احتفل أمس محبو الزعيم الخالد جمال عبد الناصر فى مصر والوطن العربى وبعض الدول الإفريقية بذكرى ميلاده، و«الأخبار» تضيء للزعيم الذى غيَّرَ مسار التاريخ 107 شمعات تقديراً لوطنيته وإخلاصه لمصر والشعوب التى ساعدها لنيل حريتها واستقلالها، نحتفى بزعيم خرج من رحم المؤسسة العسكرية المصرية التى خدم بين صفوفها وشرب عقيدتها وحمل شرف جنديتها، القدر كتب ميلاده فى ظرف تاريخى محدد ليقود ثورة مع زملائه فى تنظيم الضباط الأحرار لخلاص مصر من الفساد والاحتلال والاستعباد، عبد الناصر هو الحاضر الغائب بالجسد لكنه ما زال يتربع داخل قلوب الملايين، نحتفى بميلاد «ناصر» صاحب الكاريزما السياسية التى جعلت أعداءه يشهدون له قبل أصدقائه، أنجز وأخفق وترصده أعداء مصر لكى لا يكون «محمد على» جديداً، وتقييم تجربته متروك للتاريخ، له ما له وعليه ما عليه، واليوم نحتفى بعبد الناصر.. الفكرة والرمز. قبل أن يجيء جمال عبد الناصر للدنيا فى 15 يناير 1918، توفى السلطان كامل حسين فى 9 أكتوبر 1917، واعتذر ابنه كمال الدين حسين عن تولى السلطنة التى ذهبت للأمير فؤاد الأول الذى عهد لحسين رشدى باشا بتأليف الوزارة فى 10 أكتوبر 1917 قبل أن يُولد جمال بشهرين.. واستمرت حتى أبريل 1919 وضمت فى تشكيلها : إبراهيم باشا فتحى وزيراً للأوقاف، وأحمد زيور باشا وزيراً للحربية والبحرية، وأحمد حلمى وزيراً للزراعة، وإسماعيل سرى وزيراً للأشغال العمومية، وحسين رشدى باشا وزيراً للداخلية، وعبد الخالق ثروت باشا وزيراً للحقانية، وعدلى يكن باشا وزيراً للمعارف العمومية، ويوسف باشا وهبة وزيراً للمالية، ووقتها صرفت حكومة المملكة المصرية من خزائنها 3.5 مليون جنيه استرلينى لمصلحة بريطانيا منذ بداية الحرب، استقالت الوزارة نتيجة تصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية بقيادة حزب الوفد الذى كان يرأسه سعد زغلول باشا ضمن أحداث ثورة 1919 التى أشعلتها سياسات الاحتلال البريطانى بتغلغله فى شئون الدولة. اقرأ أيضًا| «نصير الغلابة».. 107 أعوام على ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر وُلد جمال عبد الناصر فى 15 يناير 1918 فى المنزل رقم 12 بشارع قنوات بحى باكوس الشعبى بالإسكندرية، أسرته تنتمى لقرية بنى مر بمحافظة أسيوط، والده موظف بسيط بمصلحة البريد بالإسكندرية، وتعالوا بنا لنتعرف على دفتر أحوال المملكة المصرية وقت ميلاد الطفل جمال عبد الناصر الذى أطلق صرخته الأولى مثل كل المواليد فى ظل أجواء الحرب العالمية الأولى التى انتهت فى 11 نوفمبر 1918 عقب ولادته بعشرة شهور إلا 4 أيام، وقت ولادته طغى ازدياد النفوذ الأجنبى فى البنوك والمصانع والمتاجر على الاقتصاد، وهبط سعر القطن هبوطًا كبيرًا إلى ما يعادل 1.60 جنيه مصرى بعد أن كان سعره 4 جنيهات قبل الحرب، وتوقفت البنوك عن التسليف على القطن، وبدأت البنوك العقارية فى المطالبة بأقساطها، واستعملت الحكومة القسوة فى جمع الضرائب، مما دفع الكثيرين إلى بيع أقطانهم بأدنى سعر، وبيع المصوغات والماشية والاستدانة من المرابين لسداد بقية المال المطلوب، وسُمِح للبنك الأهلى بإرسال رصيده من الذهب إلى لندن وإعفاء الأوراق النقدية من الغطاء الذهبى. وُلد جمال فى ظل غلاءٍ فاحش تأثرت به كل الطبقات، ومنحت حكومة المملكة علاوة للموظفين لمواجهة هذا الغلاء، مع رفع أجور النقل بالسكك الحديدية ليصل مقدار الزيادة ل 100%، وألغت عقود التصدير وحصرتها فى عددٍ محدود من شركات التصدير الأجنبية، وخسرت مصر فى عام 1918 الذى وُلد فيه الطفل جمال 32 مليون جنيه بسبب هبوط سعر القطن، وخلال عامى 1918 و1919 اتسع نطاق الحراك الوطنى ليشمل طبقاتٍ كانت بمعزل عنه كالموظفين والفلاحين وطبقة الأعيان والنساء. اقرأ أيضًا| «نصير الغلابة».. 