سميحة شتا وأسماء حجاج لن نقول إن 2024 عام الانكسارات العربية، فما يحدث فى ملف الصراع العربى الاسرائيلى يمثل مرحلة من نضال طويل قد تكون اسرائيل قد حققت فيه نجاحات بشكل مرحلى وحققت فيه انجازات تكتيكية ولكنه جولة من مواجهة طويلة مستمرة منذ 75 عاما. وفى هذا الملف حول حصار عام 2024 الذى يغادرنا بعد أيام قليلة محاولة لرصد ما يجرى على صعيد عدد من الدول العربية وكلها ملفات مفتوحة مثل ليبيا التى عانت كثيرا من الانقسامات الداخلية ولكنها بعد حوالى عشر سنوات تسير باتجاه تحقيق مصالحة وطنية، وكذلك السودان الذى يعيش مأساة إنسانية حقيقية بعد الصراع العسكرى بين قوات الجيش الوطنى السودانى وقوات الدعم السريع يدفع ثمنها الآلاف من المدنيين.. ولا يختلف الأمر عن بقية الساحات الخمس فى فلسطين حيث اسرائيل مستمرة فى عدوانها على قطاع غزة حيث نالت الى حد ما من قدرات المقاومة الفلسطينية. أما فى لبنان فقد شهدت جبهات المواجهة هدنة من طرف واحد مع حزب الله ولكن الطريق انفتح امام تنفيذ القرار الدولى 1701 وفى سوريا التى سقط فيها نظام بشار الأسد فى مفاجأة العام فقد استثمرت إسرائيل تلك الظروف لإنهاء قدراتها..وكذلك الوضع فى العراق واليمن. وهذه محاولة لمزيد من التفاصيل.. وكأن عام 2024 الذى يغادرنا غير مأسوف عليه لايريد أن يترك الشعب الفلسطينى سوى بمزيد من الألم وكانه لم يكتف بشلال الدماء الزكية التى سالت على كل البقاع الفلسطينية فى قطاع غزة والضفة الغربية ومدينة القدس وكأنه لايريد له حتى الفرحة المحدودة والبسيطة بتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية بعد اجتماعات ماراثونية شهدتها القاهرة بين كافة الفصائل للاتفاق على برنامج وطنى واحد لمواجهة التهديدات والتحديات الأصعب وغير المسبوقة التى تواجه القضية الفلسطينية فى ظل عدوان إسرائيلى هو الأطول والأشرس منذ أكتوبر من العام الماضى حيث يعيش مخيم جنين كابوسا صعبا من مواجهات عسكرية بين قوات الأمن الفلسطينى وكتائب سرايا القدس التابعة لتنظيم الجهاد الإسلامى والتى بدأت فى الخامس من ديسمبر الحالى فى تكرار لمشهد تم فى إبريل وفى سبتمبر الماضى حيث بدأت السلطة عملية أطلقت عليها «حماية وطن»، حيث تتحدث السلطة عن أن الهدف هو ملاحقة الخارجين عن القانون ونزع سلاحهم وبسط السيطرة على المخيم فى ظل مخاوف من السلطة من مخطط لنشر الفوضى فى الضفة وصولا إلى تقويضها وإعادة احتلالها وأنها لن تسمح بتكرار ماحدث فى غزة. وقال وزير الداخلية زياد هب الريح إن «الأجهزة الأمنية تسعى لدفع الشباب للالتزام بالقانون والبرنامج الوطنى الفلسطينى فى ظل التغيرات الراهنة فى المنطقة، بينما ترى الكتبية أن الهدف هو ملاحقة المقاومين ونزع سلاحهم وتقول إنه موجه للاحتلال الإسرائيلى وليس ضد السلطة الفلسطينية. ولعل هذا التطور المحزن سيؤثر بالسلب على التوافق الذى سعت إليها مصر للانتهاء من لجنة إدارة قطاع غزة فور وقف إطلاق النار وحقق بالفعل نجاحا عبر التوصل إلى اتفاق حول كافة التفاصيل الخاصة بعملها وتشكيلها حيث ستضم مابين 10 إلى 15 عضوا من الكفاءات من المستقيلين تملك الخبرات والقدرات والتخصصات المتنوعة ومهماتها تقديم كافة أنواع الخدمات والاحتياجات لمواطنى القطاع ومعالجة آثار الحرب والإشراف على عمليات الإغاثة وتشرف على منافذ القطاع كما كان متبعا قبل أكتوبر 2023 وتشكيل صندوق دولى لإعادة الإعمار وهى