يُعد الذكاء الاصطناعي أحد أهم التحولات الاقتصادية العالمية في عصرنا الحالي، ولتبسيط تعريف الذكاء الاصطناعي يمكن القول إنه البحث في كيفية محاكاة الآلات لسلوك البشر، وأعتقد أنه يصعب الاستغناء بشكل تام عن العنصر البشري بل يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي قد يكون أهم مساعد للعنصر البشري في كثير من الأعمال ليمثل إضافة حقيقية في بيئة الأعمال ويزيد المرونة والإنتاجية والابتكار، بالطبع هناك جدل كبير للنظر إلى الذكاء الاصطناعي بشكل موضوعي وأعتقد أنه يمكن تقييم أثره وفق. نموذج هرمي بثلاثة مستويات: في قاعدته تأتي ضرورة تقييم المخاوف المتعلقة بانتهاك الخصوصية والقيم، ومقاومة التغيير، وتأثير الذكاء الاصطناعي على فرص العمل التقليدية، أما المستوى الثاني فيتمثل في تسهيل الحياة اليومية وبيئة الأعمال من خلال تطبيقاته، بينما يتربع على قمة الهرم التحدي الأكبر: الانتقال من استهلاك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى صناعتها. وهنا ينبغي التفرقة بين استهلاك التكنولوجيا، الذي يقتصر على استخدام التطبيقات ونماذج الذكاء الاصطناعي الجاهزة، وهو ما يتطلب بنية تحتية واستثمارات، وبين صناعة التكنولوجيا، التي تتطلب منظومة متكاملة (إيكو سيستم) واستثمارات ضخمة واستراتيجية طويلة الأجل وكوادر بشرية مدربة. تشير بعض التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر في نحو 300 مليون وظيفة عالميًا، فيما يتوقع أن يخلق 100 مليون وظيفة جديدة، أبرزها في مجالات تحليل البيانات وفي هذا السياق، أعلنت شركة "إنفيديا" الرائدة عالميا عن خططها لاستثمار 500 مليار دولار في بناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي في الولاياتالمتحدة خلال السنوات الأربع القادمة. وعلى صعيد تنافسية البحث العلمي، يكشف تقرير مؤشر التنافسية العالمية للذكاء الاصطناعي لعام 2025 عن تصدر الصين بواقع 768,643 منشورًا علميًا، بينما تقتصر المشاركة العربية والأفريقية على المملكة العربية السعودية ب29,639 منشورًا فقط ، وبالنظر الى أزمة الحرب التجارية بين الصينوالولاياتالمتحدة نجد أهمية التقدم التكنولوجي والقدرة على إحلال التكنولوجيا المحلية بدلاً من الاعتماد على الخارج، وهو درس حيوي يجب استيعابه. في مصر، تتزايد الجهود لدعم التدريب والتأهيل في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ويتجسد ذلك في مشروعات مثل "مدينة المعرفة" بالعاصمة الإدارية الجديدة، والتي تمثل نواة حقيقية لمنظومة تكنولوجية وطنية ، ومع امتلاك مصر لكوادر بشرية طموحة ومؤهلة، تظل الحاجة قائمة لتعزيز الانتقال من مجرد استهلاك التكنولوجيا إلى صناعتها، ولتقريب المسافة بين مخرجات البحث العلمي واحتياجات الصناعة الوطنية وحل المشكلات القومية. وعلى سبيل المثال لا الحصر تبرز فرص واعدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعات استراتيجية مثل قناة السويس، لتسهيل تحصيل الرسوم وتحسين إدارة حركة الملاحة ، ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الترويج للآثار المصرية من خلال إنتاج أفلام توثق تاريخ الأثر ، كما أن هناك فرصاً لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتسهيل تقديم بعض الخدمات الحكومية. في هذا الإطار، أطلقت مصر استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي للفترة من 2025 حتى 2030، التي ترتكز على محاور رئيسية تشمل الحوكمة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي وتنمية الكوادر البشرية، وتُعد مبادرة "مهندسون من أجل مصر المستدامة" نموذجًا ناجحًا في هذا السياق، بإطلاقها لدورات سفراء الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع المعهد القومي للاتصالات، وتخريج دفعتين حتى الآن. إن التوسع في صناعة وتوطين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة ذهبية لمصر للمساهمة في حل العديد من القضايا القومية عبر حلول مبتكرة، واستكمالًا لهذه الجهود، أتوجه بمقترح للسادة المسؤولين عن ملف الذكاء الاصطناعي وللقيادة السياسية ممثلة في سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بإطلاق "الأسبوع المصري للذكاء الاصطناعي"، ليكون فعالية سنوية مستدامة تجمع المتخصصين والمهتمين، وتُعد منصة لتحويل الأبحاث والأفكار إلى مشروعات صناعية وبراءات اختراع ترفع من مكانة مصر في هذا المجال الحيوي ، وأؤمن أن لدينا مؤسسات قادرة على تحقيق ذلك . كاتب المقال : باحث اقتصادي وسفير مبادرة الذكاء الاصطناعي بالمعهد القومي للاتصالات