107 أعوام على ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر تلك كانت صورة مصر وقت ميلاد جمال عبد الناصر، أما سيرته ومسيرته الحياتية والعملية فهى مدونة فى كتبٍ ومجلدات ومواقع إليكترونية كثيرة جداً خلدت اسمه وعددت إنجازاته وانتصاراته وإخفاقاته والمؤامرات التى تعرض لها. «أمير الصحافة» يكتب عن الأسطورة جمال عبد الناصر فى أسواق تونس والرباط والدار البيضاء وبغداد ودمشق وجدة والرياض، ومدن إفريقيا وآسيا وأدغال القارتين ومجاهلهما يتحدث الناس عن جمال عبد الناصر كأنه أسطورة من الأساطير. فتى يخرج من قرية فى ريف مصر ليقود ثورة شعب، كانت الثورة الأولى من نوعها فى التاريخ، ثورة بيضاء لم تسل فيها قطرة دم واحدة، ومع ذلك فقد أسقطت ملكًا، وحطمت تاجًا، وحطمت معه حكم الإقطاع ودولة الفساد، واستدار الفتى الزعيم إلى الغاصب المحتل فأجلاه عن البلاد، وهكذا حقق لشعبه أمنية نيف وسبعين عامًا، ثم وقف وقفته المشهورة فى وجه العدوان الثلاثى، يوم رفض الإنذار الفرنسى - البريطانى وأعلن «سوف أقاتل الى آخر قطرة من دمى» وقال العالم: إن عبد الناصر ينتحر، وقال الأصدقاء والمشفقون: لا حول ولا قوة إلا بالله ! هل تكون هذه هى نهاية الزعيم المأمول؟! يومئذٍ استجاب الشعب لنداء زعيمه الفتىّ، والتف حوله كما لم يلتف شعب من قبل حول زعيم، وسرت الحماسة فى نفوس العرب وفى جميع أقطارهم، وتجلت حقيقة أن الوحدة العربية قائمة رغم الحدود المُصطنعة واختلاف الحكومات، وكانت هذه آيته الأولى.. وكانت آيته الثانية يوم أن نادى بالقومية العربية وأهاب بالأمة أن تنهض من سُباتها، وتُطالب بحقوقها كاملة فى الحرية والاستقلال والعزة والكرامة، وقال يومئذ المستعمرون وأبواقهم: «عبد الناصر يحض الشعوب على التمرد والثورة»، كانت فعلاً وحقًا ثورة أخرى يقودها عبد الناصر، ثورة شعب مصر، وثورة الأمة العربية التى تجلت فى الجزائر وسوريا والعراق وعمان وغيرها من الأقطار العربية، وأعلن الزعيم الفتىّ أن الحرية والاستقلال والعزة والكرامة حق لكل شعبٍ، وأنه وبلاده يقفون الى جانب كل شعب يطالب بحقوقه، وراح يعمل فى هذا السبيل، حتى جعل من القاهرة كعبة تحج إليها وفود وزعماء الشعوب المناضلة، وقالت صحف العالم يومئذ: إن «ناصر» لم يعد زعيم مصر وحدها، بل أصبح زعيماً للأمة العربية لأنه المُترجم الأمين لأمانيها وآمالها.. والمدافع المناضل عن حقوقها. ثم كان أن نادى بعدها بسياسة عدم الانحياز لتخفيف حدة التوتر الدولى بين الكتلتين المتنازعتين، وجاء اجتماع بريونى فى يونيو عام 1956، أول اجتماع لأقطاب الحياد الثلاثة تيتو وعبد الناصر ونهرو، وطلع الثلاثة بقراراتهم المشهورة حول عدم الانحياز وسياسة التعايش السلمى. وأصبح الأقطاب الثلاثة.. أربعة ثم أصبحوا خمسة.. بانضمام سوكارنو وكوامى نكروما، ولأول مرة فى التاريخ يخرج من صلب الأمة