فاطمة رحيم من السمك «المعطّلاتي»، مثل شخصية «دوري» فى فيلم الرسوم المتحركة «البحث عن نيمو»، إذا دخلت صفحتها، تصادر حقك فى الخروج، وهى تستعرض ألاعيبها السحرية باللغة، لتجد نفسك تقفز من نص إلى آخر، وتمر ساعةً تجرُّ ساعةً وأنت فى مكانك، تخشى أن تتركه فيشغله غيرُك، وتُفوتك عروض البلاغة. فى سوق الإبداع، تشترى فاطمة أفكارًا «روبابيكية»، مشوَّهةً، مبتورةَ الأطراف، بلا ملامحَ، تُعيد تدويرها بذوقٍ بوهيمى، مُدَرَّب على العقوق، والجنوح، والتمادى فى تدمير المسلَّمات، وتمزيق الصور الجاهزة. تستخدم لغةً متوحِّشةً تنشب أظفارها وأنيابها فى جسد البلاغة، كتابةً بربريةً، لا همَّ لها إلا افتراسُ المنطق، واستعبادُ المعانى، وإرباكُ الحواس، والخروجُ على تقاليد الدراما الشعرية. لغة استعلائية وخادعة وأنانية، ومغرورة، وكيّادة، تخرج لسانها للبديهيات، وتقدِّم الجروحَ فى أغلفةِ ضماداتٍ، تتحدث عن نفسها وهى تعبِّر عن الآخر، وتقلب الطاولةَ حين يكون كلُّ شىءٍ على ما يُرام! نصوصٌ مصابةٌ بلعناتِ العزلة، والالتصاق بالذات، والتباهى بتقلبات المزاج، ومعانقة الألم، وتبرير الانسحاق، وتكبيل الفرص، ومصاحبة الأشباح، وتهريب الرغبات فى سراديب الوحدة، وتمرير الحبيب من ثغور الجلد، ومواعدته فى متاهة الذكريات ب«كلمات ليست كالكلمات». نصوصٌ من لحمٍ ودمٍ وأعصابٍ، تُعلى من فضيلة الجنون، تُفْقِدُ رَأْسَ مَنْ يَقْرَؤُهَا، تُحرضه على الوقوع فى فخاخ الأسر، والتصفيق بذراعين مرفوعتين، وهو يفتح فمه من الدهشةً، كأىّ ساذجَ يعبِّر بالفطرة عن مشاعر الإعجاب. تصلح فاطمة لوظيفة «سجَّانة»، تقتلع الأوهامَ من صدور المحبوسين، وتصرف لهم ثلاثَ وجباتٍ مشبَّعاتٍ من الصبر كلَّ يومٍ، وتعاقب مَن يرسم نافذةً على الجدار، بالقفز منها، ليرتطمَ رأسه بالحائط، ويفهمَ أن الحريةَ فى داخله، وليست موجودةً - كما يظنُّ - فى الخارج!