مثل كرة النار المتنقلة والمتدحرجة عبر الحقول تحرق الأخضر واليابس تتواصل دورات العنف التي تختار نهاية الأسبوع موعدا لها لتصيب بالقلق والتوتر المصريين طوال أسبوع قادم دون فواصل من الهدوء، بينما ينعم رعاتها ودعاتها بالهدوء والجلوس أمام شاشات الكمبيوتر ليغردوا عبر تويتر أو يتواصلوا من خلال الفيس بوك، يحملون نفس شعار مبارك "أنا أو الفوضي" فهم لايريدون استمرار الرئاسة الحالية ولا التيار الذي تمثله، لايعترفون بقانون أو شرعية إلا إذا توافقت مع مصالحهم وأطماعهم وأيدولوجياتهم، كل شيء مباح لهم فعله ومحرم علي غيرهم مجرد الاقتراب من شيء، حقائبهم جاهزة في انتظار الفوضي العارمة التي لن تحدث علي هذه الأرض الطيبة ليكونوا خارج البلاد بجوار ممتلكاتهم وحساباتهم السرية ببنوك الخارج! أتحدث هنا عن كل فاسد علي أرض مصر إما ماليا أو فكريا أو ذهنيا، أتحدث عن معارضة تثبت كل يوم أنها الراعي الأكبر للفوضي والعنف عبر صمتها المريب الذي يصل إلي حد التآمر والتواطؤ لأنه يمارس ضد الآخرين الذين يرون أنهم العدو والآخر هوالجحيم وكأن أي فصيل آخر غيرهم كائنات قادمة من كواكب أو مجرات في فضاء الكون الفسيح وليسوا من أبناء هذا الشعب، لاءاتهم مع النظام تجاوزت لاءات العرب الثلاث الشهيرة في مؤتمر الخرطوم في أعقاب هزيمة يونيو 76 (لاصلح لااعتراف لاتفاوض) الفارق هنا أنها كانت مع عدو لكن يبدو أن حالة العداء التي خلقوها مع الآخرين داخل الوطن والأرض الواحدة لاتختلف كثيرا عن العدو في الخارج، وعندما يجتمع الفساد المالي والفكري والرغبة العارمة في السلطة نصبح أمام خطر داهم يهدد سلامة المجتمع واستقراره !! أقول ذلك لأن ماحدث في موقعة المقطم وغيره من أحداث سبقته، يدق أجراس الخطر حول ما وصلنا إليه أو وصل البعض لمثل هذا المنحدر من العنف والدموية، سحل وتعرية وطعن بالأسلحة البيضاء لا فرق في الضحايا بين صغير أو كبير وإطلاق نار ومحاصرة مساجد وممتلكات خاصة وعامة ومحرقة سيارات وأشجار بل وإحراق آخرين مع رفع علامة النصر، قوي سياسية تدفع بقوة نحو الاحتراب الداخلي وشعارها إما نحن أو الفوضي وعلي الجانب شرطة تعمل بعض الوقت وتنفذ سياسة الوقوف علي الحياد بين المتظاهر السلمي والفوضوي من مشعلي الحرائق والبلطجية وأجهزة أمنية أخري تعمل وقتما تريد وإعلام سواء الخاص منه والعام لا يحمل سوي هدف واحد إسقاط النظام وقضاء نخر سوس فساد مبارك في العديد من ساحاته ومنصاته إلا من رحم ربي، فكيف تقوم دولة ويستقر نظام وسط تلك الأجواء غير المواتية والمعاكسة علي طول الخط ؟! هل هذه هي الثورة التي قامت لتحرر المواطن من الاستبداد والقهر حتي يخرج من ذلك النفق المظلم إلي نور الحرية وفضائها الواسع، كانت أيام قيامها أشبه بالحلم الجميل الذي رآه المصريون يتحقق علي أرض الواقع لشعب واحد يتحرر فإذا به بعد سقوط رأس النظام يتحول إلي كابوس بما فعلناه في بعضنا البعض ومازلنا، اختبأ وتواري أركان النظام القديم بعض الوقت ليروا مسار واتجاه الريح فلما رأوا الأجواء مهيأة لعودتهم سريعا ظهروا في المشهد بقوة لتنفيذ مخططات إعادة الثورة للوراء وتحويل حياة المصريين لجحيم عبر افتعال الأزمات والدفع بسخاء للبلطجية ومسجلي الخطر الذين ارتبطوا بأجهزة الأمن في العهد السابق حتي يترحموا علي أيام هذا النظام بالتعاون مع كل من استفادوا وتربوا علي أخلاقياته وفساده، المليارات تنفق بلا حساب من داخل وخارج البلاد حتي لا نتقدم خطوة واحدة للأمام من قوي لاتريد لمصر قياما ولا نهوضا. ماجري خلال الشهور الماضية يدفع لطرح العديد من التساؤلات من منها أليس هناك احترام لإرادة الشعب ؟ أليست الديمقراطية هي حق الاختيار الحر ؟ هل أصبحت البلاد تدار من الفضائيات والقاعات المستأجرة في الفنادق ثم بممارسة العنف في الشارع ؟ هل أصبحت المنشآت والممتلكات الخاصة والعامة هدفا مشروعا لمن يدعون زورا بالمتظاهرين ؟ هل العنف صار أحد أهم أدوات التعبير عن الرأي؟ إذا كان النظام قد فشل في تحقيق أهداف الثورة فماذا قدمت المعارضة لإنجاحها ؟ وهل تريد عبر ممارساتها عودة الجيش للمشهد السياسي مرة أخري لنظل ندور في دوامة لا تنتهي ولسنوات قادمة وهل بذلك تتحقق الديمقراطية ؟ هل تعترف المعارضة بتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع ؟ ثم أخيرا ما علاقة الثورة بالانفلات الأخلاقي الذي صار مشاهدا في الكثير من نواحي حياتنا وكان صارخا في الأحداث الأخيرة ؟! أليس أطفال الشوارع أحد أدوات العنف نتاج نظام مبارك ورعاية مجالس الطفولة والأمومة؟ أليس مسجلو الخطر الذين تقترب أعدادهم من مائة ألف فرد ممن يشعلون الحرائق ويروعون الناس في الطرق هم نتاج سياسات العادلي ورجاله؟ الانهيار في كافة مرافق الدولة والفساد الذي ضرب في كل مكان أليس تركة النظام السابق ؟ من نهب ثروات البلاد وترك رصيدها المالي علي حافة الهاوية ؟ بدلا من أن يمد كل منا يده للآخر انقلبنا علي بعضنا البعض وصار كل فريق يبحث عن مصالحه ويغيب العقلاء عن المشهد لكن موجات العنف سوف تطال آثارها الجميع ليكون المواطن البسيط في النهاية هو الضحية، ألم يحن الوقت لأن يعقد الجميع اتفاق هدنة تعلن فيه كافة الأطراف نبذها لكل أشكال العنف واعتبار كل مايملكه الشعب من موارد ومقدرات خطا أحمر لايجوز الاقتراب منها وأن يقبل الجميع بإرادة الشعب وخياراته وهويته التاريخية والثقافية حتي نعيش معا في سلام.