لم تعد متابعة المسلسلات ترفًا بصريًا، بل فعلًا ثقافيًا جديرًا بالتأمل، خاصة حين تتقاطع التجارب الفنية مع قضايا المجتمع، وتتسلل الحقيقة عبر الخيال، وتتحول الشخصيات إلى مرايا نُطلّ منها على واقعنا، فالدراما الرمضانية ليست مجرّد وجبة يومية مصاحبة لمدفع الإفطار، بل اختبارًا جماعيًا للذائقة الجمعية، وصوتًا خافتًا يتسلل عبر الشاشات، ليُسهِم فى تشكيل الوعى، ويستحضر الأسئلة الكبرى، حول الهوية والمجتمع والإنسان، لذا تبقى الدراما موضوعًا ملحًا للنقاش والتحليل، خاصة فيما يتعلق بالمعايير الفنية والأخلاقية التى تحكم إنتاجاتها. الملتقى العلمى الذى عقد فى كلية الإعلام وفنون الاتصال بجامعة 6 أكتوبر، تحت رعاية د. دينا فاروق أبو زيد عميدة الكلية، كان فرصة للتفاعل مع مشهد درامى متجدد، واستشراف أسئلته، وتناقضاته، وإنجازاته، أتاح مساحة خصبة للحوار بين الأكاديميين والنقاد والكتّاب، وتبادل الرؤى من زاوية نقدية حول موسم درامى استثنائى فى تنوعه، متباين فى مستواه، لكنه بالتأكيد جدير بالتأمل. لم يكن الموسم الرمضانى مجرد سباق بين الأعمال، بل بدا أشبه بسباق نحو الوعي، واتسم بالعديد من التحولات النوعية فى طريقة تناول القضايا، فالأعمال الدرامية اقتحمت العديد من القضايا الحساسة التى تمسّ حياتنا بشكل عميق، واستدعت الأسئلة الكبرى التى يعيشها المجتمع، لكن السؤال الأهم: كيف يمكن للدراما أن تكون جسرًا حقيقيًا للفهم المجتمعى دون أن تغرق فى العنف أو الابتذال؟ الجلسة التى ترأستها د. سوزان قلينى رئيس لجنة الإعلام بالمجلس القومى للمرأة، كانت الأكثر تأثيرًا فى إثراء النقاش، وسلطت الضوء على «صورة المرأة فى الدراما الرمضانية»، وكان لى شرف تقديم اقتراح يتعلق بضرورة التفرقة بين الأعمال الدرامية التى تم عرضها على القنوات المصرية، وتلك التى أنتجتها قنوات عربية، ورصد مخالفات كلٍّ منهما على حدة، لتوضيح مدى التزام كل منهما بالمعايير الأخلاقية والضوابط الإعلامية، فالأعمال التى أنتجتها وعرضتها قنوات عربية، شهدت العديد من المخالفات، سواء من حيث الصورة التى تقدمها عن المرأة أو الألفاظ والعنف المستخدم، مما يجعل من الضرورى توجيه تقارير المجلس القومى للمرأة لهذا الأمر بشكل دقيق وواضح. إن هذه الفعاليات تعكس مدى الاهتمام بتطوير صناعة الإعلام والدراما، وتعد خطوة مهمة نحو تحقيق التوازن بين الإبداع الفني، والالتزام بالقيم المجتمعية، حتى تظل الدراما رافدًا مهمًا من روافد الثقافة والمجتمع.