في صباح يوم 23 يوليو عام 1952 استيقظ الشعب المصري على صوت الأمل والتغيير، صوت «البكباشي» محمد أنور السادات يلقى بيانًا من قيادة الجيش عبر أثير الإذاعة المصرية، معلنًا فيه نهاية حقبة من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وبداية مرحلة جديدة، هذا الحدث، الذي استغرق دقيقتين ونصفًا فقط لتلاوته، كان نقطة تحول تاريخية غيّرت المسار السياسى والاجتماعي والاقتصادي والثقافي لمصر، لقد لخّص البيان القوي حلم أمة بأكملها فى جملة واحدة: «لقد اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير.. والآن نحن على أعتاب فجر جديد من الثورة المباركة». ثورة يوليو كانت درسًا عميقًا في أن التحرر الوطني لا يتحقق فقط بإسقاط نظام سياسى أو طرد قوات احتلال، بل يحتاج إلى وحدة وطنية، واستقلال اقتصادي، وقيادة قوية، وتحالفات دولية ذكية، ورغم المؤامرات الاستعمارية ومحاولات الالتفاف على مكتسباتها، فإن الثورة تركت إرثًا وطنيًا ألهم العرب والأفارقة للتحرر. ■ الدكتور علي الدين هلال الدكتور علي الدين هلال عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ووزير الشباب والرياضة الأسبق قال إن ثورة يوليو 1952 وبعد مرور 73 عامًا أصبحت موضوعًا أعمق وأشمل، فالأحداث المُهمة فى تاريخ الشعوب يُعاد تقييمها جيلًا بعد جيل، وأكد أن ثورة يوليو كانت بداية مرحلة جديدة فى التاريخ العربي، تحولت فيها مصر إلى قائد إقليمي، وقال هلال إن المؤرخين وكتّاب التاريخ يؤكدون على ضرورة التقييم الفعال والموضوعى لأى حدث تاريخي، وهو ما يظهر بوضوح بعد اختفاء كل من عاصره ورجاله، ونجد ذلك فى الكتابات الحديثة حول الثورات القديمة كالثورة الفرنسية والثورة الروسية وما إلى ذلك. وشدد هلال على أن ثورة يوليو قامت من أجل مبادئ وأهداف البسطاء من عامة الشعب المصري مثل «قانون الإصلاح الزراعي» و«إلغاء الرتب والألقاب مثل الباشوات والبكوات»، وغيرها من الأهداف، بعيدًا عن إقامة حياة ديمقراطية وجيش وطني وخروج الاحتلال والاستعمار البريطاني، موضحًا أن ثورة يوليو أنتجت العديد من القرارات المهمة على مختلف الأصعدة مثل: مجانية التعليم، والتنمية، والزراعة، والصناعة، كما أنها ساهمت بالتبعية فى نهضة الدولة، وحققت العدالة الاجتماعية ونمّت الطبقة المتوسطة، وهو الأمر الذي ظهر في جميع مناحى الحياة وأثر بالإيجاب على مصر اجتماعيًا واقتصاديًا أيضًا، فشعر بتلك التغييرات الفلاح والعامل والطبقات الكادحة التى حظيت ببعض العدالة الاجتماعية فى عهد جمال عبدالناصر، لافتًا إلى أن الثورة ساعدت فى إنشاء مصانع الحديد والصلب، والألومنيوم، والصناعات الثقيلة المختلفة. ◄ اقرأ أيضًا | النواب والشيوخ يهنئان الرئيس السيسي بذكرى ثورة 23 يوليو ■ اللواء الدكتور سمير فرج ◄ بناء الجيش ومن جانبه أكد اللواء الدكتور سمير فرج المفكر الاستراتيجي أن ثورة يوليو تُعد من أهم الثورات التى حدثت فى القرن ال20، وكان لها تأثير كبير فى تغيير العديد من المفاهيم، ليس فى مصر فقط، وإنما فى الوطن العربى وإفريقيا، وأشار إلى أن الثورة قامت على مبادئ، وهى القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وبناء جيش وطنى قوي، وإقامة العدالة الاجتماعية، وتأسيس حياة ديمقراطية سليمة، ومن خلالها حققت العديد من الإنجازات السياسية، منها إسقاط دستور 1923، وحل الأحزاب السياسية، وإلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية فى 18 يونيو 1953 برئاسة اللواء محمد نجيب، كأول رئيس للجمهورية حتى عام 1954، وتم خلالها توقيع اتفاقية الجلاء، وخروج المستعمر البريطاني، بعدما ظل محتلاً الأراضي المصرية لمدة 74 عامًا. وشدد فرج على أنه لولا ثورة يوليو التى سمحت لأبناء الشعب المصرى بالالتحاق بالكلية الحربية آنذاك، لما أصبح ضابطًا، لافتًا إلى أن الثورة حققت إنجازات على الصعيد الداخلى مثل مجانية التعليم، وإنشاء العديد من الجامعات وهيئة قصور