طارق فهمى قد تسعى إسرائيل لتغيير الديموجرافيا فى سوريا عبر اللعب على وتر الأقليات، خاصة بما تملكه من علاقات قوية مع الطائفة الدرزية تعكس تطورات الأوضاع فى سوريا بعد سقوط النظام السوري، تفاعلات إقليمية ودولية متصاعدة، تنذر بالانفتاح على كثيرٍ من المشاهد والسيناريوهات وبمسارات العملية السياسية واتجاهاتها، جنبًا إلى جنب، مع احتمال استمرار المشهد العسكرى واستمرار المواجهات فى مناطق متعددة بسوريا، ذلك إلى جوار العمل العسكري، حيث دخلت بلدة «الحرية»، فى محافظة القنيطرة السورية جنوبى سوريا، وأعاقت عمل قوات حفظ السلام فى مرتفعات الجولان المحتل، وطلبت من سكانها إخلاء البلدة، بهدف ضمها إلى المناطق العازلة عند الشريط الحدودى بين إسرائيل وسوريا، كما أرسلت الأممالمتحدة تعزيزات إلى سوريا عقب توغل القوات الإسرائيلية عبر خط وقف إطلاق النار القائم منذ 5 عقود، وعززت عددًا من مواقعها بمرتفعات الجولان، وتم الإخلاء الجبرى لسكان قرية «رسم الرواضى» بالقنيطرة، حيث باتت تلك القوات تتوغل بعمقٍ يصل إلى 5 كيلومترات فى بعض المناطق. وقد عَلَّق حزب البعث، نشاطه حتى إشعار آخر، وقام بتسليم كل الآليات والمركبات والأسلحة التى كانت بحوزة عناصره إلى وزارة الداخلية السورية، حيث ستوضع كل أملاك وأموال حزب البعث تحت إشراف وزارة المالية ورقابة وزارة العدل السوريتين، ويودع ريعها فى مصرف سوريا المركزي. فى هذا السياق، تدرك الإدارة الامريكية أن دعم تركيا هيئة تحرير الشام - وهى الجماعة المصنفة من قبل الولاياتالمتحدة «إرهابية»، يمكن أن يمنح أنقرة فرصة كبيرة لتوسيع نفوذها داخل سوريا وسيكون الانخراط الأمريكى مع تركيا مفتاحًا فى الجهود الإقليمية والدولية لمساعدة السوريين على هندسة انتقال ناجح. ومن الواضح أن تركيا الدولة الوحيدة التى يبدو أن لديها استراتيجية رابحة لسوريا، معارضة النظام السورى أثناء التفاوض مع داعميه، واستضافة اللاجئين، ودعم المعارضة سياسيًا وعسكريًا، ومحاربة وحدات حماية الشعب التركية - وهى فرع من جماعة حزب العمال الكردستانى المناهضة لتركيا- شمال سوريا (للاعب الوحيد الذى استمر فى دعم قوى المعارضة منذ بداية الأزمة السورية)، كما ستعمل الولاياتالمتحدة ومن أجل أمنها القومى على منع تركيا من القضاء على القوات الكردية التى تحتجز أكثر من 10 آلاف من مقاتلى تنظيم الدولة الإسلامية فى مخيمات اللاجئين بجميع أنحاء سوريا وستعمل الولاياتالمتحدة على رفع العقوبات المفروضة على سوريا، حيث تريد الإدارة الأمريكية متطلبات محددة ومنضبطة من هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع مع ضمان مصالحها من أجل إزالة اسمها من قائمة الإرهاب مقابل رفع العقوبات الغربية، ويتركز ذلك فى تحديد مسار معين فى قضايا الأسلحة الكيميائية وحسم ملف الإرهاب، والعلاقة مع إيران، والاستقرار، وحقوق الأقليات. ومن الواضح أن حذف هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب يعتمد على مدى التزامها بالانخراط بعملية سياسية تشمل الجميع، وبحماية المدنيين، وأن الأمر ليس مجانًا ويعتمد على سلوكها والجماعات الأخرى، وسيظل فى سوريا انقسامات من كل نوع، لكن المسارعة إلى صياغتها فى أحزاب سياسية، ثم فى انتخابات نيابة تنافسية يشارك فيها التيار الإسلامى ضمن القوى القائمة، هى أكثر ما يقطع الطريق على العنف، خصوصًا مع احتمالات تزامن ذلك مع تطوير صيغ نظرية للعدالة وعدم إقصاء أى طرف (بعد سنوات من الحرب والانقسام، ستكون هناك حاجة إلى عملية مصالحة شاملة تضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية لضمان عدم تكرار سيناريو الماضي). فى المُجمل فإن هناك تصورًا استراتيجيًا فى إسرائيل بخطورة الموقف السورى استراتيجيًا، خاصة بعد التحول الخطير فى دولة من دول الطوق بمكانة وأهمية سوريا، وهو ما يعنى تهديدًا أكيدًا على مفهوم الأمن القومى لدى إسرائيل بما يتطلب التعامل الانفرادى وحسم الأمر من جانب واحد، ولهذا تكمن أهمية التوغل الإسرائيلى بسوريا فى تأمين المواقع والمستوطنات المُحاذية لسوريا فى القنيطرة ودرعا، عبر إنشاء حزام أمنى (منطقة عازلة) بالمناطق السورية الاستراتيجية القريبة، التى تعطى إشرافًا معلوماتيًا عاليًا، وتمنع أى خطر برى قد يصل لها لاحقًا، ولكن سيبقى الأمر مرتبطًا بخطورة الامتدادات العسكرية لدول الجوار، وهو مكمن الخطورة لما هو آتٍ من تطورات مفصلية. قد تسعى إسرائيل لتغيير الديموجرافيا فى سوريا عبر اللعب على وتر الأقليات، خاصة بما تملكه من علاقات قوية مع الطائفة الدرزية فى سوريا وغيرها، وكذلك المشروع الكردى شرقى سوريا، وبالتالى تشجيع أطراف دولية وإقليمية أخرى على التدخل وتقاسم ما يمكن تقاسمه، خاصة أن السلطة الجديدة مُنشغلة فى ترتيب أمورها وطمأنة المحيط الإقليمى والدولي، وأن البديل عن النظام السورى ليس بالضرورة أفضل لإسرائيل، وأن التنظيمات المسلحة وشكل النظام أيًا كان، سيكن العداء لإسرائيل، ويجب التعامل مع هذا الواقع الجديد بحذر وفقًا للرؤية الإسرائيلية، ولاشك أن سقوط النظام ليس النهاية، وإنما بداية مرحلة جديدة مختلفة تمامًا وبتحديات جديدة عديدة وفى مقدمة تلك التحديات إدارة الفترة الانتقالية، والمرور نحو تأسيس نظام جديد، وكيفية إدارة المؤسسات وتقديم الخدمات مِن قبل مَن كانوا حتى اليوم معارضة، وهو تحدٍّ كبير بعد نظام حكم لعشرات السنين. من الواضح أن على رأس الملفات وأهمها خروج أو إخراج القوات الأجنبية الكثيرة من البلاد، وهو أمر ستقف أمامه عقبات كثيرة، حيث ستتذرع القوى الأجنبية بعددٍ من الذرائع لتمديد وجودها وتأجيل خروج قواتها، وستحاول إبرام تفاهمات مع السلطة الجديدة لشرعنة وجودها وإطالة أمده.