عندما يوقّع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب قرارًا بفرض رسوم جمركية شاملة، فهو لا يكتب أرقامًا على الورق بقدر ما يبعث برسائل مشفّرة للعالم رسائل التقطتها الصحف البريطانية سريعًا، ووضعتها تحت المجهر بعنوان: «هذه ليست مجرد رسوم... إنها رسالة». ففي لحظة واحدة، تحولت المملكة المتحدة من شريك تجاري مميز إلى هدف محتمل في معركة تعريفات يتقنها ترامب جيدًا، وفقًا لصحيفة «اندبندنت» البريطانية. اقرأ أيضًا| صدمات الرسوم الأمريكية تدفع بريطانيا لتسريع تحالفاتها الاقتصادية وبينما أعلنت الحكومة البريطانية أنها "لا تستبعد شيئًا" ردًا على الخطوة الأمريكية والرسوم الجمركية الأمريكية التي فرضها ترامب على عشرات الدول، طالبت الصحف البريطانية المحلية بحكمة سياسية وحذر بالغ، تدرك أن المعركة الاقتصادية اليوم لها أبعاد تتجاوز الحدود الجمركية. في "يوم التحرير"، الذي أعلن فيه ترامب قراره التاريخي، وجدت بريطانيا نفسها وسط زوبعة تجارية جديدة، ووسائل الإعلام هناك (ببريطانيا) لم تنظر إلى الأرقام فقط، بل قرأت خلف الأرقام، فهذه ليست مجرد 10% على البضائع البريطانية، ولا 34% على السلع الصينية إنها طريقة ترامب المألوفة في إعادة تشكيل موازين القوة عبر الاقتصاد. لم تخف، صحيفة «ديلي تلجراف» البريطانية، قلقها، لكنها في الوقت ذاته رأت أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رغم ما حمله من معارك داخلية وخارجية، أنقذها من أن تقع ضحية كاملة لهذا السلاح الأمريكي الثقيل. فلو بقيت لندن تحت مظلة بروكسل، لكانت ستدفع 20% رسومًا عقابية إضافية، مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان. لكن هذا لا يعني أن بريطانيا بمنأى عن الخطر فهي الآن مكشوفة أمام مواجهة مباشرة مع أكبر اقتصاد في العالم، وسط عالم يتغير بسرعة بفعل سياسة «أمريكا أولًا»، التي أعاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بعثها بمظهر أكثر حدة في ظل التوترات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. حيث طالبت الصحف البريطانية برد حذر ومتزن، فالمسألة أبعد من مجرد أرقام إنها اختبار لذكاء سياسي وقدرة على المناورة في وقت لم تعد فيه قواعد اللعبة ثابتة. ◄بريطانيا تمتلك حرية الحركة.. «لكن بحكمة» بريطانيا توفر 26 مليار دولار لدعم الصادرات مع اضطرابات الرسوم الجمركية#إرم_بزنس pic.twitter.com/QiSa0VQRR0 — إرم بزنس (@erembusiness) April 14, 2025 ترى الحكومة البريطانية اليوم أن استعادة سيادتها التجارية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي منحتها مرونة كبرى في التعامل مع التحديات التجارية العالمية، غير أن الانزلاق إلى خيار "الرد بالمثل" على الرسوم الجمركية الأمريكية لن يكون سوى ضربة مضاعفة ل الاقتصاد البريطاني، بحسب تحذيرات صادرة عن أوساط حكومية وإعلامية في بريطانيا. والحل الأمثل، كما ترى هذه الأوساط، هو أن تكثف لندن جهودها للتوصل إلى اتفاق تجاري مع واشنطن، ومن خلال توظيف الميزة السيادية التي اكتسبتها بعد "بريكست"، واستثمار المصالح المشتركة مع الولاياتالمتحدة لضمان استمرار تدفق التجارة عبر الأطلسي، يصبح التفاهم ممكنًا ولا ينبغي السماح لأي عائق بأن يقف في طريقه. اقرأ أيضًا| أمريكا بلا مكابح.. ترامب يضغط على زر الفوضى الاقتصادية ◄«ديلي إكسبريس».. صوت العقل وسط العاصفة في هذا السياق، جاءت صحيفة «ديلي إكسبريس» البريطانية لتتفق مع هذا التوجه الدبلوماسي، داعية الحكومة البريطانية إلى "التحلي بالهدوء"، وقالت الصحيفة في افتتاحيتها: «آخر ما يحتاجه العالم الآن هو حرب تجارية.... هذا وقت للهدوء، لا استعراض القوة». وشددت «ديلي إكسبريس»، على ضرورة مضاعفة الجهود للتوصل إلى اتفاق يضمن استمرارية حركة السلع والخدمات دون قيود مع الحليف الأمريكي المهم. ◄صحيفة «ديلي ميرور» تحذر من رسوم ترامب أما صحيفة «ديلي ميرور» البريطانية، فكانت أكثر تحفظًا وتحذيرًا، ففي افتتاحيتها، أكدت أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب "لا يمكن الوثوق به إطلاقًا". وأوضحت الصحيفة البريطانية ذاتها، أن العلاقة الشخصية بين زعيم حزب العمال السير كير ستارمر والرئيس الأمريكي ستكون في اختبار صعب. وأضافت: « كير ستارمر سيجد نفسه مضطرًا لإقناع ترامب بدعم أوكرانيا في مواجهة بوتن، مع الحفاظ على مصالح بريطانيا، لكن في النهاية، عليه أن يدافع عن بلاده، وإذا لزم الأمر، فلابد من الرد بالمثل عبر فرض ضرائب على الواردات الأمريكية حتى تتراجع الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الصادرات البريطانية». ◄«الإندبندنت» تدعو لضبط النفس لتفادي الأسوأ من جانبها، دعت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إلى ضبط النفس وتفادي الانجرار نحو التصعيد، وحذّرت في مقال رئيسي من أن الاقتصاد العالمي يقف على حافة ركود تجاري، وجاء في الصحيفة: «في ظل هذه الظروف، من غير المرجح التفاوض مع ترامب، الأمل الوحيد أن تولد من الفوضى قواعد جديدة واتفاقات تجارية أفضل، إن ضبط النفس اليوم ضروري كي لا تتصاعد الرسوم المتبادلة إلى مستويات كارثية». ◄«ديلي ميل»: آن لحزب العمال أن يراجع حساباته أما صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، فاستغلت الحدث لتنتقد السياسات الاقتصادية لحزب العمال، معتبرة أن الوضع يستدعي "إعادة النظر العاجلة في سياساته". ونبّهت الصحيفة البريطانية ذاتها إلى أن: «فرض تعريفة بنسبة 10% سيخفض معدل النمو في بريطانيا إلى الصفر العام المقبل، مما يزيد الضغط على خطة المستشارة راشيل ريفز المالية المتواضعة أصلًا». وأضافت الصحيفة: «في ظل تدخل ترامب الوحشي، على حزب العمال أن يعيد التفكير في سياساته التي فرضت 40 مليار جنيه إسترليني من الضرائب الجديدة على الشركات، هذا ليس وقت إيذاء النفس بعد أن خانك من ظننته صديقًا»... اقرأ أيضًا| ضرائب خفية.. تحليل ارتدادات رسوم ترامب الجديدة على جيب المواطن الأمريكي