د. طارق فهمى إن أى انتخابات تجرى، سواء كانت مبكرة أو فى موعدها، لن تؤثر على برنامج نتنياهو، لأنه يسعى أن تبقى غزة أزمة مستمرة يستفيد منها إلى أقصى حد تصاعد الضغوط داخل الأحزاب الحريدية، وعلى رأسها حزب «ديغل هتوراه» اليمينى الدينى، للانسحاب من حكومة بنيامين نتنياهو على خلفية تفاقم أزمة قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية وتهديد قادة كبار فى التيار الحريدى بالخروج من الحكومة فى ظل تعثر تشريع الإعفاء، وتزايد أوامر التجنيد بحق طلاب المدارس الدينية. يكتسب هذا النهج التصعيدى بين الأحزاب الحريدية زخمًا متزايدًا بعد أن انضم إليه الزعيم الروحى لحزب «ديغل هتوراه» الحاخام دوف لانداو، إلى جانب ممثله الحكومى يعقوب آشر، كما يتحالف حزب «ديغل هتوراه» (راية التوراة) الذى يمثل اليهود الليتوانيين مع حزب أجودات يسرائيل (رابطة إسرائيل) الذى يمثل اليهود الغربيين (الأشكيناز) لتشكيل كتلة برلمانية واحدة فى الكنيست الحالى هى «يهدوت هتوراه» (التوراة اليهودية الموحدة) ويتمتع هذا التيار الحريدى ب7 مقاعد فى الكنيست، ويدعو لإقامة دولة يهودية تقودها القوانين الدينية، ويرفض المفاوضات مع الفلسطينيين. فى هذا السياق يحظى هذا التحالف بتأثير كبير فى استقرار حكومة نتنياهو التى تتمتع بأغلبية 68 صوتًا من أصل 120 فى الكنيست وأن من يقف وراء الدفع فى هذا الاتجاه التصعيدى هو دافيد شابيرا، مساعد الحاخام لانداو، وأحد أبرز الشخصيات المؤثرة فى التيار الحريدى ويعد شابيرا، إلى جانب شخصيات من طائفة غور الحريدية (أكبر الطوائف الحريدية فى إسرائيل وأكثرها تنظيمًا ونفوذًا سياسيًا داخل حزب «أجودات يسرائيل») أجرى محادثات سرية مع رئيس الوزراء الأسبق نفتالى بينيت الذى يُعتقد أنه مهتم بطرح خيار تقديم موعد الانتخابات. فى ظل هذه الضغوط، قررت الأحزاب الحريدية هذا الأسبوع مقاطعة التصويت فى الكنيست، احتجاجا على تأخر إقرار القانون الجديد للإعفاء من التجنيد كما يتزايد الإحباط داخل هذه الأحزاب من فشل نتنياهو فى تمرير القانون، ومن اعتبار المزيد من طلاب المدارس الدينية رافضين للخدمة فى الجيش الإسرائيلى. تنقسم الأحزاب الحريدية حاليًا إلى مدرستين فكريتين: الأولى بقيادة الحاخام موشيه هيلل هيرش (رئيس معهد سلابودكا العريق)، وتدعو إلى البقاء فى الائتلاف الحكومى بأى ثمن، فى حين تدفع المدرسة الأخرى، بقيادة الحاخام لانداو وحاخامات من طائفة غور، باتجاه الانفصال عن الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة ويحاول رئيس حزب «شاس» أرييه درعى، أحد أبرز حلفاء نتنياهو، الحفاظ على تماسك التحالف، بينما يبدو أن رئيس «ديغل هتوراه»، موشيه غافني، يزداد ترددا إزاء استمرار التحالف مع نتنياهو، رغم قربه من الحاخام هيرش. وفى المجمل لن يكون لحل الكنيست والدعوة لانتخابات مبكرة، تأثير كبير على ملف غزة، فى ظل إصرار نتنياهو على الصفقات الجزئية، وسحب ورقة الرهائن من يد حركة حماس ورفض الوصول لإنهاء الحرب، والتى باتت أداة ليس فقط للحفاظ على استقرار حكومته المتطرفة، بل أهم أدوات دعايته فى حملته الانتخابية المقبلة. إن التهديدات الصادرة عن حزب يهودات هتوراه المتشدد لا تزال محصورة فى فصيل