لأول مرة يقف رئيس أمريكي ليشيد بالسياسة التعليمية لدولة أخري ويطلب نقل التجربة لبلاده. حدث ذلك عندما زار أوباما كوريا الجنوبية وأشار إلي نتيجة «البرنامج العالمي لتقييم الطلبة» الذي حصد فيه الكوريون المركز الأول عالميا.. رغم أن عمر برامج وخطط التعليم الكورية الحديثة لم تتجاوز ال٥٠ عاما إلا أنها أثمرت عن أشياء مثيرة ومدهشة وهو ما بدا واضحا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان حريصا علي الاطلاع عليه خلال زيارته الأولي لكوريا وتوقيع عده اتفاقيات للتعاون العلمي.. خلال ٣ شهور أتيح لي أن أطلع علي التجربة الكورية في زيارة صحفية قمت بها العام قبل الماضي.. الحقيقة أن كوريا لم تحقق هذا الانجاز التعليمي إلا بثمن باهظ وجهد جهيد! فالدولة أنفقت مثلا في عام 2013 نحو 18 مليار دولار علي التعليم الخاص من أجل الارتقاء به وهو الرقم الأعلي بين دول العالم كما قامت كوريا بربط سلطة الإشراف علي المناهج مباشرة برئيس الوزراء كما أن وزير التربية هو في الوقت نفسه نائب رئيس الوزراء. وأعيد تسمية وزارة التربية لتصبح «وزارة التربية والموارد البشرية»، الأمر الذي يعكس اهتماماً واضحاً بالمعلم وضرورة ربط سوق العمل بالمناهج.. وتم تصميم برامج التعليم ما قبل الثانوي بحيث لا تعتمد علي الاختبارات بقدر تركيزها علي امتلاك الطلاب للمعلومات والمهارات والمفاهيم الأساسية التي تساعدهم في حياتهم. وتم التركيز علي مرحلتي رياض الأطفال وسنوات الدراسة الابتدائية التي يجري فيها بناء أجسام الطلبة، وتنمية لغتهم ومواهبهم.. والدوام المدرسي لديهم طويل جدا يبدأ ٨ صباحاً وقد يمتد إلي ١١مساء.. ومرحلة التعليم الابتدائي والحضانة لا تترك إلا في أيدي المدرسين الذين أمضوا ربع قرن علي الأقل في السلك التعليمي. والتركيز يكون علي تعليم الإبداع والخلق والابتكار والتربية من أجل التمتع بالحياة. والمرحلتان الابتدائية والإعدادية في كوريا مجانيتان وإلزاميتان أما المرحلة الثانوية غير إلزامية وتضم كل التخصصات الملبية لتطلعات الطلاب.. والأهم من كل ذلك هو ان كبري الشركات الصناعية تساهم بأموالها في الجامعات لتضمن الحصول علي خريج بمواصفات تناسبها وفي نفس الوقت يضمن فرصة عمل بعد تخرجه والتنسيق الجامعي يكون علي حسب احتياجات سوق العمل وهو ما يحدد أعداد خريجي الجامعات كل عام وليس لديهم آلاف من خريجي كليات التجارة والآداب والحقوق كل عام يجلسون علي الأرصفة، بل كل مقعد بجامعة كورية يجب أن تقابله فرصة عمل، حقيقة أن كل ما سبق من مزايا لم يحدث إلا بعد إيمان الكوريين وحكوماتهم أن التعليم في بلادهم يمر بأزمة، وبالتالي عملوا جميعا علي تحقيق هذا الانجاز وتحملوا كل المشاق وبدأوا في نقل التجارب من دول متقدمة ثم قاموا بتطويرها.. السؤال الآن هل حكومتنا قادرة علي نقل هذه التجربة وتطويعها بشكل علمي أم سنكتفي بتعديل المناهج وننشغل بإلغاء سنة «ساتة» وعودتها ؟!.