غزة، ذلك الجرح النازف، تلك المنطقة التى تئن بعذاباتٍ لا يتصورها من لا يعيشها، تتصدر العنونة عند بيسان عدوان، الكاتبة والمبدعة والناشطة الفلسطينية. كيف نقرأ هذا التصدر؟ وإلى ماذا تحيل العنونة منذ بداية الديوان؟ لقد جاء ديوانها بعنوان: «مرويات الحرب هذه هى العنونة الرئيسية، ثم تليها عنونة فرعية: «فوكوياما يسقط فى غزة»، عن أى أنواع السقوط تتحدث؟ إننا نفهم تماماً مرويات الحرب، لقد أصبحت غزة كلمة مرادفة للحرب، الحرب غير المتكافئة بين قوى ليس بينها أى تعادل، انتهاكات حقوق الإنسان كلها موجودة فى غزة فى غفلة من العالم الذى يدعى أنه حر ومناصر لحقوق الإنسان، هذا العالم الحر تختزله (بيسان) فى (فوكوياما) الذى كان ينادى بصلاحية وشرعية الديمقراطية الليبرالية، وأنه لا يوجد بديل لها يمكنه أن يحقق نتائج أفضل للبشرية، وأن الديمقراطية العالمية الحالية هى ارتقاء للجنس البشري، لنكون بذلك قد وصلنا إلى «نهاية التاريخ»، ليس بمعنى التوقف عن حركته، وإنما بمعنى أقصى درجات نضجه. تُرى.. أين هذا النضج مما يحدث فى غزة؟ هكذا يصبح (فوكوياما) والديمقراطية والليبرالية وكل المُسمّيات التى تعلى من شأن الإنسان ومن شأن حقوقه، مجرد شعارات ساقطة لا قيمة لها فى مواجهة الظلم الإنسانى والحالة المزرية للإنسان فى غزة. «إن العنونة هنا تلعب على الاختزال الفلسفى لما وراء الكلمات، وتستثير فى مدلولاتها العالم البشرى والحراك الثقافى العالمي، لكى يصبح هناك نوع من أنواع المكاشفة بين المبادئ والقيم، والواقع المرير، ومن ثم نجد أن هذه الكلمات البسيطة تحقق أقصى درجات توليد الدلالة النصية، فهنا نجد الوظيفة التناصية بين الفكر والمسمى، والإحالة إلى الأفكار والقيم الخارجية، واستدعاء لكل أفكار العالم وتاريخه البشرى داخل نص العنونة الصغير، ليصبح ذلك النص الصغير فى العنونة الذى هو بمثابة نافذة لعبور النص إلى العالم، يصبح اختزالاً دلالياً يدخلُ العالمَ كله فى النص أيضاً». يمكن القول إن الغرض الذى أرادته الشاعرة لديوانها ألقى بأثرهِ على شكلِ الديوان، وطريقة تشكله البصري، فجاء فى بنية تداخلية مع المعطيات السردية، وكأنه مذكرات لشخصٍ عن الحرب، أكثر من كونه ديواناً شعرياً، حملت القصائد عنونة مغايرة لم نعتدها فى طريقة تسمية القصائد من قبل، إذ حملت عناوين أقرب ما تكون إلى عناوين فصول الروايات والكتب التاريخية، فجاءت على النحو التالي: «السنة الأولى للحرب، السنة الثانية للحرب، وهكذا حتى العقد السابع للحرب، ثم خمسة وسبعون عاماً للحرب، وفصول من هدنة قصيرة لحرب لا تنتهي، ثم المسافة صفر، ثم فيما يشبه الهدنة بين الحرب المستمرة، ثم مجموعة من الوصايا تصل لسبع وصايا. ولا يمكن أن نمر على هذا التشكيل النصى بدون أن نتوقف أمام دلالته التى يفرضها ويلح على طرحها، إذ أن هذه التسميات فى حد ذاتها وبهذه الكيفية تحمل رسائل ومعانى ضمنية عديدة. أول هذه المعانى هى الإبحار فى قِدم الحرب الدائرة فى غزة، والانتقال مع