العربية زعيم عالمى بكل ما فى هذه الكلمة من معنى وقيمة، زعيم لا يتحدث بلسان شعبه فحسب، ولا بلسان أمته العربية فحسب، ولا بلسان قارة إفريقيا التى بلاده جزء منها، ولكنه يتحدث بلسان شعوب آسيا وإفريقيا ولسان كل شعبٍ يطالب بحقه فى الحياة العزيزة الكريمة، زعيم عالمى يحبس العالم أنفاسه وينصت إليه عندما يتحدث، وتتسابق صحف العالم لتنشر أقواله فى صفحاتها الأولى، زعيم عالمى نال من اهتمام الصحف واهتمام الجماهير ما لم ينله زعيم آخر سواه، وأجمع المُراقبون على أن خطاب زعيمنا الرئيس كان رائعًا فى اتزانه، رائعًا فى حياده، رائعًا فى مقترحاته الإيجابية البناءة. ولهذا قُوبل الخطاب بالتصفيق الحاد من الأصدقاء والخصوم على حدٍ سواء، لأن زعيمنا الفتىّ نجح فى أن ينقل إيمانه إلى صدور سامعيه، واستطاع زعيمنا جمع أطياف الحياد على مشروع قرار يتقدمون به إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يُترجم آمال الشعوب وأمانيها فى وضع حدٍ للحرب الباردة بين كتلتى الغرب والشرق ونزع السلاح ووضع أسسٍ لسلام دائم لكى يتنفس العالم الصعداء ويختفى شبح الحرب، وتنصرف الشعوب إلى البناء والتعمير، وكان المشروع وليد جهود ومساعٍ متواصلة بذلها عبد الناصر منذ ساعة وصوله إلى نيويورك، حتى إن صحف أمريكا قالت: إن «ناصر» هو أنشط زعماء العالم جميعًا، راح يقابل هذا ويستقبل ذاك من زعماء وساسة العالم، ويتحدث مع رؤساء الحكومات ورؤساء الوفود، إلى أن تبلورت فكرة مشروع القرار الذى وافق عليه أقطاب الحياد، وسيكون أول حجر فى معالم الطريق المؤدى الى السلام المنشود. وبعد.. لقد كان جمال عبد الناصر زعيمًا أو سفيرًا يتحدث باسم مصر، ثم أصبح بعدئذٍ «سفيرًا» يتحدث باسم الأمة العربية، وسفيرًا يتحدث بلسان جميع شعوب الأرض التى تُطالب بالحرية والسلام والأمان والإخاء لكافة الشعوب. «آخر ساعة» - 5 أكتوبر 1960 أم كلثوم واللقاء الأول مع الضابط جمال كانت سيدة الغناء العربى أم كلثوم من أشد المحبين للزعيم جمال عبد الناصر الذى أعاد أغانيها للإذاعة عندما أوقف بثها الضابط الذى عُين لإدارته واعتبر أغانيها مثل النظام البائد، وعندما علم عبد الناصر بالقصة من الكاتب الكبير مصطفى أمين أمر هذا الضابط بإعادة أغانى «الست» للبث وهو يقول له: « نهد بقى الأهرامات لأنها من العصر البائد !!»، وكان الرئيس عبد الناصر يقدر أم كلثوم حق قدرها، ويعرفها قبل قيام الثورة وقبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، وتكشف لنا أم كلثوم معرفتها بجمال عبد الناصر فى مقال نشرته فى ذكرى رحيله الأولى بمجلة الهلال بعنوان «كيف عرفت عبد الناصر ؟». نقتبس منه السطور التى تقول فيها : «أتذكر المرة الأولى التى رأيت فيها الضابط جمال عبد الناصر، كان ذلك فى عام مأساة فلسطين سنة 1948 حين هبت مصر للذود عن الأرض السليبة وذهب الجيش إلى هناك وكان على أبواب النصر، لولا أن دبرت له الدول الكبرى المؤامرة التى انتهت بخدعة الهدنة الأولى ثم الثانية فانقلب النصر إلى هزيمة، وحوصر أبناؤنا فى «الفالوجا» حصاراً قاسياً مريراً أبدوا خلاله ألواناً أسطورية من البطولات، وكنت أتتبع أخبار أبطال الفالوجا يوماً بيوم وساعة بساعة وقلبى يخفق لهم فى كل لحظة.. اقرأ أيضًا| ساعة «عبد الناصر» تتخطى 42 مليون جنيه بمزاد عالمي ويضرع إلى