الرئيس السيسى دائم التواصل معنا للاطمئنان على الأوضاع بالسودان كل الشكر للشعب المصرى على استضافتهم لأشقائهم السودانيين.. وموقفهم سيبقى طويلًا فى ذاكرتنا الاتفاق الإطارى القشة التى قصمت ظهر السودان آلاف المواطنين يقاتلون إلى جانبنا.. والحرب الحالية «غير تقليدية» نعمل على تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة فى أقرب وقت ممكن لا صوت يعلو فى السودان على صوت الحرب التى تجاوزت 16 شهرًا، شهد خلالها البلد، الذى عايش عبر تاريخه العديد من الحروب والاضطرابات، صنوفًا من الدمار لم تعتدها الذاكرة السودانية، وتبدو مختلفة تمامًا عن كل ما عرفه السودانيون فى تاريخهم، فالحرب مختلفة، والمواجهة بين القوات المسلحة و«الدعم السريع» ليست حربًا تقليدية، بل هى حرب يختبرها السودانيون للمرة الأولى بكل تشابكها وتعقيداتها، وهو ما يعترف معه الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السودانى بأنه فرض تحديات كبيرة، لكنه يتمسك بقدرة الجيش السودانى على تحقيق «الانتصار». التقيتُ الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذى يقود السودان حاليًا فى واحد من أخطر منعطفاته التاريخية، فى مدينة بورتسودان العاصمة المؤقتة للبلاد حاليًا، ضمن وفد إعلامى مصرى سودانى، وكان لقاء رئيس مجلس السيادة السودانى خاتمة العديد من اللقاءات السياسية مع قادة السودان حاليًا، لكن المقابلة التى اختص خلالها البرهان «الأخبار» بأن تنقل عنه شكرًا خاصًا لمصر قيادةً وشعبًا لمواقفها الداعمة والمساندة قلبًا وقالبًا للسودان، حفلت بالكثير من المواقف التى تجسد رؤية القيادة السودانية فى هذا التوقيت بالغ الدقة، سواء على مستوى المواجهات العسكرية ومساعى الجيش السودانى لاستعادة المناطق التى يسيطر عليها «الدعم السريع»، أو على المستوى السياسى الذى تتواتر بشأنه الأنباء عن إمكانية إطلاق مسار جديد للتفاوض بشأن إنهاء الحرب بالسودان. السطور التالية تكشف العديد من التفاصيل المهمة عما يجرى فى السودان حاليًا، فى مقابلة دامت ما يقرب من الساعة، لكنها تقدم رؤية بانورامية عما جرى فى السودان خلال 16 شهرًا. بداية.. كيف تُثَمِّنون الدور المصرى فى مساندة السودان خلال أزمته الراهنة؟ - هذه فرصة مهمة لكى أوجه الشكر للشعب المصرى وقيادته على مواقفهم تجاه دعمنا، فمصر من الدول التى تقف إلى جوارنا قلبًا وقالبًا، ويستحقون كل الشكر من الشعب السودانى كله، لاستضافتهم لأشقائهم السودانيين على أرض مصر، كما أن الرئيس عبد الفتاح السيسى دائم التواصل معنا والاطمئنان على الأوضاع بالسودان، والأزمة الراهنة تحتل أولوية كبيرة لديه، وأنا على ثقة بأن السودانيين لن ينسوا أبدًا دور مصر، وسيبقى ذلك الدور والمواقف الداعمة لنا فى ذاكرة السودانيين جميعًا وفى تاريخنا، فمصر فى كل المراحل والعهود كانت معنا وإلى جوارنا. مفاوضات جنيف كانت محاولة لتحريك الموقف بشأن المفاوضات المتعلقة بالحرب فى السودان، ورغم موقف الحكومة السودانية بعدم المشاركة، إلا أن الباب لم يغلق تمامًا لمزيد من التشاور، خاصة مع الوسطاء الأمريكيين؟ - موقفنا كان واضحًا، منذ البداية بشأن مفاوضات جنيف، فنحن لن نتفاوض على اتفاق جديد، ونشترط تنفيذ اتفاق جدة، وقلنا ذلك للأمريكيين، نحن مستعدون للتفاوض على آليات تنفيذ اتفاق جدة ولدينا كل التفاصيل العملية للتطبيق، وأعددنا تصورًا متكاملًا بالتوقيتات والمواقع لتنفيذ الاتفاق، لكننا مصرون على رفض التفاوض على اتفاق جديد أو توسيع الوساطة، فضلًا عن أن الدعوة التى وجهت إلينا لحضور جنيف جاءتنا بطريقة غير لائقة، فقد تمت مخاطبتى نصًا ب«الجنرال عبدالفتاح البرهان القوات المسلحة السودانية»، ورغم تعديل المخاطبة لاحقًا لكننا تمسكنا بأن يكون الوفد المشارك من الحكومة وليس من القوات المسلحة، فضلًا عن اشتراط تنفيذ بنود اتفاق جدة قبل أى تفاوض جديد، أما بالنسبة للاتصالات الأمريكية فنعم هى مستمرة، وتحدثت مع وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن قبل فترة وأبلغته بضرورة أن يكون هناك إعلان واضح بشأن الالتزام بتنفيذ اتفاق جدة والذى يتضمن خروج «الدعم السريع» من منازل المواطنين والأعيان المدنية، وأؤكد أنهم سيخرجون إما حربًا أو سلمًا. السؤال المُلحّ هنا، هل بالفعل يمكن تنفيذ اتفاق جدة، وهل سيقبل «الدعم السريع» بالخروج من المدن التى يسيطر عليها حاليًا؟ - نعم سيخرجون كما قلت سواء حربًا أو سلمًا، وخروجهم لا بديل عنه، لأن استمرار وجودهم بأية صورة يعنى إمكانية تجدد الحرب فى أى وقت، والناس لن تعود إلى بيوتهم إلا لو اطمأنوا إلى خروج «الدعم السريع» من المنازل والأحياء المدنية، ونحن واثقون بقدرتنا على إخراجهم وطردهم، ونعمل بكل ما أوتينا من قوة من أجل تحقيق هذا الهدف، وقد أصبح هناك تفهم أكبر فى الإقليم والعالم لموقفنا، خاصة أن هناك مخاوف تتصاعد من إمكانية تكرار نفس الأزمة فى العديد من دول المنطقة إذا استمر بقاء «الدعم السريع» أو المكونات المشابهة، وأنا على يقين بأنهم لن يلتزموا من تلقاء أنفسهم، وعلى الولاياتالمتحدة إذا أرادت بالفعل أن تنهى الحرب أن تضغط عليهم للامتثال وتطبيق إعلان جدة وكل القرارات الدولية المتعلقة بالأزمة فى السودان، فمثلًا هناك قرار واضح من مجلس الأمن بوقف هجومهم على مدينة الفاشر، ولم يلتزموا، فإذا لم يلتزموا بقرار مجلس الأمن.. فبماذا يمكن أن يلتزموا إذن؟! حرب مختلفة ولماذا طالت الحرب طوال هذه الشهور؟ - يجب أن يدرك الجميع أن الحرب الراهنة مختلفة عن كل ما واجهناه من حروبٍ سابقة فى تاريخ السودان كله، وهذه الحرب لن تزول من ذاكرة السودانيين لعقودٍ طويلة مقبلة، خاصة فى ظل ما شهدته من جرائم واعتداءات على المدنيين وقتلهم ونهب ثرواتهم وارتكاب جرائم اغتصاب، وهى كلها أمور مشينة لن يتم التعامل معها على طريقة «عفا الله عما سلف»، وهذه الحرب أبشع مما شهدته العديد من الدول الأفريقية مثل رواندا وغيرها، فلم نشهد هذا