تعدّ الحروب الأمريكية، والتى غالبًا ما توصف بأنها «حروب دائمة»، موضوعًا شائكًا يعكس الديناميات المعقدة للقوة والنفوذ في الساحة الدولية. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، دخلت الولاياتالمتحدة فى سلسلة من النزاعات العسكرية التى لم تنتهِ بعد، بدءًا من حرب فيتنام وصولاً إلى الحروب فى العراقوأفغانستان، وحتى التدخلات العسكرية فى سوريا وليبيا. وقد استمرت بعض هذه الصراعات العسكرية لأكثر من عشرين عامًا ولا يزال بعضها الآخر مستمرًا. بعبارة أخرى، فإن الولاياتالمتحدة هى دولة حرب دائمة؛ ودمرت عشرات تريليونات الدولارات من مرافق البنية الأساسية فى البلدان التى كانت هدفًا للهجمات العسكرية الأمريكية. ■ طائرات أمريكية بدون طيار ◄ احتياجات الشعب ومنذ أن تولت إدارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن» السلطة وهى تنوى إضفاء التركيز الاستراتيجي على السياسة الخارجية الأمريكية. ووعد الرئيس وفريقه حينها بإنهاء الحروب التي تخوضها الولاياتالمتحدة إلى الأبد وجعل المشاركات الدولية للبلاد تخدم احتياجات الشعب الأمريكي. وفى عامها الأول، أنهت الإدارة الحرب التى استمرت عقدين من الزمان فى أفغانستان، وتعهدت ب«تعديل حجم» الوجود العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط، حيث لا يزال هناك حوالى 30 ألف جندى أمريكى منتشرين فى جميع أنحاء المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، منذ بدء حرب الكيان الصهيونى على غزة فى أكتوبر الماضى، أرسلت الولاياتالمتحدة مؤقتًا آلاف القوات الإضافية إلى المنطقة، بما فى ذلك من هم على متن السفن الحربية، وفقًا لموقع إذاعة «صوت أمريكا». ◄ غارات ضد العراق وشنت الولاياتالمتحدة غارات جوية على أهداف عراقية وسورية مرتبطة بالحرس الثورى الإيرانى، فى أعقاب هجوم على أحد المواقع العديدة فى جميع أنحاء الشرق الأوسط حيث الوجود العسكرى الأمريكى. وأعلن البنتاجون، مؤخرًا عن خطط لنشر طائرات مقاتلة إضافية وسفن حربية مزودة بصواريخ فى الشرق الأوسط، تحسبا لرد إيرانى محتمل ضد إسرائيل بسبب اغتيال زعيم حماس فى طهران، والتى أدت إلى تصعيد التوترات بشكل خطير. وفقًا لموقع «جلوبال تايمز» الصينى. ◄ اقرأ أيضًا | صحيفة أمريكية: سياسات إسرائيل في حرب غزة تهدد علاقتها بالولاياتالمتحدة ◄ دعم إسرائيل وقال أستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاى للدراسات الدولية، ليو تشونج مين، للصحيفة الصينية، إن أحدث نشر للقوات العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط يرمز إلى الدعم لإسرائيل مع زيادة الوجود العسكرى الأمريكى عمليًا، والهدف هو السيطرة على الوضع فى الشرق الأوسط. وعندما لا تحقق قوتها العسكرية العديد من الأهداف السياسية التى حددتها الولاياتالمتحدة، على سبيل المثال، جلب الديمقراطية إلى العراق أو الشرق الأوسط الأوسع، أو الزعم بتحقيق نصر ساحق فى الحرب ضد الإرهاب، فإن هذا يعزز هذه الفكرة القائلة بأن الولاياتالمتحدة غير قادرة على إملاء شروطها على بقية العالم، وإن كان هناك أغراض هجومية للحرب والتى قد تشمل الغزو الإمبراطورى لدولة أجنبية من أجل تغيير النظام السياسى والاقتصادى والاستيلاء على الموارد الطبيعية للدولة الأجنبية والحفاظ على الهيمنة الأمريكية؛ إذا استمرت الحرب على الرغم من نتائجها المشكوك فيها، فلا بد أن يكون هناك بعض الناس الذين يجدون فى الحرب بعض الفوائد، والاستنتاج الحتمى هو أن هؤلاء الناس أنفسهم هم أعضاء المجتمع الأمريكى المؤيد للحرب. ◄ المستفيدون الحقيقيون إن هذه الحروب، التى تبدو وكأنها تستمر بلا نهاية، تثير تساؤلات هامة حول المستفيدين الحقيقيين من هذه السياسات العسكرية. وفى حقبة ما بعد الحرب الباردة، كان هناك اعتقاد حول ما أطلق عليه البعض الهيمنة الليبرالية. كان الديمقراطيون والجمهوريون يعتقدون أن الولاياتالمتحدة قادرة على إملاء شروطها على بقية العالم من خلال القوة العسكرية. وسعت واشنطن إلى استخدام القوة العسكرية، بشكل مباشر أو غير مباشر، لفرض حل للصراع الإسرائيلى الفلسطينى وعملية السلام، بدلاً من التعامل مع مفاوضات