بداياتها الأولى، منذ العام الأول، ثم نقفز إلى العقد الأول، ثم نقفز لمرور 75 عاماً، لنكتشف أن تاريخ 1948 هو المرجع الذى تحتسب منه الكاتبة المسافات الزمنية، وكأن الديوان تأريخ مستمر منذ بداية الأزمة الفلسطينية إلى الوقت الراهن، ثم الهدنة والاشتباك من المسافة صفر، ثم نصائح، هنا نشاهد توظيفاً لافتاً لفهرسة العنونة، لتحدث نوعاً من التشكل البصرى الذى يستعرض المحكى التاريخي: «والتشكيل البصرى يعود إلى محاولة سد الفراغ الذى أحدثه ضعف الصلة بين الكاتب والمتلقى باندثار الوظيفة الإنشادية التى كانت تبرز القيم الجماعية والملامح التعبيرية»، وكأن الشاعرة بهذه الطريقة تستحضر تواجدها مدافعةً عن قضيتها وموضوعها أمامنا وفى ثنايا صفحات الديوان. وعن طريق الفهرسة وتسمية القصائد، تضع لنا ملخصاً تاريخياً يحيلنا إلى التذكر فى مواجهة النسيان. إن أحد العناصر المهمة للتذكر، معرفة تواريخ الأماكن وما وقع فيها من ظلم وقهر، وبهذه التسمية لنحو اثنتين وثلاثين قصيدة أوجدت الشاعرة نوعاً من التأريخ الإبداعيِّ الخاص للمعاناة الفلسطينية، ولا يمكن تجاهل الإهداء الذى جاء بعامية فلسطينية موجزة ومعبرة، تقول: «من غزة إلى العالم لا تحكوا عن أساطير احنا بدنا نموت قطعة واحدة.. ما بدنا نموت أشلاء احنا بنكبر كل يوم سنة بدنا نندفن، ما بدنا الحيوانات تاكل جثثنا نحنا بنحب الحياة، نحنا بدنا نعيش ليش ساكتين؟» هل من مفارقة بأنه رغم المحبة للحياة التى تتحدث عنها الكاتبة، فإن الأمنية الكبرى هى أن تكون جثة الشخص عند الوفاة جثة واحدة سليمة وليست مجرد أشلاء؟ وكأننا انتقلنا من مستوى احترام الحق فى الحياة، إلى احترام الحق فى الموت بجثة كاملة، تعبير ضمنى يدمى القلب فى هذا الإهداء البسيط فى كلماته والعميق فى ألمه الذى يحمله، الإشارة إلى الجثث التى تأكلها الحيوانات، والرغبة فى العيش، والتى لا تتحقق أبداً، فيصبح المقابل هو حلم الدفن بجثة كاملة. إن «معانى الكلمات تتحدد من خلال عددها وموقعها فى الحقل الدلالى فلا يستطيع المستمع أن يحدد معنى الكلمة إن لم يعرف بقية كلمات الحقل، ومدى العلاقات الدلالية التى تربط بينها.»، وهنا يتم الربط بين معانٍ متناقضةٍ تَماماً، الجثة / القطعة الواحدة، فى مقابل الجثة الأشلاء، الحياة/ فى مقابل التهام الحيوانات جثث المتوفين، مجموعة متناقضة تمثل تعبيراً عن الواقع الجحيميّ الذى يعيشه الناس فى غزة. يمكن القول إن القصيدة الأولى تتخذ طابع التأسيس للقصائد الباقية، وثمة ملاحظة أولية قبل المضى فى تحليل القصائد، فالديوان يجمع بين عنصرين متناقضين، الأول عنصر الوحدة الموضوعية التى تربط كافة القصائد كونها جميعاً معلقة بموضوع واحد، هو «غزة»، وهنا نلاحظ أهمية كبرى يحتلها المكان، ليصبح معبراً عن مكان وزمان ومشاعر وأحاسيس وانفعالات خاصة به، فكلمة غزة هنا رغم كونها دلالة على مكان، فإنها دلالة على حقل دلالى كامل من الأحداث المتضمنة فيه، مما يجعل بنية القصائد فى محورها بنية