قبل أقل من ثلاثة أسابيع على انتخابات أمريكا، تظل فرص المرشحين الرئيسيين هاريس وترامب متقاربة، وتظل المعركة محتدمة على أصوات المستقلين التى سيكون لها كلمة الفصل، ويظل الصراع على أشده فى الولايات المتأرجحة التى ستحدد فى النهاية من يصل للبيت الأبيض.. وتبقى القضايا الداخلية هى الأساس فى تحديد موقف الناخب الأمريكى مع المتغير الجديد الذى دفع بقضايا الشرق الأوسط لتكون إحدى أبرز القضايا فى هذه الانتخابات، وإلى الحد الذى يمكن فيه القول إن مصير «هاريس» بالذات يرتبط بالحرب فى غزة وتداعياتها الخطيرة باعتبارها وريثة إدارة بايدن ومواقفها التى سمحت باستمرار مأساة حرب الإبادة الإسرائيلية ثم امتدادها إلى لبنان واقترابها من تفجير المنطقة كلها وإغراقها فى حرب شاملة!. منذ البداية انحازت إدارة بايدن لإسرائيل انحيازاً كاملاً «وهو ما كانت ستفعله أى إدارة أمريكية أخرى» لكن الخطأ جاء فى أن هذا الانحياز ارتبط بإعطاء نتنياهو تفويضاً على بياض ليفعل ما يشاء، وليرتكب كل جرائم الحرب وليتلاعب بالإدارة الأمريكية على مدى عام كامل رافضاً إيقاف الحرب أو وضع حد للإبادة الجماعية، وساعياً- بكل الوسائل- لزيادة توريط أمريكا معه لتصبح اليوم شريكاً كاملاً فى الحرب التى أصبحت على وشك أن تكون حرباً شاملة كما تخطط إسرائيل وهى تستعد لتوجيه ضربة عسكرية جديدة لإيران فى حماية أمريكا، التى لا تريد بالتأكيد- الانخراط فى حرب جديدة - وإذا أرادتها فلن تريدها فى هذا التوقيت!!. يدفع بايدن الآن ثمن السياسة الضعيفة والمترددة فى التعامل مع حرب إسرائيل على غزة التى تمتد إلى لبنان وتسعى إلى التمدد فى الشرق الأوسط كما يريد نتنياهو وزعماء عصابات الإرهاب فى الكيان الصهيونى.. إعطاء نتنياهو- من البداية- الدعم الكامل وبلا شروط أو قيود ترك القرار الأمريكى رهينة لدى مجرم الحرب وأوصل أمريكا إلى عزلة دولية غير مسبوقة. والآن يلعب نتنياهو بورقته الأساسية قبل أقل من عشرين يوماً على الانتخابات، يذهب لقصف إيران فى حماية صواريخ أمريكا الأحدث التى وصلت إسرائيل مع أطقمها لتوفير الدفاع عن الكيان الصهيونى من رد إيرانى مُحتمل. تقول واشنطون إن لديها وعوداً من إسرائيل بعدم ضرب المنشآت النووية أو البترولية ولكن من يثق بوعود نتنياهو الذى وصفه بايدن نفسه «كما جاء فى أحدث كتب بوب وودوارد» بأنه «كاذب» و«غير موثوق به» و«ابن...»!. الموقف فى غزة يعطى صورة لمدى إمكانية الوثوق فى عهود نتنياهو وباقى قيادات الكيان الصهيونى.. إدارة بايدن نفسها اضطرت للتحرك خوفاً من كارثة حصار شمال غزة وتجويع مئات الآلاف من الفلسطينيين المدنيين المُحاصرين تمهيداً لإخلاء المنطقة وبدء تنفيذ مخطط التهجير، تهدد أمريكا بإعادة النظر فى المساعدات العسكرية لإسرائيل إذا لم تدخل المساعدات الغذائية، وتكاد مندوبة أمريكا فى مجلس الأمن تبكى وهى تتحدث عن الخيام المحترقة بمن فيها من أطفال ونساء ومدنيين أبرياء، وكأنها المرة الأولى، وكأنها لم تستخدم «الفيتو» لمنع أى إدانة لإسرائيل على الإبادة الجماعية طوال عام كامل»!!». ويضغط بايدن بما يستطيع من أوراق الضغط فى موسم الانتخابات، وهو يدرك تماماً أن نتنياهو يرى أنه أمام فرصة فريدة لابتزاز بايدن من ناحية، ولخدمة ترامب فى معركة ضد هاريس من ناحية أخرى، يخطط نتنياهو لذلك منذ شهور ويتصور أن «بعبع» إيران الذى يريد تسويقه كسبب لكل جرائمه يمكن أن يحشد وراءه الجميع. مشكلته أن لعبته مفضوحة وأن جرائمه فوق الاحتمال، وأن الخطر من استمرارها يطال كل دول العالم. دعوة الرئيس الفرنسى «ماكرون» بمنع تصدير السلاح لإسرائيل لم تأتِ من فراغ. شعوب أوروبا «كما شعوب العالم» لم تعد تتحمل نازية إسرائيل وجرائمها الوحشية، وهى ترى نيران الحرب تقترب منها، بريطانيا الحليف التاريخى لإسرائيل تراجع سياساتها حولها وتعلن أنها بصدد توقيع عقوبات على بن غفير وسيموتريتش أبرز وزراء نتنياهو، ولن يجدى نفعاً أن تظل إسرائيل تردد أكذوبتها المفضوحة أنهم «والعالم كله» أعداء للسامية التى لا يوجد عدو لها أخطر من هؤلاء الذين يقودونها إلى أسوأ مصير!!. بالتأكيد.. إن معركة «هاريس» ضد «ترامب» ستكون أسهل بكثير لولا عبء الميراث الصعب لعام من الإدارة البائسة للحرب فى غزة ثم فى لبنان. فى حرص شديد قالت هاريس أخيراً إنها لن تكون امتداداً لبايدن. موقفها من الصراع فى المنطقة أفضل بالتأكيد- من موقف ترامب، لكنه مازال بعيداً عن طموحات العرب والمسلمين الأمريكيين، والثمن، «الانتخاب» لذلك قد يكون كبيراً فى بعض الولايات المهمة- أمامنا صراع بين إرادتين فى أمريكا حول منطقتنا: الإدارة الديمقراطية «بايدن وهاريس» تحاول النجاة من «فخ نتنياهو» لتوسيع الحرب، بينما ترامب ينصح حليفه نتنياهو بأن يبدأ بالمنشآت النووية الإيرانية!!. على العموم.. مازال هناك وقت، ومازال هناك عقل!!.