قبل نحو شهرين اضطرت إدارة الرئيس الأمريكى «ترامب» إلى سحب ترشيح «آدم بوهلر» ليكون مستشاراً رئاسياً يتولى ملف الأسرى، ويركز على قضية الرهائن المحتجزين فى غزة، وذلك بعد الكشف عن لقاءات سرية مباشرة عقدها «بوهلر» مع قادة منظمة «حماس»، وغضب إسرائيلى، وتحريض لأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى، كان سيعرقل الموافقة على ترشيح «بوهلر» رغم تأييد ترامب! تم سحب الترشيح لتفادى الأزمة، لكن بقى فى تاريخ العلاقة الأمريكية الإسرائيلية أن هناك اختراقاً تم، وأن ثغرة تمت من وراء ظهر نتنياهو، وأن التبرير كان خطيراً من جانب «بوهلر» بأنه يفاوض بالنيابة عن أمريكا وليس إسرائيل، وأن لأمريكا مصالح محددة وأهدافاً تسعى لتحقيقها!! وهو ما يعنى أن المصالح تختلف حتى بين أقرب الحلفاء! قبل أيام.. كان نتنياهو وهو يعلن عن توسيع حرب الإبادة فى غزة يقول لأنصاره إنه سيحارب ولو وحده (!!) ويُذكِّرهم بأن الإدارة الأمريكية السابقة لم تؤيده وهو يقرر غزو غزة أو الاستيلاء على رفح (!!) ورغم أن الكل يعرف أن ما يقوله الكذاب الأكبر ليس صحيحاً، إلا أنه يكشف عن تضارب أساسى فى العلاقات بين الرجلين، وعن مساحة واسعة بين انحياز كامل وغير مسبوق من إدارة ترامب للكيان الصهيونى من ناحية، وثقة مفتقدة بين ترامب والحليف الذى يراه مجرد «سافل عميق» كما وصفه بنفسه! بين الانحياز المطلق لإسرائيل، والثقة المفتقدة فى نتنياهو، توالت المشاهد غير المألوفة، بدءاً من مشهد نتنياهو فى البيت الأبيض يسمع من ترامب مع الصحفيين، ودون أى علم سابق، أن المفاوضات المباشرة قد بدأت بين أمريكا وإيران(!!) ووصولاً إلى الإقرار الإسرائيلى بأنهم كانوا آخر من علم بالتوافق بين واشنطن والحوثيين على وقف الاقتتال بين الطرفين (!!) وبين المشهدين كانت المفاجأة الأخطر بالنسبة لنتنياهو باستبعاد مستشار الأمن القومى الأمريكى «مايك والتز» من موقعه المهم فى البيت الأبيض، التى تبين أنها لم تكن إلا عقاباً على ولاء المستشار المعزول لنتنياهو وليس لشىء آخر!! ونتيجة لتقصيره فى التفرقة بين الانحياز لإسرائيل والولاء لتننياهو! فى كل الأحوال.. لا ينبغى المبالغة فى تقدير الفجوة بين أى مواقف إسرائيلية وأمريكية، الانحياز الأمريكى لإسرائيل هو أساس العلاقة بين الطرفين. «بايدن» منح نتنياهو كل الدعم، وترامب يفاخر بأنه الرئيس الأمريكى الذى يتفوق على الجميع فى الانحياز لإسرائيل، ونتنياهو يعرف كما يعرف كل قادة الكيان الصهيونى أن كل حديث عن الحرب هو قرار أمريكى، وأن إسرائيل لا تستطيع الحرب فى جبهة واحدة (وليس فى سبع جبهات كما يدعى نتنياهو) فى غياب الدعم الأمريكى.. بل إنها لا تستطيع حماية عاصمتها من صواريخ وصلت مؤخراً إلى مطار بن جوريون، وأصابت قبل ذلك غرفة نوم نتنياهو الذى نجا بأعجوبة قد لا تتكرر كثيراً! فى ذكرى نكبة فلسطين التاريخة قبل 77 عاماً، تهدد إسرائيل بتكرار «النكبة» واحتلال غزة وتهجير أهلها، وتعد أمريكا بانفراجة فى الموقف، ويأتى ترامب فى جولة لدول الخليج بحثاً عن صفقات سياسية واقتصادية تحتاجها أمريكا قبل أى أحد آخر، وتبذل «تل أبيب» جهوداً لكى يتوقف ترامب ولو لدقائق فى مطار بن جوريون، بينما يعد ترامب ب «أخبار مهمة» عن غزة، ويبدأ الترويج لحديث عن «حكم أمريكى» لقطاع غزة، وكأن أمريكا تبحث عن فشل جديد، أو لافتة مبتكرة لمشروع ريڤييرا الشرق الأوسط الذى يعرف أصحابه أنه وُلد ميتاً. فى ذكرى النكبة الأولى.. تظل الحقيقة أكبر من كل المناورات، وتظل الأرض أثمن من كل الصفقات، وتظل القضية هى احتلال لا بد أن يرحل، وإبادة جماعية لا بد أن تتوقف، وعدالة دولية لا بد أن تطال الجميع، وعالَم لم يعد يتحمل أن تعود النازية بعد ثمانين عاماً من سقوطها. الدرس واحد.. «النكبة» لن تتكرر، والنازية لن تعود.