تتبع النظام السياسى فى الضفة ولا يؤدى تشكيلها إلى فصل غزة عن باقى الاراضى الفلسطينية، مرجعيتها الحكومة والهيئات الرقابية التابعة للسلطة. وهى تنتظر توقيع الرئيس محمود عباس لبدء عملها بالتنسيق مع رئيس الحكومة الفلسطينية الدكتور محمد مصطفى. ولم يختلف هذا العام عن سابقيه سوى فى ارتفاع حجم المأساة الإنسانية التى يعيشها قطاع غزة، حيث ارتفع عدد الضحايا إلى 47 ألفا وعشرات الآلاف من الجرحى وآلاف المفقودين تحت الأنقاض واعتقال 12 ألفا مع نسف مربعات سكنية كاملة ومسح مناطق سكنية من على الخريطة فى مخيم جباليا ومدينة رفح. وقد وصل ركام الهدم إلى 60 مليون طن تحتاج إلى عشرات السنين لمجرد إزالتها وعقود طويلة لإعادة الإعمار مع نزوح حوالى مليون و900 ألف فلسطينى وتدمير هائل للبنية التحتية وانخفاض حاد فى الناتج المحلى فى الضفة وصل إلى 23 بالمائة وفى قطاع غزة 86 بالمائة و91 يعانون من انعدام الأمن الغذائى الحاد وخطر المجاعة مرتفع وقد كشف تقرير من البنك الدولى صدر منذ اقل من اسبوع عن ان العدوان يخلف أزمة غير مسبوقة. وقد تعددت المظاهر التى تدعو إلى الإحباط على الصعيد الفلسطينى خلال العام الحالى ومنها التراجع الواضح فى قدرات المقاومة الفلسطينية خاصة حركة حماس نتيجة استمرار المواجهات لأكثر من عام وثلاثة شهور واستخدام إسرائيل لكل قدراتها التدميرية فى هذا الإطار لدرجة أن الحركة لجأت خلال هذا الشهر إلى اتباع آليات جديدة فى المواجهة مثل استخدام أساليب تكتيكية جديدة مثل الطعن والعمليات الاستشهادية وهى آليات حرب العصابات ويعود ذلك إلى استهداف إسرائيل مخازن الأسلحة والصواريخ وتكشف التقارير أن حماس كانت تملك قبل العدوان الأخير مايزيد على 60 ألفا من الصواريخ كما خسرت معظم الأنفاق، كانت اسرائيل تعتقد أن حماس أقامت أنفاقا بحوالى 500 كيلو ولكن تقديراتها كانت خاطئة ووفقا لبعض التقارير فإن حماس خسرت 75 بالمائة من قدراتها القتالية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد استمرت سياسات إسرائيل الاستيطانية خاصة فى الضفة الغربية فى ظل خطة جاهزة وقديمة تحت اسم «الحسم » تهدف إلى ضم الضفة والتى سبق أن أقرتها الحكومة الإسرائيلية منذ سنوات بدعم وموافقة الرئيس المنتخب ترامب لحسم الصراع استراتيجيا والذى سبق إعلانه أنه أعطى تعليماته لبدء الاستعدادات لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة. وبتوافق مع عناصر اليمين المتطرف فى الحكومة ووزرائها مثل بن غفير وسموتريتش مع تكريس سياسة تسليح المستوطنين فى الضفة والقدس ويصل عددهم إلى 800 ألف والذى ساهم فى زيادة اعتداءاتهم على المواطنين ومنازلهم وممتلكاتهم وآخر إجراء خطير ما قام به وزير المالية بيسلئيل سموتريتش حيث أعلن عن مصادرة 23 ألف دونم من أراضى الضفة الغربية ويمثل الرقم الأكبر الذى يتم الإعلان عنه فقد وصل حجم ماصادرته إسرائيل منذ اتفاق أوسلو 50 ألف دونم تنفيذا لخطة تعمل عليها إسرائيل أعدها المجلس الإقليمى للمستوطنات لإضافة أربع مدن جديدة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على مناطق شاسعة. وقد ظهر واضحا أن العام الحالى الذى سينتهى بعد أقل من يومين من وجود صراع بين المجتمع الدولى وإسرائيل حول إقامة الدولة الفلسطينية باعتباره فى قلب إنهاء الصراع ففى 18 يوليو الماضى صوت الكنسيت على قانون يرفض إقامة الدولة الفلسطينية، كما أن هناك