يعتبر مصطفى أمين واحدا من أخلص تلاميذ الأستاذ محمد التابعى، منه تعلم، ومعه عمل، واكتسب الكثير من صفاته المهنية، كتب عنه أكثر من مرة، فى واحدة من تلك المرات وضع عنوانا لمقاله " دفاع المتهم " قال فيه : مسح الأستاذ التابعى الأرض بى ! صورنى للقراء بصورة الحيوان الذى لا يفهم شيئا فى أصول الغناء ! لأننى ذات مرة كنت أتكلم مع رياض الصلح بينما كانت تغنى أم كلثوم، وقال إن أكره الحفلات للسيدة أم كلثوم هى التى يحضرها مصطفى وعلى أمين ! وقد طلبت من أم كلثوم أن تدافع عنى فرفضت بإباء وشمم،و قالت إنها متفقة مع التابعى فى كل ما قال ! واستحلفت أم كلثوم بالعيش والملح... ولكنها أكدت أنها لم تأكل عيشا وملحا، لا معى ولا مع سواى ! لأنها تعيش طوال حياتها على "الرجيم" ومن أصول المحافظة على القوام أن لا تأكل العيش ولا الملح ! ولهذا كان لابد من أن أدافع عن نفسى كما يفعل المتهمون المقدمون لمحكمة الشعب ! إذا أقام الأستاذ التابعى مأدبة أو حفلة أعلن فيها الأحكام العرفية والرقابة الصحفية ! يجب أن يحضر المدعوون فى وقت محدد، ويخرجوا فى وقت محدد ويأكلوا فى ساعة معينة، ويشربوا فى ساعة معينة، ويضحكوا فى وقت معين ويتكلموا فى وقت معين ! و عندما نذهب إلى حفلة التابعى نشعر بنفس الشعور الذى كنا نحس به ونحن فى طابور المدرسة الابتدائية ! إننى أحيانا أنسى وأنا واقف على باب شقة التابعى أننى كبرت وانتهيت من الدراسة فقبل أن أدق الجرس، أمسح حذائى فى رجل البنطلون ! و الأستاذ التابعى يطلب منا إذا جلست فى حفلته أن نسمع أم كلثوم،أن نضع أيدينا على صدرونا، وألا نتنفس إلا فى مقاطع معينة، والويل لو واحد منا أن يعطس وأم كلثوم تغنى رباعيات الخيام !. يجب أن تحبس "العطسة" إلى أن ينتهى الغناء وتبدأ موسيقى السنباطى. والويل لك إذا لم تقل "آه" فى الوقت الذى حدده التابعى ! إن هناك مقاطع معينة يجب أن تقول فيها "آه" فإذا لم تقل آه فى هذا المقطع فانت لا تفهم اصول الفن، ولا الفرق بين القصيدة والطقطوقة، وبين بيتهوفن وشكوكو، فإذا حدث مثلا وقال أحد الحاضرين نكتة، فليس لك إلا أن تنتظر وتضحك عليها بعد انتهاء السهرة، لأن الضحك فى أثناء الحفلة لا يتفق مع أصول الفن الرفيع ! و من المدهش أن السيدة أم كلثوم عندما تغنى عند التابعى، تنقلب إلى تلميذة هى الأخرى، إنها تقف وتجلس طبقا للأوقات التى يحددها التابعى ! فالتابعى عنده آلة تسجيل.... ويجب ألا تغنى أم كلثوم أكثر من طول الشريط ! ولم أر فى حياتى أم كلثوم تحافظ على مواعيد حفلة كما تحافظ على مواعيد حفلات التابعى. كنت ذات مرة جالسا معها....و إذا بها تنظر إلى الساعة فى فزع وتقول : ليلتنا سودة !....لقد ضرب الجرس من خمس دقائق ! ولم أفهم ماذا تريد أن تقول أم كلثوم....ثم فهمت بعد ذلك ! لقد دعاها التابعى للعشاء الساعة الثامنة والنصف... وكانت ساعة أم كلثوم الثامنة والنصف ! وخرجت أم كلثوم تعدو من بيتها فى طريقها للتابعى...ونسيت أن تأخذ معها حقيبة يدها.. ومعطفها ! و نسيتنى أنا أيضا فى البيت ! مصطفى أمين الأخبار - 10 نوفمبر 1954