أحد اللاعبين خسر من فرط تعجله تعاطف المتفرجين .. والآخر خسر من فرط تهاونه إعجاب المشاهدين حينئذ .. لست أشك في أن المجلس العسكري سوف يترك السلطة بشكل ما يوم 30 يونيو وقد يسلمها إلي مجلس رئاسي مختلط تبدو لي الساحة السياسية أشبه برقعة شطرنج بطول البلاد وعرضها، يتباري عليها لاعبان، يحركان أحجارا، وفق قواعد متعارف عليها، وحسب خطط موضوعة سلفاً. غير أن القواعد لا تسلم أحيانا من خرق وانتهاك. والخطط حسب مجريات اللعبة تتبدل وتتغير، وفي بعض الأحيان تتحول إلي مؤامرات! أحد اللاعبين الاثنين كان متعجلاً في أمره. أراد أن يكسب المباراة بعد 4 حركات لاغير مستخدما خطة نابليون: »السرعة، السرعة، السرعة«. كان رهانه يعتمد علي أن خصمه بطئ في قراره، متردد في رد فعله، يمتلك أدوات قوة غير أن مسرحها ليس رقعة شطرنج. لكنه من فرط تعجله، خسر أهم أحجاره، ومعه خسر تعاطف المتفرجين! أما اللاعب الآخر، فهو يؤمن بسياسة النفس الطويل، لا يقلقه أن يخسر بيدقاً في حركة خاطئة، ولا أن تنكشف خطوطه مرة ويقال له: »كش ملك«. فهو يعرف بحكم تكوينه وخبرته أن من يدفع باحتياطيه أولاً، لابد أن يخسر المعركة في النهاية. لكنه من فرط تهاونه خسر إعجاب المشاهدين! المباراة مازالت تجري في العراء، وسط أجواء خماسينية تخيم علي الربيع الثاني للثورة المصرية. الرؤي غائمة، والغبار خانق، والرياح عاصفة، تهدد بقلب الأحجار علي رقعتها. والمشاهدون ضاقوا بكلا اللاعبين، وباللعبة نفسها التي اخترقت قواعدها. فباتوا أقرب من أي وقت مضي يتمنون لو خسر اللاعبان كل أحجارهما، لتنتهي المباراة دون فائز، أو أن تنقلب الرقعة بفعل رياح القانون، وعاصفة الأحكام، لتعاد اللعبة لكن بلاعبين جدد! هذا الأسبوع هو بداية الحسم لكل اللعبات والألاعيب الجارية ، علي الساحة السياسية المصرية. أمس .. كانت الافتتاحية بالإعلان الرسمي من جانب لجنة الانتخابات الرئاسية عن تلقيها وثائق رسمية أمريكية في خطابين من وزارة الخارجية المصرية تؤكد حصول والدة حازم صلاح أبوإسماعيل علي الجنسية الأمريكية قبل رحيلها بأربعة أعوام. وقبل حلول المساء.. كشفت جماعة الإخوان المسلمين عن أن نواياها للاستحواذ علي كرسي الرئاسة خالصة في صدقها، وأنها لم تكن تناور حين طرحت نائب المرشد خيرت الشاطر مرشحا لها في الانتخابات، ولم تكن تساوم بهذا الترشيح أو تقايض به علي مكاسب أخري. فعندما أدركت الجماعة ان شغفها للحصول علي المنصب الأهم في رباعية مراكز الحكم في البلاد، مهدد باحتمالات خروج الشاطر من سباق الترشح، سعت إلي الدفع برئيس حزب الحرية والعدالة د. محمد مرسي كمرشح رئاسي عن الحزب- ربما يقدم أوراقه اليوم- خشية أن تعوق نصوص قانون مباشرة الحقوق السياسية، أحلامها وطموحات الشاطر في الوصول إلي مقعد الرئيس. واليوم .. تغلق لجنة الانتخابات الرئاسية أبواب الترشح ، غير أن عدد المرشحين سوف يقل حتما في الأيام المقبلة وقبل إعلان القائمة النهائية، بفعل الاستبعاد القانوني لأكثر من شخصية لمخالفة شروط الترشح وأهمها شرط الجنسية، وبفعل التنازلات إما إدراكا لضعف الفرصة، أو سعياً لتوحيد جبهة في مواجهة جبهات، أو في إطار تحالفات انتخابية تجمع فرقاء سياسيين توحدهم أهداف الثورة. و عندما يحل يوم الثلاثاء.. سوف تنجلي الرؤية، وينقشع الغبار الذي يحيط بشرعية تشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور، عندما تصدر محكمة القضاء الإداري حكمها في شأن معايير اختيار اعضاء الجمعية، غير أن مشروعيتها -حتي في حالة صدور الحكم بصحة المعايير- تظل رهنا بمدي تعبيرها عن فئات الشعب المختلفة، واتجاه بوصلتها نحو التوافق أم فرض إرادة الأغلبية. وقبل أن ينتهي الأسبوع.. سوف تتلقي هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا ملف الطعون علي دستورية قانوني مجلس الشعب ومجلس الشوري في شأن المواد المتعلقة بتقسيم مقاعد البرلمان بواقع الثلثين للقوائم الحزبية والثلث للنظام الفردي، وكذلك السماح لمرشحي الأحزاب بخوض الانتخابات علي المقاعد الفردية، وحرمان المستقلين من خوضها علي أساس القوائم. ودونما استباق لرأي اعضاء هيئة المفوضين، تبدو الرياح آتية علي غير ما تشتهي قوي الأغلبية، ويبدو قرار المحكمة الدستورية أقرب الي الصدور في اتجاه تهواه القوي الليبرالية واليسارية، وفي توقيت لم يكن يتمناه المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي يتهيأ للانصراف الي مهمته الأساسية، وإن كان لا يجد منه ولا من توابعه مفرا! لو صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بقبول الطعون وقضت بعدم دستورية بعض المواد التي أجريت علي أساسها الانتخابات البرلمانية، ولو صدر قرار من المجلس العسكري بحل مجلسي البرلمان نفاذا لهذا الحكم قبل حلول يوم 22 يونيو المقبل، فسوف تكون الجمعية التأسيسية بلا سند دستوري، وسوف يعاد فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة من جديد ، نظرا لارتباط الترشح في بعض شروطه بالحصول علي تأييد 30 نائباً علي الأقل ، أو الحصول علي ترشيح رسمي من حزب له مقعد أو أكثر بالبرلمان وهما أمران يقدحان في شرعية الترشح لو صدر الحكم ببطلان البرلمان. وقد تعلق الانتخابات في هذه الحالة الي أجل مسمي أو غير مسمي.. وبالتالي سوف تعود العملية السياسية الي نقطة الصفر. حينئذ.. لست أشك في أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة سوف يترك السلطة بحلول 03 يونيوالمقبل بشكل ما، وقد يسلمها الي مجلس رئاسي مختلط. ولعلنا نعود لمشاهدة لعبة الشطرنج من جديد، وفق قواعد لا تنتهك وبخطط لا تشوبها مؤامرات يوحي بها إلي لاعبين !