إن تماسك المصريين ووحدتهم هما العامل الأول والأهم فى الحفاظ على الدولة المصرية واستقرارها، لاسيما أن «الشعب» يلعب دورا رئيسيا في مواجهة وإفشال مخططات الفتنة ونشر الشائعات، وسط محاولات ضرب الثقة بين الدولة والمواطن وتشويه أى امر إيجابي يحدث على الأرض. واستهداف الجبهة الداخلية للدول يعد أحد أهم الأدوات التى تعتمد عليها مخططات الفوضى لذلك لابد من الحذر والعمل على تماسك الجبهة الداخلية لحماية الأمن القومي، وأول ما يجب أن نفكر به هو الاعتراف بأن جبهتنا الداخلية تعرضت ولا تزال لمحاولات اختراقها، والأمثلة عديدة ويطول ذكرها وشرحها، إلا أن السؤال الأهم الذى يفرض نفسه وبشدة هو: «ما المطلوب منا جميعا لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة وفي ظل تحديات كثيرة تواجههنا على مختلف الأصعدة؟!». الإجابات، ربما تكون متعددة، وفى الأغلب تركز على منظومة «جهوزيّة» الدولة بكافة مؤسساتها وإداراتها العامة والشعبية، وتنضوى تحت عناوين التعامل بطرق مختلفة حسب كل رؤيته، إلا أن جميع الرؤى تتفق على نقطة واحدة هى: «الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية»!.. صحيح، الجبهة الداخلية مهمة، والعمل على تمتينها وحمايتها وتحصينها ضرورة وطنية، لكن السؤال الأهم، هو : كيف نفعل ذلك بشكل عملى وسريع يواكب سرعة الأحداث؟!.. وفى هذه المرحلة، بالذات، لابد أن نصارح المصريين بالواقع والقادم، وأن نكاشفهم بما نريده وما يراد منا ولنا، ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى تلميحا وقولا فى أكثر من مناسبة «نحن دولة راسخة الهوية، ولن تكون خاضعة لسياسات لا تلبى مصالحها، أو تخرج عن مبادئها» يجب أن تصل رسائله لكل المصريين، وأن يشكل عنوانا مشتركا لأى خطوة فى المرحلة القادمة، ونقصد أن مسألة «الهوية المصرية» يجب أن تكون محسومة باتجاه واحد وهو «مصر»، مسألة مستقبل مصر الذى يخضع للمصالح العليا للدولة كأولوية تدور فى فلكها كل ما سواها من قضايا ومصالح أخرى. ◄ المصلحة الوطنية تقول الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن المصلحة الوطنية هى الالتفاف تحت راية الوطن، ولا يكون هناك مجال للنقاش أو التفضيلات، خصوصا فى الأزمات، لأن الوقت لا يسمح والمجال لا يتسع، ففيها تشتيت للوحدة والتصوب نحو خلاف الهدف، فالوضع فى الأزمات يستوجب القوة والحزم والحسم مع كل من أراد تشتيت الجبهة الداخلية وإضعاف تماسكها، أو صرف نظر أبناء المجتمع لأفكار وآراء مخالفة للهدف التى تسعى لتحقيقه القيادة، أو السعى نحو تمييع الفكر المجتمعي المتماسك بالمبادئ والأفكار والإرث التاريخى، مُضيفة أن الأزمات تحمل معها الكثير من الناعقين والمرجفين والمغررين والمشتتين والخادعين ومن يلبس ثياب اللين والتباكى تحت أى مسمى وأى عنوان، والقصد كله التخذيل وتفتيت الوحدة، ومن هذه الشائعات الكاذبة والمغرضة والحاقدة والمخذلة والمشككة والمربكة التى تبث عبر وسائل الإعلام المختلفة. أضافت، أن سببا آخر لتماسك الجبهة الداخلية هو أن المواطن المصري لا يساوم على وحدة الوطن وأمنه واستقراره، وحتى عندما نختلف حول بعض القضايا فى الأوقات العادية، فإن مصلحة الوطن مقدمة على كل الاختلافات فى الأوقات الحاسمة، ولم نجد أو نسمع مصريا مخلصا يستغل الأزمات