أعربت مصر عن تقديرها لتصريحات الرئيس الأمريكى ترامب الأخيرة التى أكد فيها على عدم مطالبة سكان غزة بمغادرتها.. المسافة الكبيرة بين هذا التأكيد وبين تصريحات ترامب الأولى عن تطهير غزة ونقل سكانها واستبعاد عودتهم تجسد قيمة الموقف الحاسم من مصر والدول العربية لأى حديث عن تهجير الفلسطينيين، والصمود العظيم للشعب الفلسطينى على أرضه رغم الدمار وويلات الحرب واستمرار إسرائيل فى الإبادة الجماعية وحصار الجوع على غزة.. كما تجسد أيضا قيمة امتلاك الرؤية المصرية العربية للتعامل مع الموقف بخطة عمل متكاملة لإعمار غزة فى وجود سكانها على أرضهم، وفى إطار الحل السياسى الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، وليست مصادفة أن تأتى تصريحات ترامب «الجديدة» فى نفس اليوم الذى كان مبعوثه الى المنطقة «ويتكوف» يلتقى فى الدوحة مع وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية للتباحث فى الخطة المصرية العربية لإعمار غزة التى أصبحت هى الخطة الوحيدة المتكاملة للتعامل مع الموقف الحالى بكل تحدياته. ولا شك أن الجهد السياسى الذى تم بذله فى الفترة الماضية كان مثمراً للغاية فى حشد الإجماع العربى والتأييد من الدول الإسلامية ومن الدول الرئيسية فى أوروبا وراء خطة العمل المصرية العربية، وفى الحوار الجاد مع الموقف الأمريكى الذى لا يخفى انحيازه الكامل لإسرائيل، لكنه يدرك أيضا أن تجاهل الحقائق سيعقد الموقف مع عالم عربى لا يبحث إلا عن السلام العادل ولا يخدع بالصفقات المشبوهة»!!». ولا يجد على الطرف الآخر إلا الهوس الإسرائيلى باستمرار حرب الإبادة والرفض الكامل لإيقاف المذابح والالتزام بالاتفاقيات التى تضع نهاية للمأساة فى غزة والتى كانت الولاياتالمتحدة طرفاً فاعلاً فى إقرارها، وشاهدًا الآن على انقلاب نتنياهو عليها الذى يحاول به إعادة المشهد الى نقطة الصفر، لكى يحافظ على حكومته ولو أضاع فى المقابل كل شيء! الحقائق ستفرض نفسها فى النهاية، لكن الموقف الآن يحتاج الى التحرك السريع والجهد المتواصل لدعم الرؤية المصرية العربية للحل الشامل للقضية الفلسطينية، ولتطويق مخططات إسرائيل لتفجير الموقف وتوسيع الصراع.. إن التسليم الأمريكى باستحالة التهجير القسرى للفلسطينيين، ينبغى ترجمته الى موقف أمريكى يرفض حصار الجوع الذى تفرضه إسرائيل على غزة، ويٌرغمها على إدخال المساعدات الإنسانية فوراً، ولا يبرر لها جرائمها التى تترافق مع إعلانها عن خطط رسمية لما تسميه «تشجيع هجرة الفلسطينيين».. وهو فى الحقيقة «تهجير قسري» يتباهى زعماء وعصابات اليمين الحاكم بزعامة نتنياهو أنه سيجرى بمقتضى رؤية ترامب «الجريئة والمبتكرة» كما يزعمون «!!» الآن يقول ترامب إنه لن ينقل فلسطينيا من أرضه.. والرسالة لابد أن تصل الى إسرائيل واضحة وحاسمة.. أو هكذا ننتظر، كما ننتظر التزاماً باستكمال اتفاق «هدنة غزة» والالتزام بمواصلة مراحله كلها والتى تنهى الحرب، وتؤكد انسحاب إسرائيل الكامل من غزة التى لن تكون إلا جزءاً من دولة فلسطين المستقلة، بجانب الضفة وبعاصمة لا بديل عنها هى القدس الشرقية! لا شيء يأتى مجاناً، ولا أحد سيلتفت للعالم العربى إلا إذا كان موحد الموقف وقادراً على استخدام أوراق القوة التى يملكها لدرء المخاطر الهائلة على أمنه القومي.. ورغم العواصف العاتية فى كل المنطقة ستظل فلسطين هى القضية الأساسية التى تستلزم حشد كل الجهد لإقرار الحق الفلسطينى باعتباره مفتاحاً للأمن العربى كله، أهم ما فى الخطة المصرية «التى أصبحت عربية وإسلامية ودولية» هو أنها انطلقت من إعمار غزة الى الحل الشامل والمستدام للقضية الفلسطينية وهى ما ينبغى التركيز عليه فى كل تفاوض قادم. مصر لم تقدم مخططاً للإعمار فقط، ولكن رؤية شاملة للحل السياسى وللسلام العادل.. ولهذا تبناها العالم كله، ولم ترفضها إلا إسرائيل.. بينما الولاياتالمتحدة انتهت الى التعامل معها بإيجابية، والرئيس ترامب يعود للواقع، وحكاية «ريفييرا الشرق الأوسط» تنتهى كما انتهت تهديدات «الجحيم». الطريق الى السلام العادل مازال طويلاً، لكن ما تحقق فى أسابيع من العمل السياسى والجهد الدبلوماسى المصرى والعربى ليس قليلًا، وفى يدنا «الى جانب الحق والعدل والشرعية الدولية» خطة العمل وخارطة الطريق الى السلام العادل.. أمامنا الكثير من العقبات ولدينا الكثير من أوراق القوة والعالم يتغير، ليس سهلاً فى ظل الأوضاع الحالية أن يقول مبعوث ترامب لشئون الرهائن «آدم بوهلر» بعد انكشاف لقاءاته السرية مع ممثلى «حماس» إنه يتفهم مخاوف إسرائيل، ولكن- كما يقول- الولاياتالمتحدة ليست وكيلاً لإسرائيل، ولديها مصالح محددة فى اللعبة!! ليس سهلاً أن يقول المبعوث الأمريكى ذلك، لكن المهم أن يدرك الجميع أن «اللعبة» لها شروط، وإن «المصالح» تحكم!