إيران أبلغت الولاياتالمتحدة عبر قناتين دبلوماسيتين قبل هجومها على قطر، وأبلغت قطر أيضًا!. انتهت حرب الأيام الاثنى عشر بين إسرائيل وإيران بنهاية تبدو سعيدة مع الإعلان الشعبوى للرئيس الأمريكى عن اتفاق الطرفين على وقف القتال وكأنه وفّقَ راسين فى الحلال. بذلك يستطيع كل من الطرفين الادعاء أمام جمهوره بالفوز فيها والانتصار على الطرف الآخر، على الرغم من أن كلًا منهما خرج منها مثخنًا بالجراح. وبما أن العبرة بالخواتيم فإن أيًا منهما لم يحقق هدفه الاستراتيجى المعلن سلفًا، فلا إسرائيل دمرت المشروع النووى الإيرانى، ولا إيران حققت الردع الاستراتيجى بالكامل. ولأن العالم اعتاد منذ حرب الخليج الثانية يناير 1991، على مشاهدة الحروب حية، وكانت هى أول حرب يتم بثها مباشرة على قناة CNN من بغداد، فقد كانت الدهشة عظيمة من المشاهد العبثية لهذه الحرب، بسبب غياب الحقائق المؤكدة، فكان لكل طرف فيها آلته الإعلامية الخاصة ومعها آلات إعلامية خارجية موالية تبالغ فى تقديرات خسائر العدو وتؤكد تحقيق أهداف حملتها وبالمقابل تكتم خسائرها كلما أتيح لها ذلك، تستخدم فى ذلك صورًا وفيديوهات بشكل انتقائى يعزز مصداقية بياناتها العسكرية. فيصفق كل جمهور ويتهلل لخسائر الطرف الآخر. فى هذه الحرب أيضًا غاب المعنى الحرفى لعنصر المفاجأة، فقد أعلن كل طرف فيها عن بنك الأهداف التى ينوى قصفها، وكان السؤال المطروح دائمًا هو عن متى وليس عن ماذا أو من التالى؟، من ثم استعد الطرف الآخر بإخلاء المنشآت المستهدفة وتقليل الخسائر. كما غاب عنها، وبمنسوب أقل، مفهوم الخداع الاستراتيجى فكان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هو الوحيد الذى مارسه ببراعة حين تدخل عسكريًا لصالح إسرائيل وسط المفاوضات التى كان يجريها مع إيران. وفى حين كشفت الولاياتالمتحدة تفاصيل عملية عسكرية سرية استهدفت البنية التحتية النووية الإيرانية، وأطلقت عليها اسم «عملية مطرقة منتصف الليل»، التى نفذت باستخدام قاذفات الشبح من طراز بى-2، فى أول استخدام قتالى لقنابل جى بى يو-57 الخارقة للتحصينات؛ جاءت النتيجة مفاجئة، إذ لم يصب أحد بأذى ولم يتم الإبلاغ عن أى أضرار. وفى حين أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن المواقع النووية الإيرانية قد دمرت، خرج قاسم روانبخش، رئيس لجنة الشئون الداخلية فى مجلس الشورى الإسلامى بخطاب عنترى لينفى المزاعم الأمريكية بالقضاء على البرنامج النووى الإيرانى وقال: «إن الأضرار التى لحقت بمنشأة فوردو ليست كما يدعيها المجرم ترامب ووسائل الإعلام الأمريكية، ولم تتضرر المنشآت الموجودة تحت الأرض. ليطمئن الرأى العام، فالخبرة النووية التى يمتلكها الإيرانيون لا يمكن تدميرها بهذه الجرائم»، وأضاف: «إن ترامب شرعن بهذا العمل الأحمق عملية عسكرية ضد قواته فى المنطقة وأن عليه أن يأمر بإنتاج كميات كبيرة من التوابيت لجثث الجنود الأمريكيين المتمركزين فى المنطقة»!. مع ذلك كان الرد الإيرانى العملى على كل هذا هو إطلاق وابل صغير ومنسق على قاعدة العيديد الأمريكية الموجودة فى قطر، ليكتشف العالم أن طهران نسقت الهجوم على القاعدة الأمريكية مع مسئولين كبار فى قطر، وأبلغت مسبقًا لتقليل عدد الضحايا حسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، نقلًا عن ثلاثة مصادر إيرانية، ووفق ما صرح به مسئول إقليمى كبير لوكالة رويترز بأن إيران أبلغت الولاياتالمتحدة عبر قناتين دبلوماسيتين قبل هجومها على قطر، وأبلغت قطر أيضًا!. التصريحات الأمريكية والإسرائيلية تشير إلى أن الهدف من هذه الحرب هو القضاء على نظام الملالى فى إيران بسبب طموحاته النووية، لكن التاريخ يبلغنا بأن الطموحات النووية الإيرانية تعود إلى ما قبل الثورة الإسلامية، وأن الشاه محمد رضا بهلوى، أبدى استياءه، قبل الإطاحة به فى ثورة 1979من جهود الولاياتالمتحدة لكبح طموحاته النووية، فهل كان هذا الطموح هو سبب انقلاب واشنطن عليه وإسقاطه؟ ولو صح ذلك فلماذا احتضان ابنه وتلميعه بديلًا للنظام الحالى فى إيران، إلا إذا كان قد تم احتواؤه بالفعل ؟ .