لم تكن قضية طابا آخر بقعة من التراب الوطني تمت إعادتها إلى أحضان الوطن الأم مصر من خلال مفاوضات شاقة ومضنية، ولكنها تعتبر نموذجا للالتزام الوطنى ورمزا لاحترام السيادة الوطنية وتطبيقا لمبدأ عدم التفريط فى ذرة من تراب مصر الوطنى مهما كلفها من تضحيات جسام، وقد أرسى نصر أكتوبر 1973، الذي حققه خير أجناد الأرض ضد الجيش الذى لا يقهر وكسر أسطورته المزعومة، القواعد الشرعية لاستئناف الصراع بين العرب واسرائيل باستخدام القنوات السياسية حيث قامت مصر بدور دبلوماسي وسياسي متميز فى سبيل عودة طابا إلى سيناء. وتحل اليوم الأربعاء 19 مارس، ذكرى تحرير طابا، وشاركت «بوابة أخبار اليوم» أهالى محافظة جنوبسيناء فرحتهم بذكرى استرداد طابا، وحاورت محافظ جنوبسيناء اللواء الدكتور خالد مبارك، للتعرف على المشروعات التنموية الحالية والمستقبلية التى تنفذها الدولة فى المحافظة، وإلى نص الحوار.. ذكرى استراد طابا كانت بمثابة ملحمة وطنية، ماذا قدمت الدولة لتنمية المدينة؟ هذه الذكرى تمثل رمزًا للسيادة الوطنية والفخر بعودة طابا إلى أحضان الوطن وتأكيدًا على الدور الحيوى الذى تلعبه سيناء فى تحقيق التنمية المستدامة لمصر.. الدولة أنفقت تريليون جنيه من أجل تنمية سيناء. حظيت تنمية جنوبسيناء باهتمام كبير من القيادة السياسية التى حرصت على تنفيذ مشروعات تنموية واقتصادية كبرى بها لتنفيذ رؤية مصر 2030 التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي وأهميتها فى تعزيز التنمية المستدامة في المحافظات وخاصة فى محافظة جنوبسيناء، وهناك استراتيجية التنمية المستدامة للمحافظة التى جرى اعتمادها فى إطار خطة شاملة لتطوير جنوبسيناء فى مختلف المجالات التى ستسهم فى تعزيز مكانة سيناء كمقصد سياحى عالمي. - كيف يتم تنفيذ استراتيجية التنمية في سيناء؟ تنفيذ الاستراتيجية عن طريق تقسيم المحافظة إلى 5 قطاعات رئيسية لكل منها طابعها الخاص ودورها فى تحقيق التنمية الشاملة فالقطاع الأول هو قطاع «شرم الشيخ دهب»، يعد مركزا سياحيا عالميا يهدف إلى تعزيز مكانة مدينة شرم الشيخ ومدينة دهب كوجهتين مميزتين للسياحة العالمية. قطاع أبوزنيمة – أبورديس يمثل القطاع الثاني، مركزًا تعدينيًا وصناعيًا، ونسعى إلى تطوير الصناعات التعدينية وتعزيز الفرص الاستثمارية فى هذا المجال، ويركز القطاع الثالث وهو الطور - سانت كاترين على التراث العالمى والثقافي، ويتضمن مشروع «التجلى الأعظم» الذى يهدف إلى تحويل سانت كاترين إلى وجهة سياحية ذات طابع ثقافى ودينى مميز على مستوى العالم، ويهدف قطاع «نويبع – طابا»، الذى يعد القطاع الرابع، إلى أن يكون مركزًا تجاريًا لوجستيًا ومنفذًا دوليًا، مع التركيز على تطوير حركة التجارة البينية وتعزيز البنية التحتية اللوجستية، فيما يمثل قطاع «رأس سدر» وهو القطاع الخامس، البوابة الداخلية للمحافظة ومركز السياحة الداخلية، ويسعى إلى دعم وتنمية السياحة الداخلية وتعزيز التواصل بين جنوبسيناءوالمحافظات الأخري ماذا عن ترسيخ الهوية الوطنية في مدينة طابا؟ تطوير ساحة العلم يأتى فى إطار تعزيز الهوية الوطنية وتعظيم ذكرى استرداد طابا، بما يسهم فى زيادة الوعى الوطنى لدى الأجيال الجديدة. المشروع يمثل خطوة مهمة نحو تطوير المنطقة بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة وستظل طابا دائمًا نقطة مضيئة فى تاريخ مصر الحديث. هل هناك محاور اقتصادية لتعزيز التنمية في طابا؟ ميناء طابا هو نقطة حيوية للتبادل التجارى والسياحى بين مصر ودول المنطقة، خاصة السعودية، الأردن، والإمارات. وهناك مشروع تنموى آخربمثابة حلم لأهالى جنوبسيناء وهو إنشاء خط سكة حديد العريش سيكون جزءًا من خطة الربط اللوجستى بين البحرين الأحمر والمتوسط، مما يدعم حركة الشحن والنقل الداخلى ويقلل من الاعتماد على الطرق البرية التقليدية. وكذلك إنشاء محطات للسكة الحديد من ربط هذا الخط بالقاهرة من خلال امتداده لبئر العبد ثم الفردان. العمل جارٍ حالياً على إنشاء 60 منزلاً بدوياً فى قرية النقب التابعة لمدينة طابا، وذلك ضمن المرحلة الأولى من المشروع، حيث وصلت نسبة الإنجاز إلى 80%. وسيتم إنشاء 60 منزلاً آخر خلال المرحلة الثانية، مع العمل على توصيل شبكات المياه والكهرباء لتلبية احتياجات السكان. وهذه المنازل مجهزة بأعلى المستويات، بتكلفة إجمالية تبلغ 95 مليون جنيه. ومشروع المساكن البدوية يعد أحد أبرز