الثقافة، وعلى الصعيد الخارجى تم توحيد الجهود من خلال الوحدة مع سوريا، وكانت تجربة فريدة رغم الانفصال، وساعدت الثورة فى دعم حركات التحرر فى العديد من الدول بالقارة الإفريقية «تونسوالجزائر والمغرب» حتى تحقق الاستقلال لها. وعلى المستوى العالمي، شُكلت حركة عدم الانحياز مع يوغوسلافيا بقيادة الزعيم جوزيف تيتو، ومع الهند بقيادة الرئيس نهرو، مما عزز من دور مصر وتلك الدول على المستوى العالمي. ■ اللواء الدكتور محمد الغباري ◄ مؤامرات الاستعمار ويرى اللواء الدكتور محمد الغباري مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية أن الثورة واجهت مؤامرات الاستعمار من خلال إجلاء القوات البريطانية بعد مفاوضات طويلة قادها قادة الثورة، حيث تم توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954، وانسحب آخر جندى للقوات البريطانية من مصر، لتنتهى سبعون عامًا من الاحتلال، وقال الغبارى إن الجلاء كان ثمرة توازن بين القوة الشعبية والقدرة التفاوضية العسكرية، مما جنب مصر مواجهة مباشرة قبل استعدادها الكامل، أما تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثى عام 1956، فقد واجه قرار التأميم أكبر مؤامرة استعمارية حين شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي، لكن صمود الجيش والشعب والدعم العربى والدولى أفشل المخطط. وأوضح أن الثورة دعمت حركات التحرر العربي والإفريقي فتحولت إلى رمز إقليمي، فدعمت الجزائر واليمن وحركات التحرر فى إفريقيا، وأكد أن من أهم الدروس العامة من ثورة يوليو أن التخطيط الاستراتيجى هو سر النجاح، فلم تكن الثورة عشوائية، بل كانت ثمرة تنظيم سرى دقيق بين الضباط الأحرار، مما ضمن نجاحها دون إراقة دماء واسعة، كما أن العدالة الاجتماعية كانت أساس الاستقرار الوطني، فمن خلال الإصلاح الزراعى وتوزيع الأراضى على الفلاحين، خففت الثورة التفاوت الطبقى الذى كان يستغله الاستعمار لفرض سيطرته، مضيفًا أن القيادة الوطنية القوية كانت ضرورة تاريخية، حيث لعبت شخصية جمال عبد الناصر دورًا محوريًا فى مواجهة الضغوط الاستعمارية وإلهام الشعوب العربية والإفريقية. ■ د.عاصم الدسوقي ◄ أوضاع مُتردية ويستشهد الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان بأحد أهم التقارير الأمريكية التى رصدت تردى الأوضاع فى مصر آنذاك، حيث كتب هذا التقرير عام 1949، تحديدًا فى السابع من شهر يناير، وأبرز ما جاء فيه تفشى الرشاوى واتساع الفوارق الطبقية فى مصر بشكل بالغ، مما ينذر بحدوث حدث سياسى وشيك، وهو الأمر الذى يهدد بقاء الاستعمار الإنجليزى فى مصر بشكل مباشر، وقال إن ثورة 23 يوليو هى الثورة الأم والوحيدة التى جسدت المفهوم الاصطلاحى للثورة، فقد أسست جيشًا وطنيًا قويًا للدولة المصرية، هدفه حمايتها والتخلص من التبعية لأى طرف كان، إلا مصلحة الوطن وأبنائه، فقد عملت على تحرير الوطن من الاحتلال، والقضاء على سيطرة رأس المال، والإقطاع، وبناء اقتصاد قوى ووطني، وتأييد التحرر الوطني، وقد تحقق ذلك على مدى سنوات حكم الراحل جمال عبد الناصر، الذى وضع مبادئها للعمل على تحقيقها، حتى صنعت اسم مصر إقليميًا وعالميًا. ◄ علامة فارقة ويتفق معه في الرأي الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة قائلًا إن ثورة يوليو 1952 كانت علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، ومهما اختلفت الآراء حولها وتباينت الرؤى بشأنها، فلا شك أن ثورة يوليو تُعد من أهم الأحداث خلال النصف الثانى من القرن العشرين، فقد تركت أثرًا كبيرًا وأحدثت تغييرًا على الأرض، ليس فى مصر وحدها، بل على مستوى الوطن العربي، بل والعالم الثالث بأسره؛ فمن تغيير فى منظومة العدالة الاجتماعية، إلى الحق فى التعليم المكفول للجميع، إلى تأميم قناة السويس، إلى تكريس دور مصر كراعية لحركات التحرر الوطنى فى دول القارة الإفريقية وفى كثير من دول العالم، وتأسيس منظومة علم الإنجاز.