القدر من التشفى والانتقام من المدنيين الأبرياء، وأعرف أن هناك أسئلة كثيرة تدور فى أذهان الناس حول قدرة الجيش على ردع «الدعم السريع»، لكننى أؤكد أن الجيش السودانى قادر على تحقيق الانتصار، لكن يجب أن نأخذ فى الاعتبار أن تلك الحرب غير تقليدية، فضلًا عن أنه على مدى سنوات طويلة كان الاهتمام بالتسليح المتطور ل«الدعم السريع» أكبر بكثير مما يتلقاه الجيش، وزاد عددهم بصورة كبيرة خلال السنوات السابقة على الثورة فى 2019، فقد كان عددهم يصل إلى نحو 106 آلاف عنصر، وأضيف إليهم لاحقًا نحو 60 ألفًا آخرين من قوات حرس الحدود وغيرها فضلًا عما تلقوه من دعم خارجى، ونحن فى القوات المسلحة عانينا من تفضيلهم علينا، حيث لم نحصل لسنوات على ما يكفى من عتاد، إضافة إلى استعانة «الدعم السريع» بأعدادٍ كبيرة تأتى من دول مجاورة للقتال إلى جانبهم مقابل مبالغ طائلة أو مشاركتهم فى عمليات السلب والنهب.. ونحن أدركنا منذ البداية أن الحرب لن تكون قصيرة، وعرفنا بخططهم لإشعال الحرب فى كل مناطق السودان، والقتال استغرق بالفعل وقتًا طويلًا لكن كان لابد أن نحافظ على تماسك المؤسسة العسكرية، وقد بدأنا بالفعل إعادة ترتيب مواقفنا، وسنظل نقاتل حتى ننتصر، لكن كل شىء بحسابه ويحتاج إلى تخطيط. ولكن كانت هناك مؤشرات على توتر العلاقة وتصاعد المخاوف بشأن صدام محتمل.. وهل الموقف الميدانى سيشهد تغييرات قريبًا؟ - نعم، الحرب لم تبدأ فى 15 أبريل 2023، بل كانت هناك استعدادات من جانب «الدعم السريع» قبل ذلك لعمل انقلاب والسيطرة على الدولة، وأقاموا ورشًا للتدريب خارج السودان، واستعدوا جيدًا لتنفيذ مخططهم منذ فترة طويلة، كما أنهم استقطبوا خلال الأيام الأولى من الحرب أبناء القبائل من المجندين فى صفوف القوات المسلحة، وأعترف بأن هذا كان من الأخطاء التى بدأنا فى مواجهتها وسنعمل على إلغاء التجنيد الجهوى بالقوات المسلحة، بحيث يتم توزيع الجنود بطريقة مركزية، لا أن يكونوا فى نفس مناطق قبائلهم، وفى الساعات الأولى من الاشتباكات كان عدد جنود القوات المسلحة بالمناطق الاستراتيجية بالخرطوم لا يتجاوز 5- 6 آلاف جندى، بينما كان لهم أكثر من 100 ألف، وهاجموا وحدات غير مقاتلة، ولو كانت القوات المسلحة تريد الحرب منذ البداية مع «الدعم السريع» لوضعنا تحصينات كافية وأخذنا استعدادنا، لكننا لم نفترض الخيانة. المسألة بدأت من الاتفاق الإطارى الذى كان بمثابة القشة التى قصمت ظهر السودان، ومسألة دمج «الدعم السريع» فى القوات المسلحة كانت مجرد مسألة للتغطية على رغبة «الدعم» فى اختطاف الدولة، فقد كانوا يتحدثون عن احتياجهم ل 20 سنة حتى يتحقق هذا الدمج، والحقيقة أنهم كانوا يرفضون فكرة الدمج أصلًا، فقد أرادوا بناء جيش موازٍ وبديل للقوات المسلحة السودانية وأعدوا العُدة لذلك بدعمٍ خارجى، ورصدنا العديد من الأدلة على ذلك، منها ما ضبطناه من وثائق فى مبنى قيادة «الدعم السريع» تكشف أن عبد الرحيم دقلو (شقيق قائد الدعم