الأول يريد التخلص من أهل غزة والسيطرة على القطاع واحتلاله والثانى يعتبر القطاع أرضًا تمثل فرصة استثمارية رائعة. اليوم الخميس ووسط صمت أمريكى يتخذ المجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر قرارًا بخصوص احتلال كامل قطاع غزة.. القرار يأتى تلبية لرغبة نتانياهو ووزراء اليمين الدينى المتطرف فى حكومته، وعلى غير رغبة رئيس أركان جيش الاحتلال، ولكنه قرر أن ينفذ ما يأمر به المستوى السياسى وأن يخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر الأمنية والعسكرية والسياسية كما يرى، وأيضاً مخاطر على حياة المحتجزين الإسرائيليين فى غزة. والصمت الأمريكى تجاه ذلك ليس له معنى سوى الموافقة على احتلال إسرائيل لكامل القطاع.. لأنه يأتى فى وقت يردد فيه ترامب كثيرًا أنه حان الوقت لإنهاء حرب غزة التى تعانى من دمار وموت ومجاعة، بينما أحتلال كامل أراضى قطاع غزة يعنى مزيدًا من الدمار والقتل والمجاعة ويطيل أمد الحرب ولا ينهيها أو يقرب موعد إنهائها.. إذن من حقنا أن نستنتج هنا أن ترامب يشارك نتانياهو فى كل ما يفعله فى غزة من تدمير وقتل ومجاعة، أما حديثه عن وقف تلك الحرب البشعة وضرورة تقديم المساعدات لأهل القطاع فهو لا يعدو إلا مجرد محاولات لاحتواء الغضب العربى والعالمى لبشاعة ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلى من جرائم فى القطاع منذ قرابة العامين بلا انقطاع. وإذا كان نتانياهو يضرب منذ بداية الحرب عرض الحائط بالرفض الإسرائيلى لاستمرارها والذى بلغ نحو ثلثى الإسرائيليين الآن، فالمثير أن يوافقه ترامب على ذلك وهو يعرف أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يفعل ذلك لمصالح شخصية وأيضاً عقائدية.. فهو يطيل أمد الحرب ليطيل أمد حكومته وليحمى نفسه من محاكمات الفساد والفشل العسكرى وقتل الأسرى بنيران قوات الاحتلال، وقبل ذلك لأنه يؤمن أن غزة مثل الضفة أرض إسرائيلية وليست فلسطينية. ولأننا نعرف أن ترامب رجل أعمال من هواة الصفقات فإنه لا يمكن أن يكون مؤيدًا لنتانياهو على هذا النحو لأن الأخير غرر به أو ضلله وهو الذى يقود الدولة العظمى فى العالم ويعتبر نفسه الآمر الناهى فيه.. وبالتالى لابد أن ترامب يجد فيما يفعله نتانياهو فى غزة مصلحة له ولأمريكا.. وهنا نتذكر أنه جاهر برغبته فى تهجير أهالى قطاع غزة وسيطرة أمريكا عليها لإعادة إعمارها وتحويلها إلى ريفيرا الشرق التى ستكون منتجعًا باهرًا لأثرياء العالم!. أى أن مصالح نتانياهو وترامب تلاقت.. الأول يريد التخلص من أهل غزة والسيطرة على القطاع واحتلاله وسبق أن رفض انسحاب شارون منه علنًا، والثانى يعتبر القطاع أرضًا تمثل فرصة استثمارية رائعة أو جميلة حسب وصفه ولا يريد تفويتها أو أن تفلت من بين يديه.. ولذلك لا يصغى كل منهما لأصوات أهالى الأسرى الإسرائيليين الخائفين على أبنائهم، ولا لأغلبية الإسرائيليين الرافضين لاستمرار الحرب ويريدون وضع نهاية سريعة لها لأنها لم تقدم لهم الأمن واضطرتهم اقتصاديًا، ولا لاعتراض رئيس الأركان ومعه قيادة قوات الاختلال التى ترفض احتلال كامل القطاع لأنه سيعرض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر ويفتح الباب لاستنزاف مستمر لا يتوقف فى قوات الاحتلال ولن يدمر أيضاً حماس.. ولذلك يفضّل المستوى العسكرى إبرام صفقة مع حماس تتضمن هدنة تمنح قوات الاحتلال فرصة لتنظيم الصفوف والتقاط الأنفاس وعلاج آثار الحرب السلبية على أفرادها.. وحتى عندما تعثرت الصفقة مع حماس طرح رئيس الأركان خيارًا آخر غير احتلال كامل القطاع للضغط على مماس وأيضاً أبناء القطاع بالعمليات الجوية وإحكام الحصار على الجزء الأوسط من القطاع. إلا أن نتانياهو رفض ذلك وجمع اليوم الخميس أعضاء مجلسه المصغر لاتخاذ قرار احتلال كامل أراضى القطاع لتبدأ مرحلة جديدة وخطيرة جدًا فى تصفية القضية الفلسطينية وطرد أهل غزة من أرضهم، وهذا يمس فى الصميم الأمن القومى المصرى والعربى، ويحتاج الأمر لموقف عربى صارم وحازم لوقفه.