كانت إسرائيل، قبل 18 شهرًا فقط، محاطةً بالمخاطر من كل اتجاه، تعاني من توتر غير مسبوق مع واشنطن، واهتزت تحت وطأة هجوم الفصائل الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي بعدما قامت بعملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023. الأمر الذي مثَّل نقطة تحول في تاريخ تل أبيب الأمني، واليوم، تخوض إسرائيل معارك على أكثر من جبهة.. في لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية، بدعم أمريكي غير محدود، لكن وراء تلك المواجهات تخفي أزمة داخلية متصاعدة، بدءًا من انقسامات سياسية حادة، واستنزاف اقتصادي، وتراجع في تماسك المجتمع الإسرائيلي، كلها عوامل تهدد بإضعاف العمق الاستراتيجي لإسرائيل وصلب الكيان الإسرائيلي السياسي والاجتماعي. اقرأ أيضًا| «قيود الظل» تُعري انحياز صحف وقنوات بريطانية لإسرائيل في الحرب على غزة وجهت إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر 2023، ضربات قاسية لحركة «حماس» الفلسطينية، كما كبّلت قدرة حزب الله في لبنان وأضعفت شبكة الوكلاء الإيرانيين في المنطقة. وفقًا لمجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، يبدو أن القيادة الإسرائيلية استخلصت درسين مقلقين من هذه المعارك: الأول هو أن «التصعيد العنيف أثبت فعاليته، إذ تم اللجوء إلى إجراءات مثل القصف الكثيف، وفرض الحصار على غزة، وإضعاف البنية التحتية الأساسية هناك، حتى ولو كان ذلك محل انتقاد دولي»، والثاني هو «ضرورة تعزيز الردع عبر توسيع نفوذها الإقليمي، سواء من خلال العمليات الاستباقية في سورياولبنان أو حتى التفكير في ضربة ضد إيران». اقرأ أيضًا| «هآرتس» تصف حكومة نتنياهو بالمتهورة: خطة مصر حول غزة «أساس الحل» تصعيدٌ خارجي يُهدد الاستقرار الداخلي بحسب المجلة البريطانية ذاتها، قد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة استنزاف طويل الأمد، فهي تعتمد بشكل رئيسي على قوات الاحتياط، وهم مواطنون لديهم مسؤوليات عائلية واقتصادية يصعب عليهم التخلي عنها لفترات طويلة. إضافةً إلى ذلك، فإن استمرار الدعم الأمريكي ليس مضمونًا؛ إذ قد يتبدل الموقف مع تغير الإدارة الأمريكية، خصوصًا إذا عاد الديمقراطيون إلى الحكم في 2029، بموقف أقل تسامحًا تجاه التوسع الإسرائيلي. من ناحية أخرى، فإن القصف المستمر في المنطقة يثير استياء الشعوب العربية، مما قد يؤدي إلى فتور في تحالفات إسرائيل مع عدة دول، وفقًا لمجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية. وبحسب المجلة ذاتها، فرغم أن المجتمع الإسرائيلي يرفض بشدة أي فكرة لإقامة دولة فلسطينية، إلا أن البدائل تبدو أكثر تعقيدًا، فالضم الرسمي للأراضي الفلسطينية سيؤدي إما إلى تطهير عرقي، أو إلى خلق فئة من غير المواطنين بلا حقوق كاملة، أو إلى تقييد الفلسطينيين داخل مناطق معزولة غير قابلة للحياة، ومع تصاعد هذه السياسات، تجد إسرائيل نفسها أمام معضلة أخلاقية تهدد الأسس التي قامت عليها. في حين كان يُفترض أن تُوحد صدمة السابع من أكتوبر المجتمع الإسرائيلي، إلا أن الانقسامات السياسية عادت لتطفو على السطح. ويطالب جزء كبير من الإسرائيليين بانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة مقابل الإفراج عن الأسرى، بينما يتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو باستمرار الحرب كوسيلة لضمان دعم اليمين المتطرف. وفي الوقت نفسه، يتزايد القلق داخل المؤسسات الإسرائيلية الأمنية والقضائية من التدخلات الحكومية، حيث يسعى نتنياهو لإقالة شخصيات بارزة في جهاز الأمن الداخلي والنيابة العامة، وسط اتهامات بمحاولات للتغطية على قضايا فساد. ورغم ما يبدو من قوة على السطح، فإن الواقع الإسرائيلي أكثر هشاشة مما يظهر، فجيشها يعاني من الإرهاق، ومجتمعها السياسي يعيش انقسامات متزايدة، واقتصادها، الذي يعتمد على قطاع التكنولوجيا الحيوي، يواجه خطر الهجرة الجماعية للعقول بسبب التوترات السياسية وانهيار الثقة في سيادة القانون، حسبما أفادت صحيفة «ذي إيكونوميست» البريطانية. ولا شك أن لواشنطن دور تاريخي في ضبط الإيقاع الإسرائيلي، لكن مع وجود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في البيت الأبيض، تبدو إسرائيل بلا كابحٍ يحد من اندفاعها، ليبقى السؤال الآن.. هل تملك إسرائيل القدرة على ضبط نفسها قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة؟؟ اقرأ أيضًا| الصمت القاتل.. صحفية تروي كواليس قمع «بي بي سي» للحقيقة في تغطية أحداث غزة