أصبح الكيان الإسرائيلى دولة منبوذة على الساحة الدولية، ونموذجًا للعدوانية المتغطرسة التى لا تكترث بالخسائر البشرية من المدنيين الأبرياء، وصارت تتعرض لانتقادات من أصدقائها قبل أعدائها، ومنهم الكاتب اليهودى الأمريكى توماس فريدمان، المحلل السياسى البارز فى صحيفة «نيويورك تايمز»، والمعروف بدعمه غير المحدود لإسرائيل وبتأييده لسياساتها، حيث جاء مقاله الأخير، متضمنًا نقدًا لاذعًا للحكومة الصهيونية، يعكس رؤيته القاتمة لمستقبل الدولة العبرية. استوقفنى مقال «فريدمان»، الذى يهاجم نتنياهو وحكومته، متهمًا إياها بالسير نحو كارثة محققة، وأعتقد أنه أصاب كبد الحقيقة حينما أشار إلى أن حكومة نتنياهو تشكل أكبر تهديد للدولة الصهيونية، بسبب افتقارها لاستراتيجية سياسية واضحة، فى حرب تخوضها بلا أفق أو هدف سياسى، وتتجاهل التخطيط لاستراتيجية خروج من حرب تبدو كأنها «قتل من أجل القتل بلا نهاية»، وأشار إلى أن «نتنياهو» يضع الأولوية لمصالحه السياسية الشخصية، والمصالح الأيديولوجية الدينية لحلفائه اليمينيين المجانين فى الائتلاف الحاكم، فوق الأمن القومى الإسرائيلى. وعلى الرغم من اعتقاد البعض بأن القوة العسكرية الإسرائيلية، ستضمن انتصارًا طويل الأمد على حركة حماس والفلسطينيين، إلا أن «فريدمان» يرى أن إسرائيل تسير على طريق الدمار، إذا استمرت فى نهجها العدوانى وعنفها المتزايد، وسوف تؤدى سياستها إلى تفاقم عزلتها على الساحة الدولية، وتعاظم العداء الإقليمى، بالإضافة إلى هجرة العقول الموهوبة من تل أبيب، مما سيضعفها اقتصاديًا وعسكريًا. وفى ظل عدم وجود تسوية سياسية، وإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ستجد نفسها محاطة بحلقة من «النار»، مما يعرض وجودها لتهديد حقيقى ونهاية محتومة، كما انتقد فريدمان الإدارة الأمريكية، لأنها لم تمارس ما يكفى من الضغوط الدبلوماسية على إسرائيل، للحد من التصعيد والعنف المتزايد، وكان بإمكان «بايدن» فرض خريطة طريق دبلوماسية على نتنياهو، لكن واشنطن أضاعت الفرصة، وتراجعت عن المهمة بسبب غياب الشجاعة اللازمة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة فى المنطقة. صحيح أن مقال فريدمان تتصاعد من بين سطوره موجات النقد اللاذع لسياسات نتنياهو وحربه المجنونة، لكن هذا ليس تعبيرًا عن تعاطف مع مئات الآلاف من القتلى والجرحى، والأوضاع الإنسانية فى غزة والضفة ولبنان، بل يعكس فقط خوفًا حقيقيًا على زوال الدولة الصهيونية، التى طالما شاركها أحلامها وأطماعها وساند مخططاتها.