تزايدت الضغوطات التي تمارسها أطراف مختلفة على رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو لوقف حرب غزة مع استمرار مجازر الإبادة التى تستهدف المدنيين العزل فى القطاع لأكثر من 19 شهراً، وهو ما يجعلنا أمام حرب طويلة من الممكن أن تكون نتائجها ليست فى صالح قوى دولية لديها مصالح مشتركة مع الدول العربية، وكذلك فى وقت تخوض فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية مفاوضات أمنية وسياسية مع إيران وأخرى اقتصادية وتجارية مع الصين. ◄ آلاف العسكريين الإسرائيليين يطالبون بوقف الحرب وخلال هذا الأسبوع تعددت النداءات المطالبة بوقف الحرب وشهدت عواصم أوروبية عديدة احتجاجات على استمرار الجرائم الإسرائيلية، وسط تقارير إعلامية تتحدث عن وجود مهلة منحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإسرائيل نحو تحقيق مهمتها خلال فترة وجيزة دون الرضاء الكامل عن استمرارها لفترات طويلة، ومع تزايد الضغوط الداخلية فى دولة الاحتلال إذ تصاعدت مظاهرات آلاف الإسرائيليين الذين طالبوا بوقف الحرب مع انتقال تلك الاحتجاجات إلى صفوف الجيش والأجهزة الأمنية انضم إليها عناصر وضباط سابقون من جهاز الاستخبارات «الموساد»، الذين وقعوا على عريضة الطيارين الحربيين الذين دعوا لوقف الحرب كونها تحولت إلى أداة سياسية. قالت هيئة البث الإسرائيلية (رسمى) إن أكثر من 250 شخصا، من ضباط وعناصر جهاز «الموساد»، وقعوا على عريضة طيارى سلاح الجو الإسرائيلي المطالبة بإنهاء الحرب وإعادة الأسرى، وأن أكثر من 1600 من قدامى الجنود فى لواءى المظليين والمشاة، وقعوا من جهتهم رسالةً تدعو إلى إعادة جميع الرهائن، حتى لو كلّف ذلك وقف الحرب، واعترفت الممثلة العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية فى الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بأن إسرائيل «تجاوزت كل الحدود فى دفاعها عن النفس»، فى إشارة لما يحدث فى غزة، مشيرة إلى أن «الأحداث الأخيرة أظهرت بوضوح أن كل الحدود قد تم تجاوزها، والتضحيات البشرية هائلة»، كما أضافت أن أمن إسرائيل لا يمكن ضمانه من دون احترام حقوق الفلسطينيين، ولهذا السبب يدعم الاتحاد الأوروبى حل الدولتين، وأن الاتحاد وافق على حزمة مساعدات جديدة للفلسطينيين بقيمة 1.6 مليار يورو. ◄ بعثرت الأوراق ويُمكن القول بأن الحرب المفتوحة في الشرق الأوسط يمكن أن تبعثر الأوراق لأن أهداف إسرائيل تتعارض مع دول وشعوب المنطقة وأن الرغبة فى التمدد والتغيير الديموجرافى الذى يتجاوز مسألة القضاء على حماس أو تحرير الأسرى لن يكون مقبولاً، وأن الإدارة الأمريكية التى لديها صراعات تجارية ليست أقل ضراوة مع الصين ستكون بحاجة إلى الدفع باتجاه محاولة تحسين صورتها فى ظل التعاطف الدولى والشعبى مع الصين التى تشكل قوة اقتصادية مهمة ولم تنجرف إلى حروب وصراعات مثلما الحال بالنسبة للولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين وإسرائيل. وهناك طرف وحيد مستفيد من الحرب الطويلة ممثلاً فى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، إذ يسعى أن تأتى انتخابات الكنيست المقبلة العام القادم وما يترتب عليها من أغلبية تمكنه من إعادة تشكيل الحكومة والحفاظ على تحالفه مع اليمين الأكثر تشددا، وهو ما يتطلب استمرار الحرب والذهاب باتجاه مزيد من تعزيز تواجد قوات الاحتلال فى مناطق قامت بالسيطرة عليها أخيرا منذ اندلاع حرب غزة. وعلى مدار شهر تقريبا منذ انتهاك إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار لم تتوقف المفاوضات الساعية لوقف الحرب والوصول إلى هدنة أو استعادة مسار إنهاء الحرب عبر مراحل مختلفة، غير أن إسرائيل عمدت إلى إفشالها بعد أن وضعت مزيدا من العقد أمام مساعى الوسطاء للوصول إلى اتفاق جديد، وبدت حجة نزع سلاح المقاومة أحد العراقيل الجديدة التى تعول عليها لاستمرار التصعيد فى ظل خطط تقوم بتنفيذها تتعلق بتقسيم القطاع إلى مناطق محددة وخلق مناطق عازلة جديدة تقوم باحتلالها. ◄ إفشال المفاوضات السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، يقول إن مفاوضات وقف إطلاق النار لم تفشل ولكن جرى إفشالها من جانب دولة الاحتلال عن عمد وهى الآن فى ورطة ولا تريد الخروج منها إلا بما تتصوره على أنه انتصار لها حتى وإن ضحت بجميع الأسرى الذين هم على قيد الحياة مع حركة حماس، مشيرًا إلى أن الولاياتالمتحدة وفقا للمعطيات الراهنة يبدو أنها منحت نتنياهو فرصة لتحقيق ما ينشده من انتصار وإخضاع