أكدت دراسة أثرية للدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص في الآثار اليونانية الرومانية أن قدماء المصريين كأمة من الأمم شُرع الصوم عندهم كما شرع لغيرهم وعرفوا شعيرة الصوم ومارسوها في أعيادهم كنوع من التقرب إلى المعبود. ويضيف الدكتور حسين دقيل أن الصوم كان متنوعًا عند قدماء المصريين ما بين الواجب والمستحب والتطوع، فقد عرف المصريون القدماء الصوم ثلاثة أيام من كل شهر من أجل الحفاظ على صحتهم، كما كانوا يصومون احتفالًا بأعياد وفاء النيل والحصاد وبداية السنة الجديدة، وكان هناك نوع آخر من الصوم؛ يسمى بصوم الانقطاع، وكان يستمر لمدة 70 يومًا يحرم فيه تناول أي شيء عدا الماء والخضر. ويوضح خبير الآثار د.عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار طبقًا لما جاء فى الدراسة أن الصوم عن قدماء المصريين انقسم إلى قسمين، صوم الكهنة وصوم الشعب وكان صوم الكهنة يبدأ منذ التحاق الناسك بخدمة المعبد؛ فعليه أن يصوم لسبعة أيام متتالية دون طعام أو شراب، بهدف التطهر من علائق الجسد والنفس ولتجهيزه للمهام الروحية التي تلقاها، وذكر بعض الباحثين أن هذا القسم من الصوم قد يمتد إلى 42 يومًا ويمر الكاهن من خلاله بمراحل، أولًا بصيام عشرة أيام عن اللحوم والنبيذ، ثم يعقب ذلك تلقينه واجباته بالمسائل المقدسة، ثم يستأنف الصوم لعشرة أيام أخرى يمتنع فيها كل طعام فيه الروح ويتغذى على خبز الشعير والماء، ليترقى إلى مرحلة أعلى في المهام الروحية، ثم في العشرة أيام الأخيرة يمتنع عن جميع أنواع الطعام والماء. ويتابع د.ريحان أن صوم الكهنة كان يبدأ منذ طلوع الشمس وحتى غروبها، وكان يشتمل على عدم مباشرة النساء ويقضونه في التطهر والنسك والتعبد أما صيام الشعب فكان لمدة أربعة أيام من كل عام تبدأ عندما يحل اليوم السابع عشر من الشهر الثالث من فصل الفيضان وهو صوم كامل يمتنع فيه الصائم عن الطعام والشراب والنساء من طلوع الشمس وحتى الغروب وقد ذكر الدكتور علاء الخزاعي في كتابه (التطور التاريخي للصيام) أن كلمة (صوم) هي كلمة مصرية قديمة تنقسم إلى قسمين هما (صاو) بمعنى امتنع و(الميم) بمعنى عن أي (امتنع عن). ويشير د.ريحان إلى أن القدماء المصريون عرفوا الصيام للتقرب للآلهة وتهذيب نفوسهم من أية مخالفات أو ذنوب اقترفوها والحصول على البركات ورضا الآلهة والحفاظ على الصحة والتقرب من أرواح الموتى حيث يتقربون لأمواتهم بالصيام وذلك لظنهم أن صيام الأحياء يرضى الموتى لحرمانهم من طعام الدنيا وكذلك الصوم لتهذيب النفس وكانوا يصومون فى أيام الحصاد وجنى الثمار وكان يعتقد المصريون أن صوم ثلاثة أيام فى الشهر يساعد على البقاء فى صحة جيدة. ويتابع بأن الكهنة في مصر القديمة كانوا يحملون في إحتفالية هلال القمر مصابيح زيتية بغرض الإضاءة ومباخر للتبخير وهم ينشدون "واح وى واح وى إيإ ياح" وكان يستمر هذا الاحتفال طوال الليل حتى شروق الشمس ويرجع تاريخها إلى عصر الملك "سقنن رع" الذي يعرف أيضا باسم "تاعا الثاني" وحربه ضد الهكسوس وانتصاره عليها، وكانت "إياح حتب" زوجة سقنن رع، هي من شجعته على خوض المعركة ضد الهكسوس، وبعد تحقيق انتصار عظيم عليهم خرج المصريون يهتفون في الشوارع "وحوي وحوي إياحا" والتي تعني الترحاب والتقدير لإياح حتب على دورها في دعم الجنود بالمعركة، ومن هنا ظلت عبارة "وحوي وحوي" مستخدمة حتى العصور الإسلامية، وفي عهد الدولة الفاطمية ومع استخدام الفوانيس لإنارة الشوارع في ليالي رمضان . كما قيل أن "وحوى" كلمة مصرية الأصل، وأن المصريين القدماء اعتادوا على غناء كلمات "وحوى يا وحوى"، مع مطلع كل شهر عند استقبال القمر، وذكرت روايات تاريخية أخرى أن عبارة "وحوى يا وحوى إياحة"، هى لغة قبطية وتعنى اقتربوا لرؤية الهلال، لذلك ارتبطت بعد ذلك للاحتفال بظهور هلال شهر رمضان ورؤيته استعدادًا للصوم وإقامة طقوس الاحتفال به من تعليق فوانيس وتزيين الشوارع احتفالاً بقدوم الشهر الكريم.رمضان وارتبطت هذه العبارة مع الشهر الكريم لتصبح جزءًا من التراث الشعبي في مصر. وأشارت روايات تاريخية أخرى إلى إن كلمة "وحوى" تعنى رحل، و"إياحة" معناها القمر أو الهلال، لذلك استخدمت عند الغناء لشهر رمضان، حيث تعنى الترحيب بظهور هلال شهر رمضان، ورحيل شهر شعبان اقرأ أيضا : لصوص مقابر الفراعنة| أول عملية نهب للآثار في مصر