دلالية مكانية مختزنة للكثير من الدالات الإحالية بداخله، والمكان هنا يصنع نوعاً من التماسك الدلالى النصى الشعري، وفى مقابل هذه الوحدة العضوية المتماسكة، هناك حالة من التشظى الإنساني، وحالة من الانسحاق والضياع والتشرذم، فى تناقض شديد الوضوح. فى القصيدة الأولى نلمس لغة رقيقة – ستختلف حدتها قليلاً مع مُضى القصائد – كأننا إزاء تلقى الصدمة الأولى من الحرب، والأمل فى انتهاء هذه الحرب، تتنوع المقاطع بين الطول والقصر، ويتم استخدام لغة شفافة، قد لا تتناسب مع فظائع الحرب وأهوالها، لكنها السنة الأولى، من كان يدرى أثناء هذه السنة كل ما سيتبعها من آلامٍ ومآسٍ بعدها، تقول: «وهنا حروب كثيرة تروى التلال بالأرجواني، ونستريح على زرقة البحر لأكثر من ألف عام/ لا هدنة مع الوقت / ولا هدنة مع الموت / وسط ضجيج المنافي، أخبرك كل نهار، / صباح الورد / فتستيقظ الحواس كرفيف يتدفق فى القلب فيمنح الأمل.» ص10 يتوالى فى هذه القصيدة الشعور المتنامى بخطورة الحرب، وإدراك لحظة أن ما يحدث على الأرض ليس مجرد حدثٍ ويمر، ورغم اختلاط المشاعر الإنسانية مع الواقع الأليم، فإن حالةً من الإدراك الواعى لعمق المأساة يتسرب لنا عبر ا لقصيدة، تأتى لحظة الإدراك فجأة، فتقول الشاعرة: «اليوم المئة بعد ألف عام لا الحرب تنتهي ولا الحكايات فقط أنا وأنت ويافا ...» ص 15 فى القصيدة الثانية والتى تحمل عنوان «السنة الثانية» تتغير سمات المكان، تصبح المدن فارغة أكثر، والبيوت ممزقة، والشوارع مكسوة بغبار الرصاص، تختفى الرقة والعذوبة التى بدأت فى القصيدة الأولى، وتبدأ الشاعرة فى استحضار تعبيرات الوجع والألم، وسريعاً تنتهى القصيدة الثانية، لندخل فى الثالثة، وبصورةٍ مباشرة يبدأ حصر مقدار الخسارة، تقول: «يخرج الناس، يتفقدون كل الذكريات التى علقت فى الروح، الجميع خاسر، عليك أن تتخطى ذلك المستنقع الثقيل، وأكمل حياتك كناج وليس كضحية..» ص 22 ثم نشاهد وصفاً تفصيلياً لمشاهد تركز عليها الشاعرة فتقول: «بدأ وقف إطلاق النار هناك، وخُصِّصَت الممراتُ الآمنة للهروب من المدن الخراب، وتمارين للناجين بمحض الصدفة، على صنع القهوة السريعة، وذاكرة بصرية جديدة تحل ضيفاً ثقيلاً على ذاكرتنا فنعلقها على جدران المخيم..» ص25 تبدأ المفردات تنجذب لقاموس القضية الفلسطينية: اللاجئين، المخيمات، الممرات الآمنة، مصطلحات لها معناها الخاص لدى الإنسان الفلسطيني، وهى غالباً لا تحمل الدلالات ذاتها ومخزونها التاريخى عند أى إنسان آخر لم يعش هذه التجرية «الظالمة والمتواطئة من العالم»، وكلما مضينا مع القصائد أكثر كان هناك تكثيف معنوى ودلالى أكثر، وبدءاً من السنة السابعة للحرب – القصيدة السابعة – تتخذ القصيدة شكلاً سردياً خالصاً، تقول: «اليوم كما أيام المنافي، يوم عادي، كل ما هنالك هو أنك كبير كالظل فى وقت تستريح فيه الشمس. من دون أن تدرك النهارات التى تشهد وحدتك .....» هذا السرد التكرارى فى القصيدة السابعة يخدم هدفاً شعرياً متميزاً، وهو