محاولة لتعديل قانون الاستفتاء الذى أقره الكنيست فى عام 2010 والذى ينص على ضرورة توافر أغلبية ثلثى الأعضاء أو إجراء استفتاء عام قبل أى انسحاب أو تنازلات فى الضفة والمياه الإقليمية. أما على الصعيد الدولى فاعتمدت الأممالمتحدة فى يوليو الماضى قرارا يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية الدولة باعتراف 142دولة، كما بدأت الدول العربية تحركا متميزا منذ سبتمبر الماضى بالسعى إلى تحقيق إجماع دولى للاعتراف بالدول الفلسطينة بالتنسيق مع عدد من الدول الأوروبية حيث تم عقد اجتماع شارك فيه عدد من وزراء الخارجية الأوروبيين بين مجموعة الاتصال العربية والإسلامية التى تم تشكيلها فى قمة جدة العام الماضى مع مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الاوربى جوزيب بوريل، ويبدو أن أوروبا تساهم بدور مهم فى هذا المجال فهناك ثلاث دول:إسبانيا والنرويج وأيرلندا سبق لها أن اعترفت بالدولة الفلسطينية فى 28 مايو الماضى، وكانت السعودية قد دعت فى سبتمبر الماضى إلى إطلاق تحالف دولى لتنفيذ حل الدولتين عقد اجتماعا له فى العاصمة الرياض، وفى نفس الإطار فقد تم الكشف عن توافق فرنسى سعودى أثناء زيارة ماكرون للسعودية فى 2 ديسمبر الحالى على ترؤس مؤتمر دولى فى نيوريورك فى يونيو القادم بشأن إقامة الدولة الفلسطينية وهو ما أكده مجلس الوزراء السعودى فى اجتماعه الأخير الأسبوع الماضى. اقرأ أيضًا | عام المتغيرات الكبرى والملفات المفتوحة العراق ..استهداف من الفصائل الشيعية لأمريكا وإسرائيل لا يزال الوضع الأمنى فى العراق طوال العام الحالى متوتراً وسط التداعيات الإقليمية للحرب بين إسرائيل وحماس، فبعد اندلاع الحرب فى 7 أكتوبر 2023، أثارت تلك الحرب جدلاً واسعًا حول العالم وأشعلت نيران المواجهة فى المنطقة، فظهر هناك المتضامن والمتعارض، وكانت فصائل المقاومة الإسلامية المدعومة من إيران -والتى تشكل جزءا من «محور المقاومة» فى جميع أنحاء الشرق الأوسط- ضمن المتضامنين مع فلسطين ضد إسرائيل، إذ بدأت بضربات متكررة بطائرات بدون طيار وصواريخ ضد إسرائيل وكذلك الأصول العسكرية الأمريكية فى المنطقة، كنوع من المناصرة للقضية الفلسطينية والحرب الجارية فى قطاع غزة. ويمكن رصد التطورات على الساحة العراقية على أكثر من مستوى الأول الهجمات على إسرائيل، حيث أشار تقرير مجلس الأمن لشهر ديسمبر أن تواتر الهجمات ضد إسرائيل قد زاد فى الأشهر الأخيرة، بما فى ذلك غارة بطائرة بدون طيار فى 3 أكتوبر على قاعدة لقوات الدفاع الإسرائيلية فى الجولان والتى أسفرت عن مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة 24 آخرين. بالإضافة إلى ذلك، ورد أن إيران فكرت فى استخدام الميليشيات العراقية للرد على إسرائيل بسبب غارتها الجوية فى 25 أكتوبر ضد إيران، لكن منذ أن اتفق حزب الله اللبنانى على وقف إطلاق النار مع إسرائيل توقفت فصائل عراقية تدرجها إيران فى «محور المقاومة»، عن شن هجماتها الصاروخية والمسيراتية ضد إسرائيل قبل أن تتوقف الأخيرة عن هجماتها على غزة أو التوصل إلى وقف إطلاق نار مع حماس. وقد نقلت إذاعة أوروبا الحرة تأكيد زعيم حركة النجباء العراقية أن الفصائل المؤيدة لطهران فى العراق توصلت إلى اتفاق مع رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى، يقضى بوقف الميليشيات العراقية «جميع العمليات العسكرية ضد إسرائيل وألا تتدخل