المشاريع التنموية فى المحافظة، وتصل مساحة كل منزل إلى 180 متراً. ملحمة استرداد الأرض فى عام 1989 كانت ملحمة استرداد طابا آخر نقطة فى الحدود المصرية بسيناء وهى «طابا»، بعد أن قام المفاوض المصرى بجهود مضنية وشاقة، وتحكيم دولى ليثبت أحقية مصر فى منطقة طابا مقدمًا البراهين والأدلة التى تؤكد ملكيتها، وأنها مدينة مصرية 100%، وليست إسرائيلية كما أشاع العسكريون والسياسيون الإسرائيليون. وتقع طابا على رأس خليج العقبة بين سلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية من جهة، ومياه خليج العقبة من جهة أخرى، وتبعد عن مدينة شرم الشيخ حوالى 240 كيلومترا باتجاه الشمال، وتجاورها مدينة إيلات الإسرائيلية، وتمثل المنطقة الواقعة بين طابا شمالًا وشرم الشيخجنوبًا أهم مناطق الجذب والتنمية السياحية بجنوب شبه جزيرة سيناء. معركة دبلوماسية بدأت معركة الدبلوماسية المصرية لاسترداد طابا عقب توقيع معاهده السلام بين مصر وإسرائيل فى 1979، التى نصت على سحب إسرائيل كامل قواتها من شبه جزيرة سيناء فى موعد غايته 25 أبريل 1982، وتصاعدت حدة الخلافات بين مصر وإسرائيل بشأن مواقع 14 علامة حدودية، كان أهمها موقع العلامة 91 التى توجد على حدود الشريط الأخير فى طابا، وادعت إسرائيل فى ديسمبر 1981، معلومات غير صحيحة عن العلامة 91، فى محاولة منها لضم منطقة طابا إلى إقليمها، ومن هنا بدأت الدبلوماسية المصرية فى البحث عن حل مقبول يسمح بإنجاز الانسحاب الإسرائيلى فى الموعد المحدد، مع البحث عن وسيلة مقبولة لحل الخلافات القائمة حول العلامات المعلقة دون حسم، واستمرت إسرائيل فى تزييف الحقائق والتاريخ، ومن هنا قررت مصر ألا تفرط فى شبر من أرضها، وبعد مفاوضات استمرت كثيرا دون جدوى، وهو ما دفعها للتحكيم الدولى لاسترداد طابا. وبناء عليه طبقت مصر المادة السابعة من معاهدة السلام التى تم تطبيقها مع إسرائيل، والخاصة بأى خلاف حول الحدود، التى تنص خلاصتها بأن يتم الحل عن طريق المفاوضات، وفى حالة فشلها يتم اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم، وكثيرا ما رفضت إسرائيل ذلك حتى اضطرت للرضوخ إليه، تم توقيع مشارطة للتحكيم بين مصر وإسرائيل فى 11 سبتمبر 1986، وبناء عليه أحيل النزاع إلى هيئة تحكيم دولية تشكلت من خمسة محكمين. مفاوضات دبلوماسية على مدار 7 سنوات من المفاوضات، خاضت الدبلوماسية المصرية حربا شرسة من أجل استرداد آخر كيلومتر من أراضى سيناء، ومنذ تشكيل هيئة التحكيم فى سبتمبر عام 1986 وحتى 29 سبتمبر 1988، قدمت مصر أسانيد ووثائق تمتد من عام 1274 تؤكد حقها التاريخى فى طابا، كما قدمت وثائق تاريخية من المندوب السامى البريطاني إلى وزارة الخارجية المصرية والمخابرات المصرية يعود تاريخها لعام 1914، هذا بخلاف تقارير مصلحه الحدود فى عام 1931، كما قدمت وزارة الخارجية 29 خريطة بأحجام مختلفة تثبت الملكية المصرية لطابا، وتمكنت من جمع خرائط ووثائق من الأرشيف المصرى والبريطانى والتركى وقدمت 10 خرائط من الأرشيف الإسرائيلى نفسه تثبت تبعية طابا للأراضى المصرية. وكان قد تم تشكيل لجنة لي إسترداد طابا ضمت ما يقرب من 20 شخصية ما بين أساتذة قانون وجغرافيا وتاريخ وخبراء من شتى المجالات، مؤكدا أن حدودنا معمولة من سنة 1906، لما كانت مصر جزءا من الإمبراطورية العثمانية ثم حصلت مصر على الاستقلال الذاتى وأصبح لها حاكم خاص بها، وتم عمل خريطة سنة 1906 لحدود مصر. حكم تاريخي أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكمها التاريخى فى 29 سبتمبر 1988، ليسدل الستار بإنهاء ذلك النزاع وحسمه لصالح مصر، فى جلسة علنية عُقدت فى قاعة المجلس الكبير بالمقر الرسمى لحكومة مقاطعة جنيف فى حضور وكيلى الحكومتين، وأعضاء هيئة الدفاع لكلا الجانبين معلنة عودة طابا إلى مصر، وذلك بعد إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر من مجموع 14 علامة بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد، وإثبات 4 علامات لصالح مصر بإجماع الأصوات الخمسة، وامتد عمل هيئة الدفاع المصرية بعد صدور الحكم ومراوغات إسرائيل فى التنفيذ إلى عقد جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم وتسليم طابا بمنشآتها إلى مصر حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة بتسليم طابا فى 15 مارس ،1989 ورفع العلم المصرى عليها فى 19 مارس من نفس العام.