من عجائب السياسة اليوم أن فتحت الباب على مصراعية للوصول الى سدة الحكم وكرسى الرئاسة فيتنافس جارى كسباروف بطل العالم للشطرنج على رئاسة روسيا ويتهم الرئيس الروسى ورجل المخابرات الاول فلاديمير بوتين بالعديد من الاتهامات فى محاولة بها للوصول لرئاسة روسيا، احتل جاري كسباروف (44 سنة) الذي اعتقل السبت 24/11 خلال تظاهرة في موسكو، عرش بطولة العالم للشطرنج بلا منازع طوال 15 عاما قبل ان ينضم الى المعارضة الروسية المناهضة للرئيس فلاديمير بوتين. ففي عام 2005 برر كسباروف انتقاله من عالم الشطرنج الى عالم السياسة بضرورة "تحدي ديكاتورية بوتين". وفي العام نفسه انشا حركته "جبهة المواطنة الموحدة". لم يكن الحديث عن كاسباروف ليكتمل الا بذكر تجربته الرائعة مع الكمبيوتر الخارق"ديب بلو" والذى تم اعداده خصيصا للعب مع كاسباروف فى مباراة تابعها الملايين حول العالم ، حيث ينتقى هذا الكمبيوتر الحركة الافضل ليقوم بلعبها لكن كاسباروفاستطاع ان يتفوق عليه بجدارة ويهزمه بنتيجة (4-2). ولا يبدو ان عالم السياسة المختلف تماما عن عالم الشطرنج منع كسباروف من خوض هذه اللعبة الجديدة عليه رغم أن لعبة الشطرنج تعود لاعبها على الصبر، وقال في حديث لفرانس برس في يونيو الماضي "القاعدة هنا هي عدم وجود قواعد. وغياب القواعد هو ايضا قاعدة". ولد كسباروف في 13 ابريل 1963 في باكو، عاصمة جمهورية اذربيجان السوفياتية سابقا, لاسرة مهندسين نصفها يهودي والاخر ارمني وبدا تعلم الشطرنج منذ سن السادسة اسمه الحقيقي جاري وينستون ،لكنه غيره إلى كاسباروف ليصبج الاسم أكثر روسية ويكون سريع الانتشار، واشتق كاسباروف هذا الاسم من اسم عائلة أمه الأرمينية " كاسباريان".وقال جاري كسباروف, المرشح للانتخابات الرئاسية عام 2008 عن حركته "روسيا الاخرى" قبل اعتقاله بأن هدفه هو ازاحة النظام الحالى مؤكدا على فوزه معركة الرئاسة. وبعد فوزه ببطولة الاتحاد السوفياتي للناشئين وهو في الثالثة عشر انطلق محلقا ليصبح عام 1985 وهو في الثانية والعشرين من العمر اصغر بطل للعالم في تاريخ لعبة الشطرنج متفوقا على لاعبه الاسطوري ايضا اناتولي كاربوف. الذى لعب كساباروف مباراة التحدي معه واستمرت 48 دورا حتى قرر رئيس الاتحاد الدولي إيقافها بسبب سوء حالة كاربوف الصحية على أن تلعب بطولة عالم جديدة في العام التالي ، ويفوز فيها كاسباروف أيضا، ويتوج بطلاً للعالم ، تم يأتي عام 1986 ليؤكد كاسباروف جدارته باللقب العالمي ويفوز للمرة الثانية ليحتفظ باللقب العالمي. وفي عام 1996 يلاقي كاسباروف الكمبيوتر الخارق ديب بلو فيفوز كاسباروف عليه فاثبت فى هذه المباراة على تفوق الذكاء البشرى على الذكاء الاصطناعى رغم أن هذا الكمبيوتر كان يحسب 180 مليون نقلة في الثانية الواحدة وتم تطوير نسخة أخرى من برنامج الكمبيوتر ديب بلو فهزم كسباروف فى العام التالى وهكذا استمرت المنافسه بين ذكاء الآله مع الذكاء الانسانى مرة يكسبها وهو مخترعها ومرة تكسبه وهو مطورها ويأتى عام 2000 ليكون بداية العد التنازلى لنهاية مسيرة كاسباروف ففى هذا العام تمكن النجم الروسي فلاديمير كرامنيك ان يهزم كاسباروف على اللقب العالمي في لندن بثماني نقاط ونصف مقابل ست ونصف لكاسباروف، وخلال خمسة عشر دورًا لم يستطع كاسباروف الفوز بدور واحد وهو شيء لم يحدث في تاريخ اللعبة منذ عام 1921.لثؤثر هذه الهزيمة فى معنويات كاسباروف لتبدأ معها سلسلة التعادلات ففى عام 2003 تستمر التنافس بين الذكائين البشرى والاصطناعى ليلتقي كاسباروف مع الكمبيوتر الألماني فريتز وتنتهي بالتعادل، وكذلك مع الكمبيوتر ديب جونيور وتنتهي المباراة أيضًا بالتعادل. واخيرا وفي عام 2005 يقرر كاسباروف حرمان لعبة الشطرنج وعشاقه من عبقريته ، حيث اعلن بعد فوزه ببطولة ليناريس العريقة في دنيا الشطرنج الاعتزال نهائيا ليتفرغ للسياسة . وبسبب جسده الرياضي ونظراته الغامضة واسلوبه الآمر وبطولاته المدهشة ورغبته التي لا تقاوم في الفوز دائما استحق لقب "جول باكو" او "الوحش الذي ترى عينيه كل شيء". خاض كسباروف سريعا عالم السياسة مدعوما من البريسترويكى