الله أن يؤيدهم فى صمودهم العظيم إلى أن يردهم إلينا سالمين، واستجاب الله الدعاء، وعاد أبطال الفالوجا إلى القاهرة وعلى رأسهم: القائد البطل المرحوم السيد طه الذى اشُتهر باسم «الضبع الأسود» ودعوتهم جميعاً إلى حفلة شاى فى بيتى، واستقبلت الأبطال بدموع المصرية الفخورة بأبناء مصر وجلست بينهم وأنا أشعر أنهم من صميم أسرتى». وتضيف أم كلثوم: «أتذكر يومها أننى أقمت لهم فى حديقة البيت محطة إذاعة صغيرة تذيع عليهم ما يطلبون من أغنياتى، وأخذ السيد طه يقدم لى ضباطه وجنوده واحداً واحداً ويحدثنى عن بطولاتهم، وكان فى مقدمتهم: الضابط الشاب جمال عبد الناصر الذى شددت على يده وأنا أصافحه وأتأمل ما يتألق فى عينيه من بريق الوطنية وحدّة العزم وعمق الإيمان، وكان هذا هو أول لقاء لى بجمال قبل أن يلعب دوره التاريخى فى حياة مصر بأربع سنوات، ويأتى اللقاء الثانى يوم 23 يوليو 1952 حين اتصل بها ابن شقيقتى الضابط بسلاح الإشارة وأخبرنى بقيام الثورة وكنت يومئذ اصطف بالإسكندرية فهرعت إلى الراديو وسمعت أنور السادات يبشر الناس بقيام الثورة، ونهضت على الفور واتجهت إلى مطار الإسكندرية، نزلت من الطائرة وذهبت رأساً إلى إدارة الجيش بكوبرى القبة لأهنئ الأبطال الثائرين على الظلم والبغى والطاغوت، وكنت أتصور أننى لن أعرف منهم أحداً، ولكننى عندما قلبت عينى فى وجوه هؤلاء الأبطال تبينت أننى أعرف من بينهم وجوه أبطال الفالوجا الذين احتفيت بهم فى بيتى، وفى طليعتهم وجه الضابط جمال عبد الناصر، وتصافحنا للمرة الثانية وقد ازداد فى عينيه هذه المرة بريق الإصرار على النصر، وعدت إلى بيتى واتصلت بالأستاذ أحمد رامى ليعجل بنظم تحية أقدمها للثورة، فنظم أغنية «مصر التى فى خاطرى وفى فمى.. أحبها من كل روحى ودمى». أم كلثوم «الهلال» - أكتوبر 1971 بالأدلة.. أنيس منصور لم يكن يكره «ناصر» جلس أنيس منصور فى بيته 9 شهور كاملة بعد نشر مقال «حمار الشيخ عبد السلام» الذى علق به على مسرحية «السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم وروى حكاية العز بن عبد السلام قاضى القضاة الذى كان يضطهد العبيد.. ويرى أنه لا يحق لهم أن يكونوا أحرارًا، وعندما وقف بحماره على حدود مصر، قالوا: إن العز يمثل العلماء، والحمار نيابة عن الشعب، وقيل: إن أجهزة الأمن حللت المقال وتوصلت إلى أن أنيس يقصد بهذا المقال شخص الرئيس عبد الناصر، وبناء عليه تم إيقاف أنيس عن الكتابة وسُدت فى وجهه كل أبواب الرزق، وعاد للكتابة بوساطة من صديقه أنور السادات، فهل كره أنيس الرئيس عبد الناصر بسبب ما تعرض له، وترجم كراهيته فى انتقاداتٍ واتهامات صعبة له بعد رحيله فى كتابه «عبد الناصر المُفترى عليه والمفترى علينا»؟ لا شك أن ما تعرض له أنيس ترك فى نفسه غُصة، لكنه كتب مقالاً يوم رحيل عبد الناصر فى «مواقف» تؤكد كلماته أنه لم يكن كارهاً لعبد الناصر بدليل أنه يقول : «وفاة عبد الناصر هى أقسى امتحان وأقسى من النكبة والنكسة لأنها سوف تؤدى إلى نكبات نفتقر فيها إلى جمال عبد الناصر مفكرنا وزعيمنا ومنقذنا وجامع شمل الأمة العربية.. فاللهم رحمتك ولطفك بنا من بعده، عرفنا به ومعه وبفضله وعقله أعظم أيام حياتنا وأروع صفحات تاريخنا، وإذا حدثت له نكسة فى طريق نضاله ونضالنا فأين هو الفارس الذى لا يتعثر وأين هى الشمس أو