فى الشئون السورية». كما أشار المتحدث باسم إحدى الميليشيات العراقية تدعى «كتائب سيد الشهداء»، كاظم الفرطوسى، إلى أن مجموعته أوقفت هى الأخرى الهجمات على إسرائيل تزامنا مع وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله فى لبنان، مضيفا أن «شركاء آخرين» فى العراق كانوا أيضا يعارضون استمرار هذه الهجمات، مشيرا إلى «أسباب داخلية ودولية» وراء هذا القرار. وتنتمى هذه الميليشيات إلى تحالف غير رسمى يُعرف باسم المقاومة الإسلامية فى العراق، والذى يرتبط بقوات الأمن العراقية الرسمية، مما يؤدى إلى توتر علاقات البلاد مع إسرائيل. وفى رسائل متطابقة مؤرخة فى 18 نوفمبر موجهة إلى الأمين العام ورئيس مجلس الأمن، أعرب وزير الخارجية الإسرائيلى جدعون ساعر عن قلقه إزاء زيادة الهجمات التى تشنها الميليشيات المدعومة من إيران، والتى وصفها بأنها «انتهاك صارخ» للقانون الدولى «ومن المحتمل أن تجر المنطقة إلى تصعيد خطير للغاية». وأكدت الرسالة على التزام العراق بمنع استخدام أراضيه لشن هجمات، واستشهدت بحق إسرائيل فى الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة، ودعت مجلس الأمن إلى اتخاذ «إجراءات فورية» لمعالجة الوضع. وردًا على ذلك، وصف رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى مزاعم إسرائيل بأنها «ذريعة للعدوان على العراق» من شأنها «توسيع الحرب فى المنطقة». وعلى المستوى الثانى فقد شهد هذا العام ايضا زيادة التوترات بين العراقوالولاياتالمتحدة. فبعد أن ردت الولاياتالمتحدة فى فبراير على ضربات سابقة شنتها ميليشيات عراقية ضد قواعد عسكرية أمريكية فى العراق والأردن وسوريا، دعا بعض المسؤولين العراقيين إلى انسحاب 2500 جندى أمريكى متمركزين فى البلاد كجزء من التحالف الدولى لمحاربة «داعش» فى العراق والشام. وفى بيان صدر فى 25 يناير أعلن وزير الدفاع الأمريكى لويد جيه أوستن الثالث أن اللجنة العسكرية العليا الأمريكيةالعراقية -التى تم إنشاؤها فى أغسطس 2023 لبدء التخفيض التدريجى للتحالف العسكرى الذى تقوده الولاياتالمتحدة- ستبدأ مناقشات حول «الانتقال إلى شراكة أمنية ثنائية دائمة» بين البلدين. وفى وقت لاحق، أعلنت الدولتان فى بيان مشترك صدر فى 27 سبتمبر عن خطة انتقالية ستنسحب بموجبها غالبية قوات التحالف الأمريكية من العراق بحلول سبتمبر 2025. وقد أكد كبار المسؤولين الأمريكيين أن الاتفاق لا يشكل «انسحابًا» أمريكيًا من العراق، بل هو انتقال إلى علاقة أمنية ثنائية حيث ستواصل الولاياتالمتحدة «تقديم المشورة والمساعدة وتمكين «العراق» فى إجراء العمليات الضرورية ضد «داعش»». وعلى المسار الثالث والخاص بالعلاقة بين العراقوالأممالمتحدة فقد اعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرار 2732، فى نهاية مايو الماضى بتجديد ولاية بعثة الأممالمتحدة لمساعدة العراق لفترة نهائية مدتها 19 شهرًا. وجاء التجديد بعد استكمال المراجعة الاستراتيجية المستقلة للبعثة المطلوبة بموجب القرار 2682 المؤرخ 30 مايو 2023-والذى سبق أن جدد ولاية بعثة الأممالمتحدة لمساعدة العراق هذا على الرغم من طلب محمد شياع السودانى رئيس الحكومة العراقية فى رسالته فى مايو الماضى إلى الأمين العام إنهاء ولاية بعثة الأممالمتحدة لمساعدة العراق «بشكل نهائى» بحلول نهاية عام 2025. واخيراً وعلى الصعيد الداخلى فقد أجريت الانتخابات البرلمانية فى