لمساومة وطنه أو تحقيق مكاسب خاصة، فالجميع يؤيد القيادة ويقف معها بشكل كامل، وسبب ثالث يتمثل فى أن الشعب المصرى لن يسامح من يخذل وطنه فى وقت الشدائد، أو يقف مواقف ضبابية أو يسوق المبررات أو يقوم برفع شعارات الهدف منها المزايدة على مواقف الدولة، ونقول لمن تسول له نفسه فعل ذلك أن ذاكرتنا قويه ولن نسامح من وقف ضدنا مهما طال الزمن.. ولا بد من الإحساس بوحدة الهدف والمصير لتحقيق التكيّف مع حالة التماسك الداخلى. ◄ اقرأ أيضًا | باحثة بمرصد الأزهر: الشائعات الإلكترونية تهدد استقرار المجتمعات ◄ قلب رجل واحد أما الدكتور فتحي الشرقاوي، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، فيقول إن المرحلة الجديدة يكتنفها العديد من المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا سبيل للتغلب عليها إلا باجتماع المصريين جميعهم على قلب رجل واحد، ولو تمعنا إجرائيا وعمليا كيف يمكن تعزيز وتعضيد «الوحدة الوطنية»، لوجدنا الإطار التطبيقي التالي، أولًا.. لغة الخطاب الديني، فلابد لرجال الدين الإسلامي والمسيحي من البدء بتكثيف دعواتهم إلى أهمية إظهار الجوانب الروحانية الرامية للإخاء والمحبة والتسامح بين جميع المصريين، ومن شأن ذلك توحيد كلمتهم الرامية لنشر المحبة، والتى تعد بدورها احد جوانب القوة المجتمعية لمناهضة الإرهاب الفكري، الذى يستهدف وحدة المجتمع وتماسكه.. لابد إذاً من الارتقاء بلغة الخطاب الديني في المرحلة القادمة، وثانيًا.. لغة الخطاب الاقتصادى، فلاشك أن الأزمات الدولية والإقليمية تركت بصماتها على الجوانب الاقتصادية فى جميع أنحاء العالم، مما أدى فى المقابل إلى استغلال أعداء الوطن لتلك الأزمات لإثارة الأفراد ودفعهم للتمرد واتخاذ مواقف مناهضة لقياداتهم السياسية من أجل النيل من وحدة المجتمع، ومن هنا وجب تحقيق التعاون بين جميع أفراد المجتمع المصري بين فقرائه وأغنيائه لأهمية التكافل الاجتماعى الاقتصادى، والوقوف صفا واحدا أمام الدعوات المغرضة التى تحاول إيجاد الانقسام والتفرقة سواء بين الفقراء والأغنياء، أو بين جميع طوائف الشعب وقيادتهم السياسية. تابع: وثالثًا لدينا لغة الخطاب الإعلامي، فضرورة تحقيق التعاون بين أفراد المجتمع والرسائل الإعلامية الموجهة لهم، من حيث سعيها للبناء والاستناره ونشر الوعى الايجابى المجتمعى القومي، مع الابتعاد عن التطرق للقضايا التى من شأنها إثارة الرأى العام والتأثير على معنوياته والإقلال من إنجازاته الحقيقية على أرض الواقع، مُضيفًا أن نجاح القيادة السياسية فى تحقيق الأهداف المجتمعية السامية سواء محليا أو إقليميا أو دوليا ،لن يتحقق إلا بوجود جبهه داخلية قوامها القوة والاتحاد والتعاون بين جميع المصريين. ◄ تماسك الجبهة إن تماسك الجبهة الداخلية يمثل خط الدفاع الأول عن الأمن القومى فى ظل تصاعد المخاطر الإقليمية المحيطة بمصر فى ظل الأوضاع المتفجرة فى المنطقة، ومن هذا المنطلق يقول الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى، عضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولى، إن الأمر أصبح يتطلب يقظة شديدة وتعاونا وثيقا بين جميع مؤسسات الدولة والشعب، ومصر نجحت حتى الآن فى تجنب الانزلاق إلى أتون الصراعات الإقليمية. ويقول اللواء الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، نائب رئيس حزب المؤتمر، إن التوترات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط فى الوقت الراهن تعكس حالة من التحديات المركبة التى تواجه الدول والشعوب، وهذه التوترات ليست وليدة اللحظة، وإنما هى نتاج مخططات تستهدف إضعاف استقرار المنطقة عبر استغلال الصراعات الإقليمية، وتنامى النزاعات المسلحة، ومحاولات زرع الفتنة الداخلية. مضيفًا أن استهداف الجبهة الداخلية للدول يعد أحد أهم الأدوات التى تعتمد عليها هذه المخططات، وزعزعة الاستقرار الداخلى وخلق الانقسامات المجتمعية والتشكيك فى كل شىء يعملون كوقود لتغذية الأزمات، وبالتالى فإن الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية يمثل الركيزة الأساسية لحماية الأمن القومى، وهو بمثابة حائط الصد فى مواجهة التحديات المتزايدة. أضاف، أن التجربة المصرية في التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية تقدم نموذجا رائدا فى تعزيز وحدة الصف الوطنى، حيث استطاعت مصر أن تتجاوز مراحل صعبة من محاولات التأثير على نسيجها المجتمعى واستقرارها السياسى، وكان دور القيادة السياسية واضحا حيث تبنت سياسات تعزز التلاحم بين أبناء الشعب المصرى، مع التركيز على بناء مؤسسات قوية قادرة على مواجهة الأزمات بكفاءة، وقال إن تماسك الجيهة الداخلية ليس فقط واجبا أخلاقيا أو التزاما سياسيا، لكنه أيضا استراتيجية فعالة لحماية الدول من التدخلات الخارجية التى تسعى لإضعافها وتعزيز الوعى المجتمعى بخطورة هذه التحديات يلعب دورا محوريا فى التصدى لأى محاولات تستهدف تفتيت الجبهة الداخلية، ومن هنا نشدد على أهمية دور الإعلام والمؤسسات التعليمية والدينية فى بناء هذا الوعى.. واختتم قائلًا: «لابد من ضرورة التكاتف الداخلى والعمل بروح الفريق لمواجهة التحديات الراهنة، والشعب المصرى بمختلف فئاته قادر على تجاوز أى أزمات ما دام محافظا على وحدته وتماسكه»، مشيرا إلى أن مصر كانت وستظل نموذجا للصمود أمام المخططات التى تستهدف استقرار المنطقة. ◄ مواجهة الشائعات إن أخطر ما يواجه تماسك الجبهة الداخلية هو «الشائعات» والأكاذيب التي تهدف الى تفتيت الداخل المصري، وهى الاستراتيجية التي تحذر منها الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها، والتى توضح قائلة: إن الشائعات أنواع، ومنها العشوائى والمنظم، والأخير تقف وراءه أجندات للجماعات الإرهابية أو لأشخاص أو دول، وتلك الشائعات تؤثر على اقتصاد الدول وتتسبب في أزمات سياسية واجتماعية فى مختلف جوانب الحياة، مشيرًا إلى أن انتشار الشائعات يأتى بسبب حالة الجهل التكنولوجى وغياب الثقافة الوطنية الواعية بقيمة الكلمة وأمانة النقل للمعلومة، فالإحصائيات والمؤشرات التى تخبرنا بها المراكز الإحصائية عن الشائعات تكشف أنّنا نعيش حالة مأساوية شديدة الخطورة تستلزم الاستنفار العام من الجميع، لإنقاذ الوطن والمواطن على السواء من الوقوع فريسة لتلك الكتائب الإلكترونية، والمطلوب إعادة تأهيل فئات المجتمع خاصة الشباب والنشا وعدم تركهم فريسة لوسائل التواصل الاجتماعى المملوءة بالأهداف الخبيثة، حتى لا يجنى المجتمع فئات مصابة بالتفخيخ العقلى الكاره للوطن، ما يسهل انفجارهم بالشائعات والأكاذيب التى تخدم أعداء الوطن.