في تحليل عميق نشرته مجلة فورين بوليسي، تتجلى صورة مقلقة عن مستقبل الاقتصاد الأمريكي من خلال دراسة الأزمة الاقتصادية البطيئة التي تعصف بالبرازيل، إذ كشف المقال عن تشابه مثير للقلق بين المسارين الاقتصاديين للبلدين، حيث تواجه البرازيل حالياً تحديات مالية كبيرة قد تكون بمثابة نظرة استشرافية لما ينتظر الولاياتالمتحدة. في البرازيل، يواجه الرئيس لولا دا سيلفا، في منتصف ولايته الثالثة غير المتتالية، أزمة اقتصادية متفاقمة، وتشير فورين بوليسي إلى أن العملة البرازيلية (الريال) شهدت انخفاضاً حاداً، حيث فقدت ما يقرب من 15% من قيمتها أمام الدولار في أوائل يناير مقارنة بأكتوبر السابق. كما تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة البرازيلية (إيبوفيسبا) بنسبة 10% خلال نفس الفترة، في حين تأتي هذه التطورات في أعقاب إعلان حزمة تعديلات مالية لم ترق إلى مستوى التوقعات. ويوضح تحليل فورين بوليسي أن الأزمة البرازيلية تختلف عن الأزمات التقليدية في أسواق الدول الناشئة، إذ أن الدين السيادي البرازيلي مقوم بشكل رئيسي بالعملة المحلية، وعلى الرغم من اتساع العجز في الحساب الجاري، تمتلك البلاد احتياطيات أجنبية كبيرة تحميها من مخاطر نفاد الدولارات، إلا أن المشكلة الأساسية، كما يشير المقال، تكمن في السياسة المالية غير المنضبطة - وهو نمط يشبه بشكل مقلق الوضع الحالي في الولاياتالمتحدة. وفي تطور لافت، يكشف التحليل أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في البرازيل ارتفعت من حوالي 50% قبل عقد إلى ما يقرب من 80% حالياً. وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي التي أوردها المقال، يشكل الإنفاق الحكومي البرازيلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك نفقات الفوائد، أكثر من 45% في عام 2022، وهو معدل مرتفع مقارنة بدول أمريكا اللاتينية الأخرى. وفي السياق الأمريكي، يشير المقال إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تواجه تحديات مماثلة، إذ انه منذ عام 2019، ارتفع الدين الأمريكي بمقدار 11 تريليون دولار، مما يمثل زيادة بنحو 20 نقطة مئوية في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وتزداد المخاوف مع أجندة ترامب الحالية التي تتضمن خفض الضرائب وزيادة الإنفاق على الدفاع وتعزيز إجراءات مراقبة الهجرة، مما قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط على الميزانية الفيدرالية. ويحذر تحليل فورين بوليسي من أن تجربة البرازيل تقدم درساً مهماً للولايات المتحدة، إذ أدى فقدان الثقة في الاستدامة المالية في البرازيل إلى حلقة مفرغة من ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف خدمة الدين وتوقعات التضخم المتزايدة. وتشير المجلة إلى أن المستثمرين في الأسواق قد بدأوا بالفعل في الأخذ بعين الاعتبار احتمالية أن تضطر الولاياتالمتحدة إلى خفض القيمة الحقيقية لديونها من خلال السماح بمعدلات تضخم أعلى، مشابهة لما حدث في 2021 و2022. والأخطر من ذلك، كما يؤكد المقال، أن المخاطر لا تقتصر على ارتفاع أسعار الفائدة أو التضخم فحسب، فتراجع الثقة في الاستدامة المالية للولايات المتحدة قد يقوض فعالية السياسة النقدية وقدرة البلاد على الاستجابة للأزمات المستقبلية، مثل جائحة كوفيد-19 أو الأزمة المالية العالمية. وتشير الصحيفة ان هذا بدوره قد يضعف قدرة واشنطن على الحفاظ على دورها القيادي في النظام العالمي القائم على القواعد، ويزيد من تعقيد المشهد السياسي الأمريكي المضطرب أصلاً.