على الرغم من الواقع المأزوم والمستقبل المجهول الذى يطارد الدولة العبرية، فإن التعامل مع تصريحات نتنياهو عن «إسرائيل الكبرى» على أنها مجرد أوهام صهيونية، ليس إلا محاولة عربية لتخدير الذات والهروب من مواجهة الحقيقة. منذ السابع من أكتوبر، أثبتت التجربة أن الصهاينة يفعلون ما يعلنون، ويسيرون بخطى ثابتة نحو أطماعهم التاريخية. فالمشروع الصهيونى لم يبدأ مع المجرم الحفيد نتنياهو، بل مع المجرم الجد المؤسس «هرتزل»، الذى قدّم الصهيونية للعالم على أنها امتداد للديانة اليهودية. هذا التوظيف الدينى هو ما يمنح نتنياهو اليوم شعورًا بأنه يؤدى «مهمة تاريخية» تتوارثها الأجيال، وصولًا إلى الحلم الأخطر: «إسرائيل الكبرى». والأخطر أن نتنياهو ليس سياسيًا مأزومًا كما يحلو للبعض تصويره. إنه ابن المدرسة الفكرية لزئيف جابوتنسكى، الأب الروحى للتطرف الصهيونى وحزب الليكود، وصاحب النظرية التى ترى أن حدود إسرائيل الحالية ليست سوى محطة مؤقتة فى طريق مشروع توسعى أكبر. لذلك، لا يفوّت نتنياهو أى مناسبة دون أن يتحدث عن «تغيير وجه الشرق الأوسط»، وهو ما ترجمته ممارساته بعد السابع من أكتوبر باحتلال أراضٍ فى سوريا ولبنان، ومحاولاته المستمرة لابتلاع غزة والضفة الغربية. من السذاجة أن نعتبر تصريحاته مجرد هفوة لفظية أو مغازلة لليمين الإسرائيلى المتطرف. الحقيقة أن ما يقوله يكشف جوهر المشروع الصهيونى، ويمثل انعكاسًا لعقيدة توسعية تغلغلت فى وعى ملايين الإسرائيليين، الذين يشرعنون الاحتلال والقتل باسم الحق الدينى والتاريخى. اليوم، بات اليمين المتطرف متجذرًا داخل إسرائيل، نافذًا إلى مؤسستها العسكرية والأمنية، حتى صار قطاع واسع من المجتمع الإسرائيلى يتبنى حلم «إسرائيل الكبرى» الممتدة من البحر إلى النهر. إنكار هذه الحقائق لا يقل خطورة عن تصريحات نتنياهو نفسها. فبينما يواصل الصهاينة رسم خرائطهم على أرض الواقع، نغرق نحن العرب فى بحور من الأوهام، مفضلين الهروب إلى الأمام على مواجهة مشروع استعمارى لا يخجل من إعلان نواياه.