فى مقال الأمس فى «أخبار اليوم» أشرت إلى المبعوث الأمريكى «بوهلر» صاحب اللقاءات السرية مع «حماس»، وصاحب التصريحات الخطيرة بعد الضجة التى ثارت حوله، وقلت إنه «ليس سهلا أن يقول مسئول أمريكى مثله» إنه يتفهم مخاوف إسرائيل، لكن الولاياتالمتحدة ليست وكيلا لإسرائيل ولديها مصالح محددة فى اللعبة!! يبدو أن الأمر كان أعقد من ذلك، وأن الغضب الإسرائيلى وإن كان قد آثر عدم الصدام مع ترامب، لكنه كان حريصا على التحرك بكل قوة داخل الساحة الأمريكية لقطع الطريق على أى تغيير يمكن أن ينال من الانحياز الأمريكى الكامل لإسرائيل.. ورغم تصريحات مضادة من وزير الخارجية ومستشار الأمن القومى الأمريكيين تؤكد أن اللقاء مع حماس كان حدثا طارئا ولن يتكرر، وأنه لم يحقق- على كل حال- أية نتائج.. فإن الأمر انتهى بالأمس بالإعلان عن سحب ترشيح «بوهلر» ليعين رسميا- مبعوثا للرئيس ترامب لشئون الرهائن.. وكان واضحا أن ذلك يتم تفاديا من الإدارة لمعركة خاسرة فى مجلس الشيوخ بعد التأكد من أن عددا كبيرا من الأعضاء الجمهوريين سيخرجون عن التزامهم الافتراضى بتأييد إدارة ترامب وسيرفضون تعيين «بوهلر»!! بالتأكيد كان «بوهلر»، ينفذ تعليمات عليا لتحقيق مصالح أمريكية محددة كما قال. لكن الصدام هنا ليس فقط مع إسرائيل الحريصة على أن تكون الرؤية الإسرائيلية وحدها هى أساس سياسة أمريكية نحو المنطقة، وليس حتى مع «اللوبى اليهودى»، القوى داخل الولاياتالمتحدة، وإنما الأخطر هو الحزب الجمهورى الحاكم الذى تحول تحت زعامة ترامب - إلى حزب أقوى أجنحته هو الذى يمثل التيار البروتستانتى الصهيونى الذى يتبنى نفس رؤية أقصى اليمين المتطرف الإسرائيلى لأسباب تعود لمعتقدات دينية.. والمفارقة هنا أن هذه الرؤية يعارضها معظم اليهود الأمريكيين ومنهم أعضاء شيوخ محترمون مثل «بيرنى ساندرز» وشباب كانوا فى مقدمة الصفوف فى تحرك الجامعات الأمريكية ضد الحرب وانتصارا لفلسطين!! أيا كانت الدوافع والأسباب.. يبقى الانحياز الأمريكى لإسرائيل هو سيد الموقف فى واشنطون الرسمية حتى الآن.. ويبقى «حديث المصالح»، هو ما ينبغى الالتفات إليه فى قصة «بوهلر». ويبقى رعب إسرائيل من سماع أمريكا لوجهة النظر الأخرى دافعا أساسيا لكى يكون الحضور العربى أكبر بكثير مما هو عليه الآن، ولكى نستخدم أوراق القوة العربية كما ينبغى فى تأكيد الحق العربي. إذا كانت أمريكا تبحث عن مصالحها فهى بالتأكيد ليست فى أن تستمر داعما «أو شريكا» فى حرب إبادة تستطيع أن تضع نهاية لها!!