حركة حماس عبر منع إدخال المعونات واستهداف قيادات الحركة وتكثيف الضربات وإعادة احتلال القطاع، وأضاف أن مطلب نزع سلاح المقاومة من المستحيل القبول به ولم يحدث فى تاريخ اى مقاومة أنها قامت بتسليم سلاحها قبل إنهاء الاحتلال ويمكن أن يحدث ذلك بإقامة دولة فلسطينية تقود لتوحيد قوات الأمن. مشيرا إلى أن الأزمة الحالية تتمثل فى أن المجموعة التى تحيط بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب وتتولى مهمة التفاعل مع الملفات الإقليمية ليس لديها خبرات سياسية وتعمل بنظام التجربة والخطأ، وبالتالى فإن ذلك يخدم نتنياهو الذى يذهب إلى اتجاه حديثه عن توجيه ضربة إلى إيران دون دعم من الولاياتالمتحدة، وأن تحييد دولة الاحتلال عن الصراع مع طهران وكذلك تقييد تحركاتها فى سوريا لعدم الاصطدام بتركيا منح إشارات خضراء للتصعيد فى غزة لكن ذلك من الصعب أن يستمر طويلًا. ◄ اقرأ أيضًا | إسرائيل «غاضبة» بعد إلغاء إسبانيا صفقة للأسلحة ◄ العالم الخارجي ويُشير رخا، إلى أن الضغوطات تتزايد على إسرائيل من جانب الاتحاد الأوروبى، وفى نفس الوقت لن تصمت الولاياتالمتحدة على استمرار الحرب بلا نتائج طويلا، وأن التفاعلات الدولية تصل إلى حد مطالبة برلمانيين بريطانيين بلادهم بالانضمام إلى التوجه الفرنسى نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلى جانب مطالبة مجموعات من المجتمع المدنى هناك بلادهم بإلقاء القبض على نتنياهو باعتباره مجرم حرب، مما يُعزز كراهية إسرائيل لدى الغرب والعالم، ولفت إلى أن حرب غزة لابد أن تنتهى لأنها تحولت إلى عبء على المصالح الأمريكية وفى حال وصلت المباحثات مع إيران إلى نقاط أكثر إيجابية بحيث تقود للتوقيع على اتفاق فإن ذلك سيكون له تأثير إيجابى على الملاحة فى البحر الأحمر وقناة السويس وكذلك حرب غزة، مُضيفًا أنه فى الوقت ذاته فإن الموقف المصرى لا يكل ولا يمل من مساعى تقريب وجهات النظر للوصول إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، وتضييق الخناق على إسرائيل التى لا تريد إعادة إعمار القطاع ولا تريد وجود الفلسطينيين على أراضيهم لكنها تصطدم بصعوبات تهجيرهم إلى دول أخرى. ◄ التعتيم الباحث فى الشأن الفلسطينى، أكرم عطا الله، يقول إن نتنياهو كان واضحا فى السابق والآن أكثر وضوحا بشأن عدم رغبته فى وقف الحرب مع بقاء حماس فى غزة، وأنه لن يستسلم لحين تحقيق أهدافه من تدمير كامل قطاع غزة وأنه لا يريد الأسرى وهؤلاء ليسوا أداة ضغط قوية لوقف الحرب مما يجعل القطاع يتجه لمزيد من التقسيم لصالح الاحتلال الذى يعمل على ترسيخ أقدامه هناك، وأكد أن المشكلة الحالية تتمثل فى أن الولاياتالمتحدة لا تضغط على إسرائيل وكذلك فإن الوسطاء يتجنبون الضغط على حماس لأن مطالب إسرائيل صعبة وتبدو غير منطقية وهو ما يمنح فرصة لاستكمال الحرب بعد أن ضعفت المقاومة الفلسطينية بشكل كبير وأن قدرة حماس على التأثير الميدانى لم تعد كما كانت من قبل، وفى الوقت ذاته فإن الحركة لا يمكن أن تتراجع الآن وتسلم سلاحها ويمكن البحث عن نزول آمن للحركة من الشجرة بما يحفظ صورتها ويرضى إسرائيل. ◄ فرضيات مُختلفة وقالت الدكتورة إيمان زهران الباحثة فى العلاقات الدولية، إن حرب غزة أمام فرضيات مختلفة فى ظل الضغط الأمريكى لإنهاء الحرب القائمة والانتقال للمرحلة السياسية اتساقا مع توجهات دونالد ترامب فى إرساء قواعد الاستقرار فى المنطقة وتصوراته الخاصة حول الترتيبات الأمنية فى البحر الأحمر لإنجاز أجنداته الاقتصادية وفى مقدمتها الممر الاقتصادى الهندى، تابعت: «إلى جانب اضطراب الأوضاع بالداخل الإسرائيلى حول إدارة ملف المحتجزين، وما لحق بذلك من حالة انقسام نخبوى حول الجدوى من إطالة أمد الحرب القائمة، فضلا عن الاستنزاف الاقتصادى دون أى مؤشرات واقعية تُرجح من فرص الدعم الأمريكى والغربى فى ظل التفاعلات القائمة نحو إعادة إنتاج سيناريو الحرب التجارية إبان الولاية الأولى لدونالد ترامب». وذكرت أن هناك عاملا آخر يتعلق بالمقايضات العربية عبر أوراق التطبيع وكذلك مشروعات التكامل الاقتصادى والتنموى، إذ إن كل تلك الأوراق قد تدفع بنتنياهو لإبداء المرونة نحو إبرام اتفاق هدنة ولكن وفقا لشروط تيار اليمين والتي تتعلق بنزع سلاح المقاومة، واستمرار وجود قوات الاحتلال فى المناطق العازلة، وهو ما ترفضه حركة حماس، لكن مازالت الرهانات قائمة لدى الوسطاء وفى مقدمتهم القاهرة، فضلا عن اختبارات الضغط الأمريكي في النجاح في انتزاع اتفاق للهدنة وإنهاء للحرب القائمة.