أجودات إسرائيل، بقيادة وزير الإسكان إسحاق جولدنوبف، فى حين أن الجناح الثانى للحزب، ديغل هتوراه، بقيادة عضو الكنيست موشيه غافني، لا يزال يقبل بمنح فرصة إضافية للمفاوضات إلى ما بعد عطلة عيد الأسابيع، إضافة لذلك هناك موقف حزب شاس الذى يملك 11 مقعدًا، بزعامة أريه درعى الشخص المقرب لنتنياهو والذى لا يبدى ضغوطًا جدية على نتنياهو لسرعة إقرار قانون الإعفاء من التجنيد. ومن المحتمل أن ينسحب أعضاء يهودات هتوراه من الحكومة، لأنهم يرون أن وجودهم فيها دون أى فائدة مباشرة يضعهم فى مواجهة جمهورهم، ووجودهم فى المعارضة قد يعطيهم امتيازات أفضل كما أن استمرار الحرب فى غزة سوف يزيد من المطالبات بتجنيدهم، لذلك هم يدعمون أى صفقة، إضافة إلى أن علاقتهم بواشنطن جيدة، بما يسمح لاستخدامهم من أجل الضغط على نتنياهو والتهديد بإسقاط حكومته. وأنه حتى لو انسحب حزب يهودات هتوراه بأعضائه الثمانية من الائتلاف ستبقى الحكومة مدعومة ب61 مقعدًا أى أنها لا تزال تملك أغلبية بسيطة، ولكن أعضاء هذا الحزب يسعون لشل الائتلاف عن تمرير قوانينه عبر المقاطعة لجلسات تمرير مشاريع القوانين التى يضعها حزب نتنياهو على جدول الأعمال. ومن المتوقع أن يستقيل ممثلو أجودات إسرائيل من الحكومة فى وقت لاحق، ولكن إذا تقرر عدم الاستقالة، فمن المتوقع أن يطالبوا بتشديد الإجراءات لشل الائتلاف، بمقاطعة التصويت والتى يتم فيها تقديم مشاريع القوانين الحكومية للتصويت عليها، وهذه خطوة من شأنها أن تؤدى فى حد ذاتها إلى حل الائتلاف والحكومة ومن المرجح أيضا وبرغم ما سبق طرحه فإن الأحزاب الدينية التوراتية (الحريديم) لن تُسقط الحكومة إلّا إذا تيقّنت بأنّها ستربح من ذلك، وهذا غير قائم الآن، فالحكومة التى ستأتى بها الانتخابات ستكون غالبا أسوأ بالنسبة لهذه الأحزاب، وهى ستخسر بعض مكتسباتها المالية، ولن تحصل على ما تريده بشأن سن قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية. لن يستجيب نتنياهو لضغوط الحريديم بخصوص إقرار قانون الإعفاء من التجنيد للحريديم، رغم أنه أحد أبرز الشروط التى تم التوقيع عليها فى الاتفاقات الائتلافية بين نتنياهو وبين حزبى يهودات هتوراه على اعتبار أن نتنياهو فى سباق مع الزمن، فهو لا يعتقد بوجود قانون إعفاء من الخدمة العسكرية يمكن الموافقة عليه فى هذا الائتلاف ولهذا سيعمل نتنياهو على كسب الوقت حتى نهاية الدورة الصيفية، وتأخير الانسحاب إلى بداية الدورة المقبلة خاصة أن نتنياهو لديه هدف آخر، حتى لو اضطر الذهاب إلى الانتخابات، فهو يفضل الذهاب إلى صناديق الاقتراع بسبب قضايا سياسية أو أمنية، وليس لأنه فشل فى توسيع صفوف الجيش بسبب قانون التجنيد فى حين يعلم الجميع أن ائتلافه المستقبلى سيشمل أيضًا الحريديم. وربما يكون من الأفضل لنتنياهو التوجه إلى الانتخابات تحت شعار لم نتنازل عن ضرورة تجنيد الحريديم، والذى سيكون أفضل من الذهاب إلى صناديق الاقتراع فى وقت قريب، بدون أى إنجاز مثير للإعجاب يمكن تسويقه للناخبين وأن أى انتخابات تجرى، سواء كانت مبكرة أو فى موعدها، لن تؤثر على برنامج نتنياهو، لأنه يسعى أن تبقى غزة أزمة مستمرة يستفيد منها إلى أقصى حد وطالما بقى الدعم الأمريكى على حاله.