أثار الفنان الراحل حسين صدقي جدلا كبيرا بعد اعتزاله الفن وقامه بإحراق عدد من نسخ أفلامه التي قدمها في السينما، لأنها من وجهة نظره حرام، وتقلل من رصيده لدى الله كلما شاهدها أحد. تمر الذكرى ال 38 على رحيل حسين صدقي، والذي كانت آخر كلمات قالها قبل وفاته فى 17 فبراير1978،_ حسبما ذكرت زوجته السيدة فاطمة المغربى فى أحاديثها الصحفية_ : "أوصيكم بتقوى الله.. وأحرقوا كل أفلامى ماعدا سيف الإسلام خالد بن الوليد"، وعلى الرغم من أن وصية المتوفي واجبة التنفيذ إلا أن وصيتة صدقي بإحراق أفلامه لم تنفذ حتى الآن، ومازالت أفلامه تعرض على شاشات التليفزيون حتى وقتنا الحالي. ولد حسين صدقي، في حي الحلمية الجديدة 9 يوليو 1917 لأب مصري وأم تركية وارتبطت أسرته بعلاقة قوية بجماعة الإخوان المسلمين إلا أن هذا لم يمنعه من الاتجاه إلى عالم التمثيل. عرف حسين صدقي بالتزامه الشديد لأنه نشأ على تربية دينية، حيث أرادت والدته التركية بعد وفاة والده وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره، أن تجعل منه ابنا صالحا يكمل مسيرتها، فدفعت به للذهاب إلى المساجد، والمواظبة على الصلاة، وحضور حلقات الذكر، والاستماع إلى قصص الأنبياء. درس حسين صدقي التمثيل في الفترة المسائية بقاعة المحاضرات، بمدرسة الإبراهيمية، وكان من بين زملائه جورج أبيض وعزيزعيد وزكي طليمات، ثم حصل على دبلوم التمثيل، بعد دراسة استغرقت عامين. كانت فرقة ''جورج أبيض'' أول مكان يعمل فيه صدقي، وبعدها من فرقة إلى فرقة حتى وصل إلى فرقة ''فاطمة رشدي'' التي أسندت إليه عدد كبير من البطولات منها بطولة مسرحية ''ألف ليلة وليلة''، وقدم صدقي أول بطولة سينمائية في فيلم ''تيتاوونج'' عام 1937، وحقق صدقي نجاح ورواج كبير بعد تقديم دوره في الفيلم، وبعدها شارك في عدد كبير من الأفلام منها ''عمر وجميلة'' و''ثمن السعادة'' و''أجنحة الصحراء''، ولكن كانت انطلاقته الحقيقية في فيلم ''العزيمة'' مع فاطمة رشدي. وبعد قيام ثورة يوليو، طالب صدقي بتطهير الساحة السينمائية من الفساد مثلما حدث في الكثير من المجالات بعد الثورة، ودعا للنهوض بالسينما المصرية واستخدام أحدث الطرق في تصوير وانتاج الأفلام المصرية. وفي عام 1942م أسس "شركة مصر الحديثة للإنتاج" لتخدم الأهداف التي كان يسعى لترسيخها في المجتمع، وحاول صدقي استغلال أفلامه في إصلاح المجتمع، وللتربية والتعليم والإصلاح، ونشر الثقافة، فقدم بعض الافلام التي تهدف لذلك منها: فيلم "العامل" الذي يتناول مشكلة العمال عام 1942، ومشكلة تشرد الأطفال في فيلمه "الأبرياء" عام 1944، وفيلم "المصري أفندي" الذي عالج قضية القضاء والقدر، وفيلم ''وطنى وحبي'' الذي يدعو إلى دعم الوحدة المصرية السورية، ثم قدم فيلم ''أنا العدالة'' بعد فشل الوحدة بين مصر وسوريا. وفي محاولة منه لربط السينما بالدين، قدم صدقي فيلم ''ليلة القدر'' والذي حاول إنهاء الخلافات الموجودة بين المسلمين والمسيحين، والتي تفاقمت بعد زواج الأميرة فتحية شقيقة الملك فاروق من المسيحي رياض غالي. عمل صدقي مع عدد كبير من المطربات في أفلامه السينمائية، ومن بينهم نجاة على وصباح ونور الهدى ورجاء عبده ومها صبري، إلا أن ليلى مراد حصلت على نصيب الأسد من مشاركته في الأعمال، فقدمت معه العديد من الأفلام، كان أولها فيلم ''ليلى''، وهو تمصير لفيلم ''غادة الكاميليا''، و''ليلى في الظلام''، و''شاطئ الغرام''، وكان أخر أفلامهما معا ''الحبيب المجهول''. وعلى الرغم من نجاحه في السينما، قرر صدقي اعتزال الفن وقام بإحراق عدد من نسخ أفلامه السينمائية، التي تعتبر علامات وتأريخا للسينما المصرية، لأنها من وجهة نظره حرام، وتقلل من رصيده لدى الله كلما شاهدها أحد. وبعد اعتزاله للفن في الستينيات، وافق صدقي على الترشح لأحد المناصب في البرلمان بناء على طلب جيرانه وأهل حيه، ونجح ناجحًا ساحقًا في الانتخابات، مما أهله إلى تمثيل أهل دائرته في البرلمان، وعرض مطالبهم، والعمل على حل مشاكلهم، ولكنه ابتعد ولم يكرر التجربة مرة أخرى، لأنه لاحظ تجاهل من قبل المسئولين للمشروعات التي يطالب بتنفيذها، والتي كان من بينها منع الخمور في مصر. وظل حسين صدقي يعمل لما يزيد عن 20 عاما إلا أنه في أوائل الستينيات اعتزل التمثيل بعد أن أثرى السينما المصرية ب 32 فيلما منها: "العريس الخامس" و"امرأة خطرة" عام 1941، و"الأبرياء"، و"المصري أفندي" 1949، و"شاطئ الغرام "و"طريق الشوك" و"معركة الحياة" 1950، و"آخر أفلامه" كان فيلم أنا العدالة 1961. تزوج حسين صدقي من خارج الوسط الفني من السيدة سميرة المغربي وأنجب منها ثمانية أبناء، خمسة ذكور وثلاث بنات وأبقاهم بعيدا عن مجال الفن. توفي حسين صدقي في 17 فبراير1978، وأقيمت له جنازة متواضعة ولم يحضرها أي فنان.