القمر الذى لا يعرف الكسوف أو الخسوف ؟». اقرأ أيضًا| كنوز| 100 شمعة لفيلسوف «الأخبار».. خدعنا بعدائه للمرأة فصدقناه! وقبل تشييع عبد الناصر بيوم كتب مقالاً آخر يقول فيه : «تفجرت دماء الأشقاء فى الأردن، وانهمرت الدموع من كل عين.. وفزع الملوك والرؤساء إلى جمال عبد الناصر الأخ الأكبر، الزعيم والعقل المتزن، واتفق المختلفون وتلاشى الدخان وخمدت النيران وجفت الدماء.. وحمدنا الله على أن الأمة العربية اجتازت المحنة، وفجأة انفجرت النار فى القلوب والدماء فى العيون والدخان فى العقول، لقد مات جمال عبد الناصر فجأة وبلا مقدمات». وبعد 14 يوماً من تشييع جمال عبد الناصر كتب مقالاً يقول فيه : « يجب أن نحول الدموع إلى قطرات العرق لكى نحفظ ما تركه لنا عبد الناصر، وما تركه ليس قليلاً فى كل مجال، كان جمال عبد الناصر واجهة شريفة مشرفة لمصر وللعالم العربى، كانت مصر صغيرة أصبحت كبيرة، وكانت واحدة من الدول فجعلها قاعدة للحرية ومطاراً للثورات وحصناً أميناً لكل صاحب رأى وصاحب فلسفة، ومن دخلها فهو آمن على نفسه وعلى رأسه، والذى حققته مصر فى عهد عبد الناصر كان عظيماً، فقد استطاع بكفاحه وعقله أن يُجنِب مصر الكثير من الويلات التى عانتها الشعوب، فلم نعرف الجوع والعطش ولم نعرف الحرمان، والفراغ الهائل الذى تركه عبد الناصر ليس من السهل أن نملأه فى يوم وليلة». تلك الكلمات التى تصعد بعبد الناصر لعنان السماء قليل من كثير كتبه أنيس فيه، فهل من يكتب هذه الكلمات يكون كارهاً لجمال عبد الناصر؟. «كنوز» «الناصرية» فى مرآة صاحب «شخصية مصر» اختلف الكتاب والنقاد والساسة وأصحاب الأيديولوجيات المختلفة حول الرئيس جمال عبد الناصر كزعيمٍ مُلهِم لمذهب الناصرية التى أصبح لها أتباع ومناصرون ومعارضون فى مصر والمنطقة العربية، لكن العلامة د. جمال حمدان صاحب كتاب «شخصية مصر»، يفض هذا الاشتباك بقوله : «لم تكن الناصرية لغزًا أو طلسمًا أو فلسفة غامضة محلقة معقدة.. ولعلها شعار كبير رنان لمبدأ بسيط أولى وهو «مصر كما ينبغى أن تكون»، «مصر المثالية». ويقول د. جمال حمدان: إن الناصرية ببساطة، هى مصر العظمى، وهى مصر الطبيعية وكل مصرى طموح يريد صالح مصر قوية عزيزة غنية مستقلة بكل ما يعنى، هو ناصرى قبل الناصرية وبعدها وبدونها.. ويقول عن جمال عبد الناصر : « عبد الناصر فى جوهره هو مجرد مسودة للمستقبل، بروفة، تجربة، مجرد بداية لا نهاية، وهو أول حاكم أو زعيم مصرى يكتشف جوهر شخصية مصر السياسية ويضع يده على صيغة السياسة الخارجية لمصر كما ينبغى فى التخطيط السياسى الأمثل، لم يخترعها بالطبع ولا كان هو أول من شخصها وتعرف عليها نظرياً، ولكنه كان أول من بلورها فكرياً ثم طبقها عملياً إلى أقصى حد فنقلها من الفكر السياسى إلى التطبيق السياسى، أو السياسة التطبيقية.. اقرأ أيضًا| أنيس منصور: الدنيا ملاهي وتلاهي ! ومن هنا كان أول زعيم مصرى «جغرافي»، ولا ننسى أن دوائره الثلاث هى صيغة جغرافية تضع خريطة جيوبوليتيكية أصيلة، ومن هنا فإن الناصرية ليست مجرد نظرية خاصة أو نظرة شخصية ولكنها ليست أكثر أو أقل من مجمل الإستراتيجية العليا والخطة العظمى والفكر السياسى لوجه مصر السياسى فى العالم كما ينبع من طبيعة أرضها ووضعها وموقعها وكتعبير استراتيجى عن شخصية مصر الكامنة». من كتابات «جمال حمدان»