ميخائيل جورباتشوف وكذلك أول رئيس لروسيا بوريس يلتسين بعد ان شعر في لحظة بانه قريب من الجنرال الكسندر ليبيد الذي مات في حادث هليكوبتر عام 2002. وفي عام 2000 تخلى جاري كسباروف وهو فى ال 37 عن تاجه العالمي لتلميذه فلاديمير كرامنيك قبل ان يعتزل نهائيا المسابقات عام 2005 بعد فوزه ببطولة ليناريس الاسبانية الثانية والعشرين للشطرنج. وانضم كسباروف بعد ذلك الى لجنة تضم شخصيات ليبرالية للعمل على تنظيم انتخابات رئاسية "حرة" عام 2008. وامام المعارضة الليبرالية التقليدية (حزبا يابلوكو واتحاد قوى اليمين) التي سحقت مع وصول بوتين الى السلطة عام 2000 ظهر كسباروف كعنصر موحد محتمل لمعارضة جديدة. وفي سبتمبر 2007 دعا كاسباروف الى "البدء من الصفر" في بناء المعارضة منددا بالاحزاب التي انشات في التسعينات والتي قال انها "خسرت" قاعدتها الانتخابية. الكرملين يصفه هو وانصاره ب"الهامشيين" وجرى تفريق العديد من تجمعاتهم بصورة عنيفة. وعلى الصعيد الدولي هاجم جاري كسباروف مؤخرا الزعماء الغربيين ودعاهم الى "الكف عن دعم" نظام فلاديمير بوتين "الديكتاتوري". وصرح في 21 نوفمبر الحالي في باريس "نحن لا نطالب الغرب بان يدعمنا وانما نطالب الحكومات الغربية بالكف عن دعم بوتين. وهكذا فكاسباروف شاه سياسى - وهو لفظ يطلق فى روسيا على المهتمين بالسياسة- وصل الى النجومية وشرب من كأسها لايستطيع ان يتركها هذا ما فعله كاسباروف والذى اراد ان يتذوقها مرة ثانية بعد قرار اعتزاله، لكن هذه المرة قرر ان يدخلها من باب السياسة فبعد أن بلغ من العمر 42 عاما قرر كاسباروف دخول العمل السياسي والتصدي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبررا ذلك باتهام بوتين بالسعي لتكريس الحكم مدى الحياة لصالحه ، إضافة إلى زعمه عدم وفاء بوتين بوعود تحسين المعيشة وإنهاء حرب الشيشان. والناظر الى قواعد لعبة كسباروف فى السياسة عليه أن يضع فى اعتباره القواعد التى وضعها كسباروف لهزيمة خصمه فى لعبة الشطرنج فالقاعدة الاولى : ينبهك كاسباروف بأن لا تستخف بقدرات خصمك أبدًا، فإذا شعرت بأن تحركاته تدعوك إلى الاستخفاف به ، فينصحك كاسباروف بان لاتهتم بذلك وتصرف بشكل مناقض له ، فمن المؤكد أن خصمك يعد لتحركات أكثر دهاء مما يبدو عليه الأمر بالنسبة لك. القاعدة الثانية : يطلب منك كاسباروف أن تبدأ بهزيمة خصمك اولا نفسيا ، لان الهزيمة النفسية تفقد الخصم التوازن ، ويؤكد على أن خسارته أمام فلاديمير كرامينك عام 2000 كان سببها التفوق النفسي. القاعدة الثالثة : يقول لك كاسباروف بانك يجب ان تفكر كالخصم وتضع نفسك مكانه، فأول خطوة لكسب الخصم تكمن في فهم لعبه وكشف الشراك التي ينصبها لك. على اساس ذلك قام كاسباروف بتأسيس حركة سياسية أطلق عليها "الجبهة المدنية الموحدة"، قال عنها : إن "إستراتجيتها هي ألا تخسر في الوقت الراهن وألا يقتل شاهها، بل أن تستمر في الوجود"، سيكون تكتيكها هو الإضرابات والاحتجاجات لا دخول الانتخابات ، حيث يرغب أولاً في توحيد كل الناشطين الذين يرون أن نظام بوتين هو الخطر الأكبر على روسيا ويريدون تحويل انتخابات 2008 الرئاسية إلى سباق. لكن المراقبون يعتقدون ان رهان كاسباروف على السياسية مجرد وهم فرقعة الشطرنج تختلف عن رقعة السياسة ، وان تشابهت تكتيكاتها ، ففي أثناء جولاته في القوقاز تصدى له البعض ورماه بالبيض والطماطم في أوسيتيا الشمالية،على اثرها اتهم كاسباروف السلطات الروسية بتدبير الأحداث . ويرى المراقبون أن الموضوع فى النهاية هو تحصيل حاصل لكاسباروف فهو في النهاية لن يحصل على شعبية الروس بسبب أصله اليهودي الأرميني، خاصة مع بلد يشهد صعود التيار القومي الذي بات يسيطر على 10% من مقاعد البرلمان. وهكذا هل يستطيع كسباروف لاعب الشطرنج أن يكسب فى لعبة السياسة التى لا تخضع لقواعد بعينها ولها قواعدها الخاصة أن ينافس رجل المخابرات المتوقد الذكاء فلاديمير بوتين ولننتظر ونرى هل سيصمد كسباروف على رقعة السياسه كما صمد على رقعة الشطرنج خصوصا أن خصمه اليوم ليس لاعب شطرنج وإنما لاعب من لاعبى المخابرات والسياسة؟ 25/11/2007