هدف اعتياد الحرب، لقد أصبح الأمر تكرارياً لدرجة اعتياده، اللغة فى هذه القصيدة رتيبة، بدون استخدامات مجنحة أو توظيف للبلاغة، لكى تحاول الشاعرة أن توصل إلى المتلقى مقدار السأم الذى يشعر به أهل غزة من هذه الحرب المستمرة، وكنوع من أنواع الفصل بين الملل وبين الخطورة التى قد تقع من اعتياد هذا الألم، تأتى قصيدة «العقد السابع» مغايرةً فى طريقة التقديم والأسلوب والبنية عن باقى القصائد، فتقدم الشاعرة دفعة جديدة من التدفقات الشعورية التى توحى لنا أننا بإزاء حالة من حالات التقييم والتعقيب على الوضع الراهن، تقول: «فى بيت المنفى اشتريت خزانة كبيرة من بائع الأثاث المستعمل، لكن لم تتسع كل الأمنيات المؤجلة، تعلمت الألوان ومزجها، ورسمت لوحات من دون توقيع وعلقتها على الجدران البيضاء، كانت تشبه مدينتى بيسان، نهر ينسدل من جبال الكرمل، يعزف موسيقى التشيلو فى اللوحة». هنا نشاهد اختلافاً فى نمط التعبير عن السردية السابقة، أيضاً هناك حالة للانتقال المكانى من الحديث المباشر عن المكان وتداعياته إلى الحديث من المنفى، من بعيد، وروح الاشتياق والحنين ظاهرة وطاغية على النص، هذه القصيدة تقفز بنا سبعين عاماً مرةً واحدة، ورغمَ البعد عن المكان، تنعكس الملامح على الوجه، كأن المكان يحفر علاماته على وجوه من غادروه، مهما مضوا بعيداً، فهم مُنجَذِبون إليه، ويتحول الوصف الشعرى من الحرب ومعاناتها إلى الحديث عن حياة المخيمات، وواقعها السيئ، ثم تقفزُ فى القصيدة التى تليها خمسَ سنوات، مما يجعلها تعود لوقتنا الراهن، وتبدأ فى الحديث عن ذلك الموت القادم من بلاد ما وراء البحار، لم تصبح أوروبا وأمريكا هنا مثالاً لنهضة الإنسان وحضارته الحديثة، بقدر ما تصبح مصدر الدمار، ف «من خلف البحر يأتى الموت». وهى كلمة تحوى معانى كثيرة. فى جمل شعرية قصيرة تبدأ بالحديث عن فصول من هدنة قصيرة لحرب لا تنتهي، تلخص فيها بعض الحكم التى تمثل معاناة الروح الإنسانية فى مواجهة هذا الانسحاق غير العادي، ف «لا أحد ينجو مرتين فى الحرب»، إشارةً إلى أن من خرجوا أحياء من هذه الحرب لم يخرجوا أسوياء، بداخلهم آلام وأوجاع والكثير من المشاعر السلبية التى يصعب التعبير عنها، وحياة المنفى أشد قسوةً وأكثر صعوبةً من حياة المواجهة مع العدو، تصبح الروح محمَّلةً بما يثقلها، لا يمكن الهروب من الألم طالما سكن الروح نفسها، ويتصاعد شعوران متناقضان، اليأس من العودة، والحلم الآمِل بالعودة، تبدأ الحواس البشرية فى التقاط كل شيء من حولها بمعانٍ مختلفةٍ ومغايرة، وطوال الوقت تزيد ندبات الروح، الركض اللاهث يصبح سمة الناجى من الحرب، الذى يعيش فى المخيمات ويهرب من الأسلاك الشائكة، مهما وصل لأطراف العالم، فهو يحمل فى داخله ذكرياته عن الجثث والأشلاء، ورائحة الشوارع المهجورة، والقبور المفتوحة على السماء، ويصبح الوقت محاولة مستمرة للشفاء من مرض مزمن. كل تلك المشاعر المتضاربة تقدمها الشاعرة فى مجموعة القصائد المتتالية هنا التى