ابراهيم قاعود الملايين من أبناء الشعب خرجوا ليتنسموا عبير الحرية ويقولوا كلمتهم في صناديق الاقتراع في مشهد حضاري راق، منذ ساعات الصباح الأولي في أول أيام الانتخابات انتظمت الطوابير لمئات الأمتار في عرس ديمقراطي لم تشهده مصر من قبل نتمني أن يكتمل كانت بوادره في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية - رجال ونساء وشباب وكبار السن تحملوا الوقوف لساعات طويلة كي يقولوا نحن شعب مصر جئنا لنختار من يمثلنا ويعبر عن إرادتنا وطموحاتنا ولنعبر معا من عنق الزجاجة بعد ثورة أطاحت برأس النظام وتمضي لتكمل مسيرتها وتقتلع بقاياه وفلوله. كانت الثورة حلما لكل الشعب كي ينتهي ذلك العهد المظلم الذي أصاب المصريين بكل أنواع العلل والأسقام النفسية والاجتماعية وعمت فيه كافة ألوان الفساد الظاهر والباطن وتراجعت مصر للوراء قيمة ومكانة وصار وزنها الإقليمي والدولي أقل من الجزر المتناثرة في المحيطات ، لكن الحلم صار حقيقة عندما تقدمت طلائع الشباب كقاطرة للثورة وسرعان ماانطلق القطاربكل أطياف الشعب تعبر عن غضبها ورغبتها في تغيير ذلك الواقع المرير الذي لم يعد بمقدورهم احتماله أكثر من ذلك ونفاد رصيد الصبر لديهم ، وبكي المصريون فرحا ليلة تنحي رأس النظام ولكن ماذا حدث في الأيام والأسابيع والشهور التالية ؟! توقف الكثيرون عند شريط فيديو لإحدي خواطر الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله عن الثائر الحق الذي يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد وأن آفة الثائر أن يظل ثائرا، لكنه قال أيضا في السياق: إنه لابد من رد مظالم الناس حتي يأتي الهدوء. أي أنه ربط هدوء الثائر برد مظالم الناس، البعض ربط بين المقولة وضرورة أن يهدأ الشباب لأن البلد علي حافة الانهيار، لكن هل تحقق شرط الهدوء الذي تحدث عنه الشيخ حتي يبني الثائر الأمجاد ؟! علي الجانب الآخر من الصورة يبدو أن هناك قوي سعت بقوة لاستثمار ثورة الشباب لتحقيق أهدافها وليس مصالح الوطن وهؤلاء للأسف كثيرون، منهم من ركب موجة الثورة وقد استفاد من النظام القديم وكما يقال "لحم أكتافه من خيره" من منح وجوائز وعطايا ومناصب وتكريم محلي ودولي برضا ومباركة النظام، بعضهم سارع لإطلاق قنوات فضائية وإصدار الصحف ممن صنعوا إمبراطوريات مالية في ظل ذلك النظام ومنهم من أنشأ ومول أحزابا وائتلافات وصولا لتأجير المرتزقة من البلطجية للاندساس في أوساط الثوار ومنهم من لم ينس فضل النظام عليه فعمل علي استمرار تقديم خدماته خاصة في الأجهزة الأمنية والإعلامية وغيرها ، ومنهم من تحول بين ليلة وضحاها من الخادم المطيع وأحد أبواق نظام مبارك إلي ثورجي وهذه هي التسمية التي تليق بهؤلاء وليس بالثائر الحقيقي !! المشكلة الحقيقية التي نواجهها الآن هي في صراع جيل الشباب الذي يريد تحقيق أهداف الثورة يسانده قطاع عريض من الشعب اكتوي بنار النظام القديم، ومن تركهم النظام لنا ممن جنوا الثمار الحرام في ظل استبداده وقمعه ويريدون إعادته مرة أخري بصورة معدلة، ولاحل سوي أن تمضي العملية الديمقراطية في مسارها كي يستعيد الشعب كلمته ويقرر مصيره بإرادته الحرة واستقلالية قراره ، أما الشباب فعليه أن ينقي صفوفه من الدخلاء ومثيري الشغب والمحرضين علي إحراق الوطن وفي مقدمتهم تلك النخب أو الفلول المعدلة التي عطلت وماتزال المسار نحو ديمقراطية حقيقية ننشدها جميعا وتقوم بنفس أدوار الفلول القديمة في نشر وتوسيع دائرة العنف والفوضي ودفع البلاد نحو الفراغ والمجهول ، وعلي الشباب عدم حرق الجسور بينهم وبين مؤسسات الدولة حتي لانتحول إلي صومال أو عراق جديدين وذلك عبر الحوار حتي لو كان غاضبا وليس بلغة الإنذارات والتهديدات ورفض كل شيء وهو مايسحب من رصيد الثوار عند الشعب ! مصر سيحفظها الله طالما حافظ عليها أهلها وخلصت نواياهم وأدركوا أن الثورة ليست نوعا من الفوضي أو مرادفا لها وتصدوا لأعدائها الذين يعيشون بيننا أو الذين يتآمرون عليها من الخارج. علينا ألا نفوت هذه الفرصة الذهبية في أن نتحرك نحو إزالة كل إرث النظام القديم ويستعيد الشعب دوره في تقرير مصيره بأيدي أبنائه، ونقول للعالم بأن مصر قد تضعف ويتواري دورها أحيانا، لكنها قادرة بفضل الله علي أن تعود قوية ومتماسكة، كي نصنع حاضرا ومستقبلا لنا ولأجيالنا القادمة. كلمة أخيرة.. أجمل الأنهار لم نرها بعد.. أجمل الكتب لم نقرأها بعد.. أجمل أيام حياتنا لم تأت بعد.. (الشاعر التركي ناظم حكمت)