السريع) كان يشرف على تنظيم قوات من بعض القبائل الموالية لهم للترتيب للحرب، ويحاول ضم عناصر وقيادات تلك القبائل وإغراءها بضرورة أن يكون لديهم دولة.. وفى النهاية نحن على يقين بأن مَن أشعلوا تلك الحرب مصيرهم الزوال، وأن السودانيين لن يتقبلوا التعايش معهم مرة أخرى بعدما نُهبت أموالهم واغتصبت بناتهم وتضررت دولتهم، ونتمسك فى أية مفاوضات بخروجهم من المدن ولا نقبل بأية مفاوضات تعيدهم إلى المشهد أو تقوم على شراكة معهم، ونحن نبذل جهدنا ونقدم المعينات التى تمكن القوات على الأرض من إعادة الأمور إلى نصابها وسيتحقق ذلك قريبا، ليس فى الخرطوم وحدها، ولكن فى نيالا والجزيرة وحتى فى الجنينة (عاصمة إقليم غرب دارفور)، ونحن نعمل على إعادة مقاتلينا إلى كل تلك المناطق التى دخلها «الدعم السريع»، ونتحقق جيدًا من قدرة تلك القوات حتى لا يحدث أى تراجع مرة أخرى. معاناة إنسانية وماذا عن معاناة السودانيين جراء الحرب.. هل من نهاية قريبة لها؟ - نحن ندرك ونرى جيدًا معاناة الناس فى الداخل والخارج، وهذا يؤرقنا جميعًا ونعمل على إنهائه فى أقرب وقت ممكن، ونحن مهتمون برفع الكابوس عن أهلنا الذين تضرروا، سواء الذين بقوا فى السودان أو الذين نزحوا خارجه، وجزءٌ كبير من أهداف تلك الحرب كان تدمير البنية الاجتماعية المتماسكة للمجتمع السودانى، ونحن نريد أن يعود الناس آمنين لمنازلهم، وألا يتعرضوا لهذا الترويع مجددًا، لذلك نُصر على خروج «الدعم السريع» من بيوت المواطنين والمدن، والآن لدينا أعداد كبيرة من «المستنفرين» من أبناء الشعب الذين يقاتلون إلى جانب القوات المسلحة بعدما أدركوا حقيقة ما يقوم به «الدعم السريع» من انتهاكات وجرائم، ولذلك نحاول جميعًا تأمين الناس على أرواحهم وممتلكاتهم، وكل هدفنا الحفاظ على الدولة ومقدراتها. وهل يمكن أن يشهد ملف تشكيل الحكومة تقدمًا خلال الفترة المقبلة؟ - كان بالفعل من المُفترض أن نعلن عن حكومة جديدة منذ فترة، وهذا الموضوع نتشاور فيه باستمرار، وليس صحيحًا ما يُثار عن أن خيارات تشكيل الحكومة ضاقت، ولكننا نريد أن تأتى حكومة كفاءات وطنية من المهنيين المستقلين، وهناك مشاورات جارية مع القوى السياسية الوطنية، ونبحث معهم أيضًا تعديل الوثيقة الدستورية، وفي أقرب وقت ممكن سيتم التوصل إلى اتفاقٍ بشأن تشكيل الحكومة، وهو أمر مهم لتخفيف العبء عنا فى مجلس السيادة، حتى تتحمل الحكومة المسئوليات التنفيذية التى يتحملها الآن أعضاءٌ فى مجلس السيادة. هل يمكن الحديث عن دروس مستفادة من هذه الحرب رغم قسوتها؟ - بالتأكيد الدروس كثيرة، وأولها أهمية ألا يكون هناك سوى مؤسسة عسكرية واحدة بموجب الدستور، إضافةً إلى تعزيز الانتماء للدولة الوطنية فى المقام الأول قبل القبيلة والعشيرة، ومسألة التربية الوطنية باتت ضرورة وأولوية، ويجب أن يعمل المجتمع كله لتحقيقها، وخصوصًا الإعلام، فالولاء للدولة يجب أن يكون مقدمًا دائمًا وفى أى وقت على الولاء لأى انتماءات جهوية أو عشائرية.