تحمل عنونتها أرقاما، مجرد أرقام.. من 1 إلى 13. نخرج من ذلك إلى «المسافة صفر»، وهى كناية تحمل معانى المواجهة المباشرة مع العدو، المواجهة بدون وجود أى تدابير يمكنها أن تقدم الحماية للمقاوم، لذا جاءت هذه القصيدة قصيرةً وكاشفةً ومُباشِرةً، لنكتشف أن المواجهة هنا مع الموت ذاته، تقول: «إن تنجُ من ضجيج الموت يعنى أن هناكَ جسداً آخرَ قابلاً للحياة». إن قاموس مفردات القصائد ينحاز إلى مفردات النجاة، الموت، الضجيج، الجسد، وهكذا من معانٍ مُلازِمةٍ للشتات والضياع والانسحاق والشعور الإنسانى المأزوم بالحق فى الحياة، ونبدأ مع القصيدة التى تلى ذلك مرحلة من الرسائل القصيرة الموجعة عن الحرب والنجاة منها، ونجد تعبيرات وتراكيب تدهش المتلقى فى تفسير الرسالة الكامنة وراءَها، من مثال ذلك قول الشاعرة: «لا تسمح للهدنة أن تفلت بين أصابعك المبتورة من قذيفة ضلت طريقها لجسدك/ عليك أن تجهز الأرض لنوم قتلانا بهدوء/ و لا تسمح للشمس بالغياب». ولعله يحسب للشاعرة قدرتُها على توليد تشكيل دلالى نصى جمالى من بين هذه المفردات التى توحى بالوحشة والغربة والقتل والتدمير والموت والفناء للبشرية، وتتوالى الوصايا التى تحذر من الانخداع بتلك الهدنة، من فكرة الانخراط فى الحياة العادية، لأنه ليس من حياة عادية فى غزة، وفى القصيدة التى تحمل اسم: «الوصية الخامسة» تظهر العنونة الجانبية للديوان، تقول الشاعرة: «واجمع بقايا روحك وعد حيث كنت وحدك تعرف نصرك وحدك تضلك الهزيمة فابق حيث أنت وكن كما أنت فوكوياما يسقط فى غزة والصغيرة قاهرة مانهاتن والتاريخ قصة بلا نهاية يولد من جديد فى غزة» هكذا تُسقِطُ الشاعرة أفكار الحرية والليبرالية والديمقراطية على الواقع المأساوى وتُنبه إلى أن وقتاً طويلاً جداً من الصراعِ مازال فى الأفق، ولم يسع أحد لإنهائه بشكل حقيقي، وأن من ينجُ من هذا الوضع المأساوى ينجو بمحض المصادفةِ ليسَ أكثر، تقول: «يقول الناجى بمحض الصدفة فى عام 2023 نمنا، فاستيقظنا على عام 1948 وكأن الوقت لا يمضي» وفى تصورى أن هذه هى الرسالة الأساسية التى ترغب الشاعرة أن توصلها من ديوانها، عمق استمرار المعاناة. ورغم مرور كل تلك السنوات، إلا أنه لم يتغير شيء فى هذا الصراع، ما زال المقاوم يقاوم، وما زال العدو الهمجى المتغوِّل «المأزوم والمُعقَّد تاريخياً» يحرمُ الأبرياء من كل حقوق الحياة، لذا لم يكن مستغرباً أن ينتهى الديوان بصيحةِ استنجادٍ هائلةٍ، لكل البشر من ناحية، ولله تعالى من ناحية أخرى، فأى أمل فى أى عدالة بشرية يمكن أن تنقذ أولئك الناجين بمحض الصدفة من مصير مجهول؟ ليس لهم من أمل سوى الله، ليس من قبل أو بعد الله أمل فى أن ينقذ هؤلاء الذين كابدوا وعايشوا كمَّاً هائلاً من المشاعرِ المتضاربة المتناقضة ومن الحرمانِ من كل حقوق الحياة والتهديد بالإبادة الجماعية وبكل أنواع القسوة والتعذيب والتنكيل والفظائع التى يمكن أن يكابدها الإنسان فى حياته، ولا يمكن أن يتصورها أحدٌ سوى من عاش جحيمها.