بينما يحتفل أطفال العالم بعيد الفطر المبارك بملابس جديدة وألعاب مبهجة، فإن أطفال غزة يواجهون واقعًا مختلفًا تمامًا بلا فسح ولا ضحكات..، فقد اختفت بهجة الأسواق التي كانت تعج بالمتسوقين في مثل هذا الوقت، وحل مكانها دوي الطائرات والقذائف. قطاع غزة.. في هذه البقعة المحاصرة، لم يكن الأطفال يركضون بملابس جديدة نحو الحدائق والملاهي، بل كانوا يهرعون إلى أركان الخيام المهترئة، يبحثون عن ملاذ آمن من الموت الذي يحوم في السماء، بدلاً من زينة العيد، بينما يقضي الصغار يومهم بين ركام المنازل، يبحثون عن ألعاب ضاعت تحت الأنقاض.. وعن أحباب غيبهم القصف.. اقرأ أيضًا| الصمت القاتل.. صحفية تروي كواليس قمع «بي بي سي» للحقيقة في تغطية أحداث غزة دعاء العيد من غزة: «اللهم أطفئ نار الحرب» في هذا السياق، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن إسرائيل مستمرة في عملياتها العسكرية دون توقف، متجاهلة كل النداءات الدولية لوقف نزيف الدم في القطاع المنكوب، وسط تصاعد المخاوف من مجازر جديدة في ظل استمرار العدوان، وفقًا لوكالة «وفا» الفلسطينية. ووسط الدمار، لا يجد أهالي غزة إلا الدعاء ملاذًا، حيث قال أحد سكان شمال القطاع: "من أراد الدعاء لغزة فليقل: اللهم لا يأتي عليهم عيد آخر إلا وقد أطفأت نار حربهم". ومن جهة، أكد أحد الصحفيين الفلسطينيين أن استمرار إغلاق المعابر لا يهدد فقط بقطع المساعدات، بل يعيد الكارثة الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة، مشيرًا إلى أن آلاف العائلات العالقة بين النزوح والجوع تجد نفسها أمام واقع قاتم، حيث لم يعد أمامها سوى الصمود وسط هذا الجحيم. في خان يونس.. العيد لم يأتِ "ألبسته الكفن بدل ثياب العيد".. أم تودع طفلها الذي استشهد في قصف الاحتلال على شمال غزة قبل ساعات من عيد الفطر pic.twitter.com/RnECSMZuwI — شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) March 29, 2025 في خان يونس، تبددت أجواء العيد بالكامل، إذ لم تعد هناك استعدادات تقليدية، ولا تجمعات عائلية، فقط صمت المدن المُهدمة ونظرات أطفال فقدوا القدرة على الفرح، بعدما قضى تصعيد الاحتلال على آخر مظاهر الحياة الطبيعية، تاركًا السكان في حالة خوف وترقب لما قد تحمله الساعات القادمة من فقدان جديد.. فالأطفال الذين من المفترض أن يركضوا فرحين بألعابهم، يجلسون اليوم واجمين.. بعد أن سرقت الحرب الإسرائيلية كل معنى للعيد، واستبدلته بالخوف والدموع... اقرأ أيضًا| «قيود الظل» تُعري انحياز صحف وقنوات بريطانية لإسرائيل في الحرب على غزة رمضان دامٍ.. لم يكن النصف الثاني من شهر رمضان في غزة مختلفًا عن الأيام السابقة، إذ استمر القصف الإسرائيلي بوتيرة أعنف، مما أدى إلى سقوط المزيد من الشهداء، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن. وتزامن ذلك مع استمرار إغلاق المعابر، مما عمّق الأزمة الإنسانية، حيث حذرت وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في بيان لها أن أكثر من مليون شخص في غزة مهددون بالبقاء دون غذاء، في ظل نقص الإمدادات وغياب أي أفق لحل قريب. اقرأ أيضًا| رمضان في غزة.. كيف يعيش الغزيون وسط أزمة المساعدات؟ بين الركام.. صلاة العيد تقام بين أنقاض المنازل المدمرة، وتحت هدير طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، يصطف أهل غزة في مشهد مهيب لأداء صلاة العيد. كل عام وأهل غزة بخير، وينعاد علينا وفلسطين محررة من الظلم والاحتلال. pic.twitter.com/8YdftU1iYi — Tamer | تامر (@tamerqdh) March 30, 2025 لكن.. العيد، وإن ألبسته الحرب الإسرائيلية وجهًا قاسيًا، يبقى في قلوب الغزيين وعدًا بالحياة، مهما اشتدت المحنة. ففي القدس، احتشد 120 ألف مصلٍّ في المسجد الأقصى رغم التشديدات الإسرائيلية ليؤدوا صلاة عيد الفطر المبارك، رافعين أكف الدعاء لفلسطين وأهلها..، وفي قطاع غزة، فقد أدى آلاف الفلسطينيين صلاة العيد بين أنقاض بيوتهم. حكايات عيد لم يأتِ لم يتوقف العدوان حتى في ساعات العيد الأولى، حيث تحولت خيمة نازحين في خان يونس إلى مقبرة جماعية، بعدما استشهد عشرة فلسطينيين تحت قصف الاحتلال. وفي بني سهيلا شرق خان يونس، كانت طفلتان تنتظران ارتداء ملابس العيد، لكن الموت سبقهما إليهما، ليكون الكفن الأبيض هو زيهما الأخير. ومع ذلك، لم يتوقف الأطفال الآخرون عن محاولة خلق لحظة فرح وسط الخراب، صنعوا ألعابهم من العصي والحجارة، رسموا بالطباشير على الأرض بقايا أحلامهم.. وركضوا بين الأزقة ضاحكين للحظة، قبل أن يعيدهم صوت انفجار آخر إلى واقعهم القاسي. في غضون 24 ساعة، استشهد 26 فلسطينيًا وأصيب أكثر من 70 غزيًا، لترتفع حصيلة العدوان منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى 50,277 شهيدًا و114,095 جريحًا. اقرأ أيضًا| «هآرتس» تصف حكومة نتنياهو بالمتهورة: خطة مصر حول غزة «أساس الحل» «غزة لا تموت».. حتى الجراح تضيء شموع الفرح في غزة، رغم شحّ المؤن، جهّز الغزيون الحلوى من أبسط المكونات، رغم أنهم يعلمون أن هذا العيد قد لا يحمل لهم هذه المرة ثوبًا جديدًا أو فسحة في المتنزهات. لكنهم يدركون أن الفرحة ليست في الأشياء، بل في صمودهم، وفي يقينهم لان هذا الألم، مهما طال، لن يستمر، ففي كل بيت فقد شهيدًا، هناك قصة صمود، وفي كل شارع مُدمر، هناك حياة تبحث عن فرصة أخرى للفرح.. لأن «غزة لا تموت».