برحيل الفنانة سميحة أيوب، عملاقة المسرح، تنطوى صفحة من أنقى صفحات الفن العربي، التى مزجت بين الاحتراف والرسالة، ورفعت المسرح من مجرد «فرجة» إلى فعل تنويرى اجتماعى وإنساني. لم تكن سميحة ممثلة بارعة فحسب، بل كانت صوتًا مسرحيًا يعبر عن جيل كامل تخرّج على يد يوسف وهبى وزكى طليمات، وتسلّم شعلة المسرح العربى فى زمنٍ كانت فيه مصر المنارة الأولى. يبدو المشهد فى مسارح الدولة أشبه ب»أطلال مسرحية». رغم الدعم المالى الحكومي، والمبانى التاريخية، إلا أن الإنتاج المسرحى يعانى من قلة عدد العروض، وغياب الجاذبية الجماهيرية، ونقص التسويق الإعلامي. تغيب العروض الكبرى، ويغيب الكتّاب الكبار، بينما تتكرر الأعمال النمطية التى لا تعبر عن همّ المواطن المعاصر ولا تملك أدوات اجتذابه. أما المسرح التجاري، فقد اختفى تقريبًا، بعدما كان فى عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات مزدهرًا. بات المسرح التجارى مرهونًا بمواسم قصيرة، أو عروض تعتمد على إفيهات مواقع التواصل، لا على النصوص المحكمة ولا الأداء المتقن. من أبرز أسباب هذا التراجع غياب رؤية ثقافية قومية للمسرح، باعتباره أداة لبناء الوعى وليس مجرد ترفيه. بالإضافة إلى أن التكوين المسرحى من معاهد وأكاديميات يعانى من ضعف التدريب وقلة الانخراط فى العروض العملية، مما يجعل الخريجين عاجزين عن حمل الشعلة التى حملها من قبل سميحة أيوب، وأحمد عبد الحليم، وسعد أردش، وغيرهم. إنقاذ المسرح يكون من خلال مشروع ثقافى متكامل يعيد له مكانته خلال إصلاح مؤسسات المسرح الرسمية عبر ضخ دماء جديدة، وتبنٍ عروض نوعية جادة تُكتب خصيصًا للمسرح. وإعادة بث المسرحيات تليفزيونيًا ورقميًا لجذب الجمهور الشاب. ودمج المسرح فى المناهج الدراسية. ورعاية الفرق المستقلة والمبادرات الشبابية. إن المسرح ليس ترفًا، بل ضرورة ثقافية ووطنية، وخط دفاع أولى عن الهوية والوعي. وحين يضعف المسرح، يفسح المجال أمام التفاهة، وينسحب العقل أمام سطوة الصورة السريعة والسطحية. رحلت سميحة أيوب ورفاق لها، لكن إرثهم باقٍ، فالمسرح لا يموت إلا حين نهمله، ويحيا حين نعيده فنا للجماهير، ولسانا للشعب.