معقدة أو صعبة. وقد يتطلب هذا تقديم تنازلات، وهو ما لا ترغب الولاياتالمتحدة وإسرائيل فى تقديمه. والاعتقاد السائد، هو أن القوة العسكرية سوف تساعد فى حل هذا الصراع، ولكن العكس هو الصحيح تماما. ووفقًا لمجلة «ذى نيشين» الأمريكية، لقد تبرعت صناعة الأسلحة ككل بأكثر من 83 مليون دولار للمرشحين السياسيين فى دورتى الانتخابات الماضيتين، حيث تصدرت شركة «لوكهيد مارتن» القائمة ب9٫1 مليون دولار من المساهمات، تليها شركة «رايثيون» ب8 ملايين دولار، ثم شركة «نورثروب جرومان» ب 7٫7 مليون دولار. وتتركز هذه الأموال بشكل كبير بين أعضاء لجان قوات الدفاع فى مجلس النواب والشيوخ واللجان الفرعية لمخصصات الدفاع؛ حيث حصل أعضاء لجنة قوات الدفاع فى مجلس النواب البالغ عددهم 58 عضوًا على ما يقرب من 79٫588 دولارًا من قطاع الدفاع خلال دورة انتخابات 2022، وأن الإنفاق على الضغط من جانب المجمع الصناعى العسكرى أكثر من 247 مليون دولار فى آخر دورتين انتخابيتين. ◄ جماعات الضغط وتستخدم هذه الأموال لتوظيف 820 من جماعات الضغط فى الكونجرس. وفى أبريل 2023، أفاد مكتب السيناتور الديمقراطية «إليزابيث وارن» أن ما يقرب من 700 من كبار المسئولين الحكوميين السابقين، يعملون الآن لصالح شركات مقاولات دفاعية. وفى حين أن قِلة منهم أعضاء فى مجالس إدارة شركات أو مسئولون تنفيذيون يتقاضون رواتب عالية، فإن 91% منهم أصبحوا جماعات ضغط لصالح البنتاجون. وبحسب المجلة الأمريكية، هناك علاقة الباب المتأرجح بين صناعة الحرب والبنتاجون، التى تؤدى إلى مشاركة الصناعة بشكل مباشر فى صنع السياسة الدفاعية. وتعتبر الشركات الكبرى فى مجال الصناعات العسكرية والدفاعية من أكبر المستفيدين من الحروب الأمريكية. تسهم النزاعات المستمرة فى زيادة الطلب على الأسلحة والمعدات العسكرية، مما يعزز أرباح هذه الشركات. ◄ تكاليف ضخمة ورغم الفوائد التى تحققها بعض الأطراف، لا يمكن تجاهل التكاليف البشرية والاقتصادية الكبيرة التى تتحملها الشعوب المتورطة فى هذه الحروب، فالحروب تسببت فى خسائر بشرية ضخمة، بالإضافة إلى الأزمات الإنسانية والنزوح الجماعى الذى يؤثر على ملايين الأشخاص. كذلك، تتسبب الحروب فى أعباء اقتصادية هائلة على الدول المتورطة، بما فى ذلك الولاياتالمتحدة، حيث تسهم النفقات العسكرية فى زيادة الديون الوطنية وتؤثر على الاقتصاد بشكل عام. وتساءلت مجلة «نيوزويك»، لماذا لا تستطيع أمريكا إنهاء حروبها الأبدية؟، تستثمر الولاياتالمتحدة ما يقرب من تريليون دولار سنويًا لدعم حروبها الدائمة، الأمر الذى يضطر الأمريكيين إلى المساهمة بمبلغ 2200 دولار سنويًا من الضرائب لتمويل الحروب.. وفى عام 2023، بلغ الدين العام الأمريكى 31 تريليون دولار مقابل 27 تريليون دولار للناتج المحلى الإجمالى. وهذا يعنى أن الدين العام أعلى بنسبة 14٫8% من الناتج المحلى الإجمالى؛ فإن جزءًا كبيرًا من هذا الدين يعزى إلى الحروب. ◄ ديون أمريكية والواقع أن حرب العراق أنتجت دينًا عامًا أمريكيًا بلغ 3 تريليونات دولار. ووفقًا للمجلة الأمريكية، فأن هناك تأثيرا سلبيا خارجيا للحروب الأمريكية، لا يمكن وصفه؛ حيث قُتِل ما يقرب من 1٫3 مليون شخص فى العراقوأفغانستان وباكستان وحدها، ناهيك عن تدفق الملايين من اللاجئين. لقد دمرت الحروب الأمريكية الدائمة على مر السنين الاقتصادات الوطنية؛ وقوضت القيم التقليدية؛ وسلبت الأمل فى حياة أفضل لشعوب البلدان التى كانت هدفًا للحروب الأمريكية. وتؤثر الحروب الأمريكية على السياسة الخارجية للولايات المتحدة بطرق متعددة. فقد تعرّض هذه السياسات لانتقادات دولية وقد تؤدى إلى تدهور العلاقات مع بعض الحلفاء أو تثير مشاعر العداء لدى دول أخرى. تشكل الحروب الأمريكية موضوعًا معقدًا يتداخل فيه المصلحة الاقتصادية مع الاستراتيجيات السياسية والأيديولوجية. بينما قد تحقق بعض الأطراف مكاسب كبيرة من النزاعات العسكرية، فإن التكاليف البشرية والاقتصادية تبقى هائلة. من المهم أن يكون هناك تقييم دقيق لهذه الحروب وفهم أعمق لمستقبل السياسة العسكرية الأمريكية، مع التركيز على إيجاد حلول دبلوماسية تسهم فى تحقيق الاستقرار والسلام العالمى.