إقليم كردستان العراق فى 20 أكتوبر، ومن بين 100 مقعد مطروحة للانتخابات، فاز الحزبان المتنافسان الرئيسيان فى الإقليم-الحزب الديمقراطى الكردستانى والاتحاد الوطنى الكردستانى - ب 39 مقعدًا و23 مقعدًا على التوالى، وكان من المقرر فى الأصل إجراء الانتخابات فى عام 2022 ولكنها تأجلت مرارًا وتكرارًا بسبب الخلافات حول طرائق الانتخابات بين المسؤولين الأكراد والمسؤولين العراقيين الفيدراليين وبين الحزب الديمقراطى الكردستانى والاتحاد الوطنى الكردستانى. وفى بيان صدر فى 23 أكتوبر، هنأ نائب المتحدث باسم الأمين العام فرحان حق الإقليم على إجراء الانتخابات بنجاح «بطريقة هادئة وسلمية» وأشاد بجهود المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فى العراق فى إجرائها. وبعد فقد، أدى الوضع الإقليمى الحالى خلال هذا العام إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية، والتى أثرت أيضًا على العراق. فقد أدت العمليات العسكرية الأمريكيةوالإيرانية فى البلاد إلى توتر علاقات بغداد مع كل من واشنطن وطهران، فى حين أثارت المخاوف بشأن المواجهة المباشرة بين الولاياتالمتحدةوإيران فى الشرق الأوسط. كما أثار الوضع المتصاعد ناقوس الخطر بشأن ضربة انتقامية محتملة من قبل إسرائيل على الميليشيات المدعومة من إيران فى العراق، مما قد يفتح جبهة إضافية فى الصراع الإقليمى مع تأكيد الحكومة العراقية أنها تسعى إلى إقامة علاقة متوازنة مع شركاء الأمن الإقليميين والدوليين ولا ترغب فى أن تصبح مسرحًا للمنافسة الجيوسياسية. جماعة الحوثى من الصراع الداخلى لحصر البحر الأحمر شهدت الساحة السياسية والعسكرية فى الأونة الأخيرة تحولات كبيرة فى تحالفات بعض الفصائل السياسية فى المنطقة خاصة بعد أحداث عملية «طوفان الأقصى» من بينها دخول جماعة الحوثى باليمن إلى جبهة دعم المقاومة الفلسطينية فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى.. جاء هذا الدعم فى إطار إطلاق صواريخ ومسيرات ضد أهداف إسرائيلية واستهداف للسفن الإسرائيلية. أعلنت جماعة الحوثى رسميا الحرب على إسرائيل أواخر أكتوبر 2023، وذلك مساندة للقضية الفلسطينية والمقاومة.وعلى مدار أكثر من عام تواصل جماعة الحوثى تنفيذ هجمات متعددة على سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهو ممر استراتيجى يربط البحر الأحمر وخليج عدن.. وفى خطاب مصور بمناسبة الذكرى الأولى لطوفان الأقصى أعلن زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثى حصيلة الهجمات التى نفذتها جماعته اسنادا لغزة، وقال إن قواتهم المسلحة استهدفت 193 سفينة مرتبطة بالعدو الإسرائيلى كما تم اسقاط 11 طائرة مسيرة. تطورت هجمات الحوثيين على مراحل الأولى استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل فى البحر الأحمر، ثم توسعت الهجمات لتشمل جميع السفن المتجهة إلى الموانى الإسرائيلية سواء لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بإسرائيل، ثم توسعت لتشمل السفن المرتبطة بالولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا، ثم توسعت أكثر لتشمل السفن التى يمتلك مشغلوها سفنا تزور الموانئ الإسرائيلية. ومن بين 193 سفينة استهدفها الحوثيون خلال أكثر من عام، كان هناك هجمات لها التأثير الأبرز فى مقدمتها اختطاف السفينة «جلاكسى ليدر» نوفمبر 2023 التى قالوا أنها إسرائيلية، وما زال