين على مجافاة الحقوق التى كفلها الدستور للمرأة مثيرًا للكثير من الدهشة، وفى الحقيقة كانت كل الانفراجات التى تمتعت بها النساء فى المجال القضائى التى سمحت لهن باقتحام منصات القضاء أو قاعات النيابة العامة جاءت بفضل التوجيهات الرئاسية. ففى 11 مارس 2021 أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسى توجيها لوزير العدل المستشار عمر مروان بالاستعانة بالسيدات كعضوات بمجلس الدولة والنيابة العامة، بمناسبة اليوم العالمى للمرأة، لتحقيق المساواة بينهن وبين الرجال فى التعيينات القضائية. وسرعان ما جاء رد مجلس الدولة، حيث أصدر المستشار محمد حسام الدين رئيس مجلس الدولة، بيانا قال فيه إنه تم التنسيق مع المستشار رئيس هيئة النيابة الإدارية، والمستشار الدكتور رئيس هيئة قضايا الدولة لإتمام نقل العضوات الراغبات فى الالتحاق بالعمل قاضيات فى مجلس الدولة وعمل أفضل التيسيرات لهن. وللمرة الثانية ولن تكون الأخيرة ينصف الرئيس السيسى تاء التأنيث ويصدر القرار الجمهورى المذكور فى أول المقال. شكرا للرئيس وهنيئا لبناتى الخريجات ولوج ساحات القضاء من اوسع أبوابها.