هل تعلم أن دولا تحتل المراكز الأولى على العالم فى الصناعة والاقتصاد والصحة والتعليم لا تملك أى موارد طبيعية إلا الإنسان ويطلقون عليها الثروة البشرية؟! قد استطاعت بعقول تلك الثروة وسواعدها تجاوز الفقر والتخلف.. ورغم معاناتها من وعورة تضاريسها وأغلبيتها جذر تحيطها المحيطات.. وانطلقت سويا فى تاريخ واحد أى منذ الخمسينيات من القرن الماضى، لأن حكومتها أعطت أولوية اهتمامها بالتعليم وتنمية قدرات الإنسان التى تعده الركيزة لنهضتها.. وهى على سبيل المثال كوريا الجنوبيةوتايوانوسنغافورة واليابان.. وأطلقوا فى نَفَس واحد على حملتهم التعليمية والثقافية للإنسان «الحملة المقدسة»، مع العلم أنها تتشابه فى نفس مراحل التعليم مع مصر والدول العربية. ونبدأ بكوريا الجنوبية صاحبة الطفرة التكنولوجية والتفوق فى صناعة السيارات وغيرها الكثير.. فجعلت التعليم يهدف إلى الأمانة والتمتع بالحياة لتكون ذات معنى ووضعت هذه المعانى فى موادها الدراسية منذ المرحلة الابتدائية.. ولديها هيئة جادة لتطوير التعليم تمتلك خبرات قوية واسمها المعهد الكورى، وخصصت الحكومة فى المدرسة وظيفة المدرس المرشد ومنوط به متابعة السلوك والصحة النفسية والعقلية للطالب ويخضع دائما لبرامج تدريبية لتطوير أدائه وكذلك المعلم العادى يشرف على تدريبه مؤسسات إعداد المعلم. وتهتم كوريا الجنوبية بالتعليم المهنى وتقيم علاقة وطيدة بين الشركات والمصانع وبين المدارس والمعاهد والجامعات المهنية والأخيرة يصل تعدادها إلى 250 جامعة، ولذلك إن 90% من خريجيها يلتحقون بالعمل فور تخرجهم.. وللعلم كل طالب منذ المرحلة الابتدائية تمنحه الوزارة جهاز كمبيوتر، بالإضافة إلى أنها تختار أفضل 5% من خريجى الجامعات للتدريس فى المرحلة الابتدائية ولديها 140 مدرسة لذوى الاحتياجات الخاصة.. وتحتل كوريا الجنوبية أعلى معدلات فى العالم بالتحاق طلابها للجامعات وتصل إلى 80%.. ونظرًا لاهتمامها بالتعليم جعلت وزير التعليم يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، وتخصص من ميزانياتها 21% للتعليم، أى ما يوازى 29 مليار دولار وفى زيادة.. ومثلهم الشعبى «لا تقف على ظل المعلم» يلخص مدى تقدير الشعب والحكومة للتعليم. وننتقل إلى تايوان، تلك الجزيرة الصغيرة التى ملأت السمع والبصر بمنتجاتها المتطورة.. يفد إليها بعثات من مختلف الجامعات العالمية للوقوف على تجربتها التعليمية.. ونسب التعليم فى مجتمعها تصل إلى 100% حيث يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، وتمتلك أكبر مدرسة ابتدائية فى العالم تدعى «شيولانغ» وبها 12 ألف طالب وطالبة ونظام تعليمها مزيد من التعليم الأمريكى والصينى. ونعود إلى سنغافورة تلك الجزيرة الفقيرة المعدومة من الموارد الطبيعية وفى أقل من 50 عامًا تحول سكانها الفقراء الأميون فى دولة تنافس دول القمة، وفى 2005 أطلقت مبادرة «تعليم أقل - تعلم أكثر» وركزت على طرق التدريس وتخفيض مستوى المناهج.. وتعطى بسخاء علاوات للمعلمين وتعتمد على نظام التعليم التنافسى.. والجديد فى نظام تعليمها عن مثيلتها اهتمت لتعلم «التفكير الناقد» واقتبسته من أمريكا التى بدأته فى أوائل التسعينات.. فقد شدد علماء النفس والمتخصصين على ضرورة استخدام الفرد لأقصى طاقته العقلية للتفاعل بشكل إيجابى مع بيئته.. ومهارات التفكير الناقضى يكتسبها الطالب من خلال تعليم منظم يبدأ لتنمية مهاراته فى التفكير بالأشياء الأساسية فى الحياة وتتدرج إلى عمليات التفكير العليا.. ووضعت وزارة تعليم سنغافورة تلك الدراسات ووسائل التدريب فى مناهجها الدراسية، ولذلك أقامت مركزًا لتعليم التفكير الناقد يتدرب فيه الطالب والمعلم مع حرص القائمين على العملية التعليمية على دفعهما إلى الإبداع والابتكار حتى لو كان خارج نسق المنهج التعليمى.. وهناك مقولة مشهورة فى سنغافورة تتردد بفخر «إن من يريد الماضى فليذهب إلى أوروبا أما الحاضر فلينظر إلى أمريكا ومن أراد المستقبل فليذهب إلى سنغافورة وآسيا». متى يتحرك القائمون على العملية التعليمية فى مصر والعالم العربى ويطورون المناهج الدراسية على أساس علمى وتطبيقى مثل هؤلاء الفقراء.