طاقمها محتجزا حتى الآن وقالت جماعة الحوثى إن مصير طاقمها مرتبط بالمفاوضات مع حركة حماس.. وردا على هجمات الحوثيين، تم تشكيل مهام دفاعية بحرية إقليمية مختلفة منها عملية «حارس الإزدهار» بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وتضم 20 دولة، فى حين رفضت دول عدة المشاركة فيه، وعملية «أسبيدس» بقيادة الاتحاد الأوروبى.. وشنت أمريكا وبريطانيا بدعم الحلفاء هجمات صاروخية استهدفت ترسانات صواريخ الحوثيين ومواقع إطلاقها، ولكن هذه العمليات لم تردع جماعة الحوثى المدعومة من إيران حتى الآن. بعيدا عن الجانب السياسى، فقد شكلت هجمات الحوثيين والتصعيد فى منطقة البحر الأحمر تهديدا للاقتصاد العالمى والعربى وتسببت فى تعطل حركة التجارة العالمية وعرقلة سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين وارتفاع أسعار النفط. تعتبر منطقة البحر الأحمر شريان حيوى للملاحة الدولية حيث تعبر 13٪ من التجارة العالمية السنوية عبرها أى ما قيمته تريليون دولار من البضائع من ضمنها النفط والغاز الطبيعى والالكترونيات وغيرها. ورغم تأثير الهجمات التى يشنها الحوثيون فى منطقة البحر الأحمر، فإن مديرة صندوق النقد الدولى قللت من التأثير طويل المدى على الاقتصاد العالمى نتيجة تلك الهجمات وقالت «هناك تأثير لهذه الهجمات، لكنها ليست بالحجم الذى من شأنه أن يخرج توقعات نمو الاقتصاد العالمى عن مسارها بشكل كبير». وفى الوقت الذى أعلنت فيه جماعة الحوثى أن هدفها الأساسى من الهجمات هو إسرائيل، إلا أن التقارير تشير إلى أن تأثر التجارة الخارجية لإسرائيل قد يكون محدود لأن 5٪ من إجمالى الصادرات الإسرائيلية يتم نقلها بحرا إلى آسيا وأوقيانوسيا، كما أن إجمالى الواردات الإسرائيلية لم ينخفض بشكل كبير.. وبعيدا عن التصعيد الحوثى إقليميا، فإن الصراع الداخلى بين جماعة الحوثى التى تحكم شمال اليمن والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا مازال مستمرا دون حل واضح، حيث فشلت كل الوساطات ولم تنجح المبادرات فى تحقيق تسوية شاملة. ومؤخرا حملت الحكومة اليمينية الحوثيين المسئولية عن عدم تحقيق السلام واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، والاستمرار فى تعنتهم وتصعيدهم العسكرى فى مختلف الجبهات الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب اليمنى. ودعت الحكومة اليمنية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح جماعة الحوثى، وحملت المجتمع الدولى مسئولية التهاون معهم وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة». ومع اقتراب عام 2025، قد تزداد المخاطر البحرية العالمية الحالية أو تنخفض تدريجيا، وسيعتمد ذلك على كيفية تعامل الإدارة الأمريكية القادمة مع إيران وحرب غزة التى استخدمها الحوثيون لتبرير هجماتهم. ووفقا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فمن المفترض أن يمهد التوصل لاتفاق إطلاق النار فى غزة لحل دبلوماسى لأزمة البحر الأحمر، والحل الجاد يتطلب مشاركة الشركاء الإقليميين للولايات المتحدةالأمريكية الذين تأثرت حركة السفن إلى موانئهم بهجمات الحوثيين. ومن ناحية أخرى إذا انتهجت إدارة ترامب سياسة صارمة تجاه إيران، فقد تواجه السفن التجارية مزيدا من المخاطر. باختصار ستؤثر سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بشكل مباشر على المجال البحرى فى المنطقة.